قضايا وآراء

متاهة المواقف الدولية

| مازن بلال 

تصاعد التصريحات والتحليلات بشأن توافق روسي- أميركي بشأن سورية لا يقدم أي مؤشرات جديدة، فالمسألة تبدو وكأنها اختبار نيات بين واشنطن وموسكو؛ وهو اختبار لا يرتبط بسورية حصراً، إنما بإمكانية توازن النظام الدولي مع وجود أزمات خانقة وجبهات على طول الحدود الروسية- الأوروبية، فالحديث عن سورية هو مراوحة في دائرة مساومات الاعتراف بالأدوار الدولية المستجدة، وأي توافق بشأن سورية يعني في النهاية إيجاد «سابقة» بفض النزاعات يمكن تعميمها على العديد من المشاكل الدولية.
عملياً فإن «الاختبار» السوري يحمل بعدين لموسكو: فهو يدرس ردود الفعل بشأن «الشراكة» الكاملة لروسيا في النظام الدولي، وهذا يعني اعترافا بمشروع الكرملين بنطاق أوراسي واسع مازالت أوروبا قلقة منه، وأما البعد الثاني فهو ضمان نطاق الحلفاء؛ وبالتحديد الصين لكونها الأكثر ثقلاً على المستوى الجغرافي لروسيا، وفي الوقت نفسه الشريك الأكبر في السوق الدولية، والواضح أن الأزمة السورية تتحرك على مستوى البعدين السابقين، ما يشكل إطاراً سياسياً جديداً؛ تحاول موسكو عبره إزاحة إرث دبلوماسي ساد لعقدين ونصف العقد منذ لقاء «ميخائيل غورباتشوف» مع الرئيس الأميركي الأسبق رونالد ريغان في مالطا من عام 1987.
بالنسبة للولايات المتحدة فهي تحاول وضع الخطوط الحمر بالنسبة للانتشار الروسي، ولا تبدو هذه الخطوط في سورية، لكنها في المقابل لن تسمح بتحالفات شرق أوسطية تحت غطاء روسي، فمشكلتها في الأزمة السورية مرتبطة بثلاث عوامل:
– الأول ضمان تفوق التناقض الإقليمي على حساب السيناريو الروسي في محاربة الإرهاب، فالإدارة الأميركية، الحالية والقادمة، ليست حريصة على حلفائها الإقليمين إلا بقدر إمكانية تحركهم بشكل يصعب المهمة الروسية، والنموذج التركي يقدم ذروة التعامل الأميركي مع الحلفاء.
– الثاني يرتبط بتوازن الجبهات، فالبيت الأبيض يمنع «القوة الروسية» من التأثير المزدوج، ويسعى للفصل بين الجبهة السورية والحرب في أوكرانيا، فهو يريد عزل «الأزمة السورية» عن العديد من الملفات؛ لأنها في النهاية نقطة اشتباك إقليمي واسعة يصعب السيطرة عليها نتيجة موضوع مكافحة الإرهاب وإعادة رسم المنطقة من جديد.
– العامل الثالث هو نوعية أجنحة التوازن في المنطقة، وعلى الأخص «إيران» التي تبدو لواشنطن نقطة ارتكاز روسية، وهي في المقابل قوة تملك نوافذ على عمق آسيا بشكل يؤمن لروسية جناحاً آسيوياً فعالاً.
التناقض الروسي- الأميركي لا يرتبط بالتعقيدات السورية، بل بنوعية القوى المشاركة في هذا التعقيد، وبالتأكيد فإن الجغرافيا السورية ستبقى لهما على محك التجربة الدولية، وقدرتهما أيضاً على إحداث تحولات في الجيوبولتيك السوري يغير التوازن المستقر منذ نهاية الحرب العالمية الأولى.
ما هو واضح أن الرهان على العامل السوري الداخلي يضعف كلما زادت حدة الاشتباك الدولي، فاليوم لا أحد يراهن على حوارات جديدة إلا في ظل قدرة واشنطن وموسكو على رسم توازن داخلي، ويتم في الوقت نفسه انزياح سياسي للكثير من الأطراف المعارضة نحو استقطاب جديد، فبعد الرياض تبدو أنقرة أكثر منطقية لاستقبال «قوى الائتلاف»، في حين تبدو المملكة العربية السعودية على هامش ضيق من الصراع الدائر، والتوازن الحاصل هو أيضاً على محك اختبار جديد.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن