الأولى

حلفاء واشنطن: حطب التسويات

| بيروت – محمد عبيد 

قال أحد ملوك الأنظمة العربية السابقين يوماً: على أعداء الولايات المتحدة الأميركية أن يخشوها ولكن على أصدقائها وحلفائها أن يخشوها أكثر.
لاشك أن هذا التوصيف- الخلاصة مبنيٌ على تجربة طويلة من التحالف، والأصح التبعية لدى الملك المذكور للإدارات الأميركية المتعاقبة، ينطبق على حليفين مفترضين لواشنطن في المنطقة: النظام التركي وبعض الفصائل الانفصالية الكردية. فالمعطيات التي بيّنتها وقائع مشروع الانقلاب ضد نظام أردوغان أشارت بأصابع الاتهام ولو بخجل إلى تورط أوروبي-أميركي في هذا المشروع لأسباب عدة أبرزها:
أولاً: غضب بعض دول الاتحاد الأوروبي الفاعلة من لعبة الابتزاز التي دأب أردوغان على ممارستها ضدهم في موضوع اللاجئين السوريين وخصوصاً لجهة استعمالها كجواز مرور إلى نعيم هذا الاتحاد ولكن بشروطه.
ثانياً: تمدد نفوذ نظام أردوغان في الكثير من دول الاتحاد السوفييتي السابق من بوابة استقدام إسلاميين متطرفين للقتال في سورية وملامسة هذا النفوذ لبعض دول أوروبا الشرقية الملاصقة، وخصوصاً تلك التي تتضمن في مكوناتها مسلمين متأثرين بالموروث العثماني.
ثالثاً: ارتياب واشنطن من الاندفاعة المفاجئة التركية باتجاه موسكو والتي بدأها أردوغان برسالة اعتذار في السابع والعشرين من حزيران الماضي وأتبعها بسيل من تصريحات الغزل السياسي بالرئيس الروسي بوتين، في وقت كانت تعتبر فيه واشنطن نفسها على أبواب إنجاز اتفاق كامل مع موسكو حول حلٍ للأزمة في سورية وفق رؤيتها ومقاربتها وبيدها الورقة التركية كما ورقة الانفصاليين الأكراد على حد سواء.
رابعاً: اقتناع واشنطن بأن السياسات التركية وبالأخص منها الميدانية القائمة على الاعتماد على مجموعات دينية متطرفة من دون الإفساح في المجال لأي فصيل يحمل عناوين «وطنية» أو «ديمقراطية» سمحت للنظام في سورية بتثبيت فكرة أن جميع الذين يقاتلهم على أرضه هم إرهابيون وأغلبيتهم من الأجانب، ما شرّع له الأبواب لاستعادة بعض العلاقات الأوروبية ولو من البوابة الأمنية، ناهيك عن التمهيد لتجديد علاقات ديبلوماسية مع دول مؤثرة أخرى مثل اليابان.
لكن مشروع الانقلاب الفاشل الذي هز تركيا كما لم يهزها حدثٌ منذ ستمئة عام كما تعتبر مصادر أردوغان، أدى إلى رد فعلٍ عكس الذي كانت تُعد له الدوائر الأوروبية والأميركية والتي كانت تأمل أن نجاح الانقلاب المذكور سيؤدي إلى قيام سلطة جديدة تدار من قاعدة «أنجريليك» الأطلسية المعزولة الآن، وسقوط هذا الانقلاب سيؤدي حكماً إلى إضعاف نظام أردوغان وارتمائه بالكامل في أحضان أركان حلف الأطلسي ما سيسمح لها بفرض أولوياتها على أنقرة من دون ممانعة أو شروط. ولعل مضمون الاتصال الذي جرى بين الرئيس الإيراني الشيخ حسن روحاني وأردوغان بُعيد محاولة الانقلاب وفق مصادر إيرانية، والذي خاطب فيه روحاني أردوغان بضرورة الاستفادة مما حصل كي «تحدد من صديقك ومن عدوك»، يكشف مدى الخيبة التي عاشها رئيس النظام التركي من الحليف الأميركي المفترض.
من المؤكد أن مرحلة ما بعد الانقلاب الفاشل ليست كما قبلها، لأن تركيا بدأت بسلوك مسار جديد سيؤدي حتماً إلى تموضع مختلف عن الذي درجت عليه في مقاربتها للأزمة في سورية، وخصوصاً لجهة إعادة ترتيب الأولويات التي تضع على رأس سُلمِها التنظيمات الكردية المعادية لها ثم التنظيمات الإرهابية التي لم توضح حتى الآن تصنيفها لها ومن ثم النظام في سورية، والذي يبدو أن أردوغان قد أوكل إلى رئيس حكومته بث رسائل إيجابية رمادية تجاهه.
في المقابل، يبدو أن روسيا ومعها محور المقاومة محكومون بالانتظار نتيجة فترة الاستمهال التي طلبها أردوغان خلال محادثاته مع الصديقين «الصدوقين» الجديدين روسيا وإيران من أجل تهيئة الأرضية الاجتماعية والسياسية والأمنية والعسكرية المناسبة لعزل التنظيمات الإرهابية التكفيرية حماية لنفسه ولتركيا قبل سورية، وخاصة أن تداعيات الانقلاب لم تبلغ نهاياتها مع التناقض الكبير والفاضح بين واشنطن وأنقرة بما يتجاوز الأزمة في سورية ومع التمسك الأميركي بعدم تسليم «الداعية غولن» عدو أردوغان اللدود.
في ظل هذا التحول الدراماتيكي، لم يعد أمام الخائب الآخر- أي بعض الفصائل الكردية الانفصالية- سوى البناء على الموقف الحاسم الذي عبرت عنه الدولة السورية حول استهداف أنقرة للأراضي السورية وللسوريين عامة ومن بينهم الشريحة الكردية وذلك بوقف الرهان على الدعم الأميركي لتحقيق مشاريع تقسيمية بعيدة المنال، كي لا يكونوا حطب التسويات المفترضة.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن