قضايا وآراء

هدية؟!..

| تحسين الحلبي 

تبين من استطلاع آراء عدد من السياسيين والقادة العسكريين في إسرائيل أن جميعهم يفضلون وجود عالم من قطب واحد أكبر وليس من قطبين أو عدة أقطاب لأن عالم القطب الواحد الأميركي أو الغربي هو الذي أنشأ إسرائيل ووضعها ضمن إستراتيجيته في الشرق الأوسط والعالم، على حين أن القطب المقابل الآخر السوفييتي كان الداعم والمؤيد للدول العربية وغير العربية التي تتطلع إلى التحرر من الاستعمار الغربي.. وبعد انهيار نظام القطبين العالمي في عام 1990 في أعقاب تفكك وانتهاء كتلة الاتحاد السوفييتي سجل تاريخ تلك المرحلة الممتدة منذ ذلك الوقت حتى الآن مكاسب كبيرة للكيان الإسرائيلي وترسخت اتفاقاته مع منظمة التحرير الفلسطينية والأردن ومصر على حساب حقوق الفلسطينيين وسورية والدول العربية المناهضة للهيمنة الأميركية.. وازداد بالمقابل الانقسام العربي بعد حرب صدام في الكويت واحتلال العراق وتدمير قدراته، وتوسعت واشنطن في إدارة نظام عالمي من قطب واحد تمثله وحدها وتجر وراءها فيه الدول الأوروبية وحلف الأطلسي، وأدركت واشنطن أن عدم إسراعها في فرض نظامها العالمي وتجسيده على الأرض سيوفر لبعض الدول التي فقدت قطبيتها الكبرى مثل روسيا ولدول أخرى مثل الصين القابلة إلى التحول إلى القطب المقابل، فرصة فرض دورها ومشاركتها في صياغة نظام عالمي متعدد الأقطاب.. ولاحظ معظم المحللين المختصين بالشؤون الدولية واستراتيجيات الدول الكبرى أن روسيا شقت طريقها نحو دور فرضت فيه نسبة كبيرة من الشراكة في حل النزاعات في العالم وخصوصاً في حل الأزمة السورية بعد تقديمها الدعم العسكري والسياسي للشرعية السورية، كما لاحظ الجميع أن التحالف الروسي- الصيني أصبح عنوان قطب أكبر مقابل للقطب الأميركي وخصوصاً في السنتين الماضيتين وشكل هذا التحالف قدرة كبيرة في مناهضة الهيمنة الأميركية في المنطقة على نحو خاص.. وخلال كل سنوات الأزمة وجدت سورية وحلفاؤها من إيران إلى الأطراف العربية المقاومة نفسها مستندة إلى جدار عسكري وسياسي داعم لها في حربها المشروعة على الإرهاب ومن يدعمه في المنطقة والعالم.. وأفشل هذا التحالف وصمود سورية مخططات أميركية- إسرائيلية كثيرة لإسقاط الحكم وتفتيت البلاد، وما زال يحقق الإنجازات والمكاسب لمصلحة وحدة وسلامة الأراضي السورية وسيادتها المستقلة.
ولهذا السبب بدأت إسرائيل وقادة وزارة الدفاع الأميركية بالتحذير من التجاوب الأميركي مع المساعي الروسية لتحقيق وقف للأعمال العدائية وتسهيل الطريق نحو حوار يحقق حلاً ينهي الحرب على سورية من دون تدخل أجنبي. فمنذ الإعلان عن وقف النار في أول أيام عيد الأضحى نشرت بعض مراكز الأبحاث الإسرائيلية الشهيرة دراسات أعربت فيها عن الأخطار التي تحدق بإسرائيل إذا ما استمر التجاوب الأميركي مع المساعي الروسية وتوقعت معظم المواقف الإسرائيلية انهيار وقف النار وتحركت إسرائيل عند حدود الجولان المحتل بشكل مباشر لدعم المجموعات الإرهابية التي ترعاها لمنع وقف الأعمال العدائية ضد الجيش السوري ولتحريض المجموعات الإرهابية في الشمال على الاستمرار في العمليات الإرهابية.
وبدا من الواضح أن جدول الأعمال الإسرائيلي ومعه جدول عمل الدول العربية الداعمة للمجموعات المسلحة أصبح يتجه نحو محاولة التخلص من مشروع وقف النار الذي تدعمه روسيا بموافقة القيادة السورية والتنسيق المشترك معها. وتبين بعد مرور أيام على تطبيق هذا الاتفاق أن ساحة الأعداء من المجموعات المسلحة إلى الولايات المتحدة وحلفائها العرب بدأت تتعرض للانقسامات حول الاتفاق وللتشكيك فيما بينها، على حين أن الجانب المقابل لهذه الساحة كان الملتزم والمنسجم مع هذا الاتفاق.. ولذلك بدأت بعض وسائل الإعلام العربية المتحالفة مع المسلحين بمحاولة توجيه سهامها وسمومها نحو روسيا متمنية أن تتخلص من دورها ودفاعها عن سورية.. لقد كانت إسرائيل أول من أعرب عن رغبتها بزعزعة هذا الاتفاق حين نشرت صحيفة (يسرائيل هايوم) اليمينية التي يتبناها نتنياهو في صفحتها الأولى بعنوان عريض: «الاتفاق يفرض على أوباما التنازل عن رحيل الأسد».. «الاتفاق هدية عيد الميلاد يقدمها أوباما للرئيس الأسد». وهذا العنوان واضح المعنى؟!

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن