ثقافة وفن

الوزير والدبلوماسي عبد الله الخاني في الحلقة الخامسة والأخيرة من حوار مطوّل وحصري وخاص لـ «الوطن»: لا يسعدني إلا رضا الله وأن أرى بلدي مستقراً وآمناً … الرئيس حافظ الأسد كلفني بمذكرة كانت كفيلة بعدم طرد منظمة التحرير من الأمم المتحدة

| إسماعيل مروة

في محكمة العدل الدولية كان عبد الله الخاني القاضي النزيه والعالم، وهذا ما أكسبه احترام القضاة الذين احترموه ووقروه، وفي وداعه كانوا كما لم يكونوا مع غيره… وأسهم خبيراً منتقىً في تأهيل القضاة الذين وضعوا الدساتير لدول يوغوسلافيا القومية بعد تفككها والحرب التي استمرت بين القوميات المتعددة ثلاث سنوات… وفي تحكيم التجارة والرياضة كان للخاني إسهام لا ينكر، وكان خير رسول للقانوني السوري.
ألقى عصا الترحال، واستقرّ في دمشق التي يعشقها مع زوجته المتفرغة لأعمال الخير، وابنتيه وأحفاده، يرقب الغد السوري بخوف وأمل…
ولابد من الإشارة إلى أن الأستاذ الخاني لم يشأ أن يكون حكماً أو راوياً على الأحداث برمتها، واكتفى بالحديث عن الأشخاص الذين كان على تماس مباشر معهم من دون أن يخوض في حديث لا يعلمه كاملاً، وهو الذي لا يتحدث في قضية يجهل طرفاً منها.
«الوطن» تشكر الأستاذ الخاني على ما خصّها، وتشكر وفاء قرائها الذين تابعوا الحديث وانتقدوا وقدموا رؤاهم… ولم يكن هذا الحديث إلا لتقديم حقبة من تاريخ سورية من ذاكرة خبير وشاهد يتمتع بالصدق والوضوح.

أنت قلت بأن روسيا تريد شخصاً يساريا… فتم ترشيحك؟
باعتقاد منها أنني يساري… أنا نزلت مسرعاً إلى القضاة الذين كانوا ينتظرون مصطفى ياسين وعندما رأوني لم يعرفوني، وأخذوا يتساءلون عني، ثم ذهبت وزرت رئيس المحكمة الذي كان بريطانياً وكلمته باللغة الإنكليزية، طبعا لأنهم كانوا يعتبرونني فرانكوفونياً ومحسوباً على الفرنسيين، كلمته باللهجة الإنكليزية الراقية وليس بلغة العوام التي أصبحت اللغة المحكية في أستراليا، وكانت لهجتي ممتازة وحدثته عن الهند وما قامت به بريطانيا من مشاريع وسكك حديد وطرقات ونظام إداري، فأعجب الرئيس بي كثيراً، وفي أول جلسة عندما كنا نريد أن نقدم تعهداً لمحكمة العدل الدولية بالنزاهة وما يمليه عليه ضميرنا، أشاد رئيس المحكمة بالحضارة العربية والإسلامية، استغرب الكل من هذا الإطراء، وبعدها أصبحت علاقتي به جيدة، رجوته أن يأذن لي بالتغيب عن المحكمة لمدة شهر كي أودع حكومة الهند والحكومات التي كنت معتمداً لديها، فقال: إن المحكمة متوقفة الآن لمدة شهرين فيمكنني أن أقوم بذلك وتدريجياً تحسنت علاقتي مع القضاة في المحكمة، وعندما انتهت فترتي التي كانت خمس سنوات تقريباً، وأقيمت لي حفلات عدة بعد انتهاء فترتي، كانت أنيقة جداً كما أخبرني القاضي الروسي وأنه لم تقم لقاض غيري.

ما أهم القضايا التي اشتغلت بها في المحكمة؟
انتخبت في المحكمة في تشرين الثاني 1980 ولكنني بدأت في 15 شباط 1981 وانتهت فترتي في 6 حزيران 1986، في هذه الأثناء بداية كان هناك قضية تحديد الجرف القاري بين ليبيا وتونس والقضية كانت بحجم عدة مجلدات، الأمر الذي أربكني في البداية لضخامتها، ولكنني كنت أدرسها بتأن حتى أصابتني آلام مبرحة في ظهري وأحضروا لي طائرة خاصة من هنغاريا لنقلي إلى هولندا، ثم تحسنت بعد مدة، وكان الموضوع الأساسي بين ليبيا وتونس بتحديد الجرف القاري، وكنت مضطراً لأنه لا يوجد عربي غيري في المحكمة وخشيت أن يقولوا هذا القاضي السوري لم يكمل مهمته وانصرف، الأمر الذي اضطرني إلى أن أتحامل على الألم وأذهب إلى المحكمة، وفي النهاية أخذنا قراراً وعملت خطاً كنت وضعته وأخذت خط الحدود الأرضية ومددته في البحر وكسرته قليلاً وكانت المحكمة أخذت بالخط الذي وضعته، وأصدرت قراراً في الموضوع، هذه كانت قضية من القضايا، وكان هناك قضايا إدارية، وأهم واحدة كانت قضية بين الولايات المتحدة ونيكاراغوا حيث كان هناك معاهدة قديمة جداً بين الولايات المتحدة ونيكاراغوا بحسب المعاهدة إذا حصل خلاف بين البلدين يتم عرضه على التحكيم في القضاء الدولي، فتمسكت نيكاراغوا بهذه المعاهدة وعرضت القضية على محكمة العدل الدولية وناقشناها وفي النهاية اتخذنا قراراً ضد أميركا، الأمر الذي أزعج أميركا وانسحبت من محكمة العدل الدولية، بعد مدة ومن خلال خلاف بينها وبين إيطاليا عادت إلى محكمة العدل الدولية.

هل نُفذت قرارات محكمة العدل الدولية ضد أميركا؟
كل قرارات محكمة العدل الدولية تنفذ.. وأيضاً كان بين إيران وأميركا خلاف حول قضية أعضاء السفارة لكن بعدها اتفقتا وسحبتا القضية من محكمة العدل الدولية، أما بالنسبة للمسائل الإدارية التي نظرت فيها والمتعلقة بالمحكمة الإدارية التابعة للأمم المتحدة، بالنسبة لمسألة منظمة التحرير، كنت تركت المحكمة الدولية وكان هذا سنة 1987 أي بعد سنتين من انتهاء عملي في المحكمة وكنت عند ابنتي في أميركا، وإذا بوسائل الإعلام الأميركية والجرائد كلها تشيد بالقرار الذي اتخذه الكونغرس الأميركي ووافق عليه رئيس أميركا رونالد ريغان بطرد منظمة التحرير من أميركا، لأنهم اعتبروا منظمة التحرير منظمة إرهابية، الأمر الذي استغربته فذهبت من لوس أنجلوس إلى نيويورك، وكانت الأمم المتحدة قد طلبت رأياً استشارياً من المحكمة بجواز أمر كهذا، وعندما تتقدم بطلب رأي استشاري يتم توزيعه على كل الدول المعترفة بقضاء المحكمة وتم توزيعه فسألت بالأمم المتحدة هل أرسل لكم شيء من الدول فقالوا لم يأتنا شيء، وذلك لأنه لا أحد يهتم بموضوع منظمة التحرير، لهذا كان الجميع موافقين على الطلب، فعدت إلى دمشق وقلت «هذا ليس معقولاً أن يتم طرد منظمة التحرير ونبقى صامتين »، فقال لي الرئيس حافظ الأسد «ضع مذكرة باللغة العربية وأنا سأقوم بقراءتها» وضعتها باللغة الإنكليزية، وترجمتها إلى العربية وقدمتها له، لم يكن هناك وقت لتقديم الجواب أو المداخلة السورية إلا يومين، وبقيت مستنفراً لكتابتها ليلاً ونهاراً، وعلى أساس المعاهدة التي تعاقدت بها الولايات المتحدة مع منظمة الأمم المتحدة فإنها تمنح المنظمة كامل الحرية ولا يجوز للولايات المتحدة أن تتدخل بالقرارات التي تتخذها المحكمة، وكان هذا القرار اتُخذ من الكونغرس بالإجماع وصدّق عليه رئيس أميركا، واستندت في مذكرتي على نصوص هذه المعاهدة ووافقت الدولة على مذكرتي، وأصدرت حكمها بموجبه، ما كسر قرار الكونغرس الأميركي وحكم الرئيس رونالد ريغان، رفع ريغان قضية لنقض قرار محكمة العدل لدى المحكمة الفدرالية الأميركية فرفضت هذه دعواه وبقيت منظمة التحرير في الأمم المتحدة وفي أميركا وكان هذا نصراً لي.

بعد محكمة العدل الدولية؟
بعد محكمة العدل الدولية انتُخبت قاضياً في المحكمة الدولية للتحكيم لغرفة التجارة الدولية في باريس.

كم بقيت في هذه المحكمة؟
بقيت ثماني سنوات وكانت هذه السنوات حافلة وكنت حضرت عدداً من الاجتماعات وتم تعييني عضواً في اللجنة التي تدقق بالأحكام قبل عرضها على المجموعة العامة، لأرى إذا كانت مستكملة لشروط الحكم ثم أصبح بيني وبين رئيس المحكمة علاقة وطيدة حيث دعوته إلى سورية وعقدنا في دمشق ندوة عن التحكيم التجاري الدولي، وتكلم فيها رئيس المحكمة كما تكلمت أنا، بعدها أخذته في جولة سياحية في دمشق ومعلولا وصيدنايا، وكان يحب أن يسمع اللغة الآرامية التي كان السيد المسيح يتكلم بها فوجدنا شخصاً في معلولا وتحدث بها وسُعد جداً، ثم أقيمت له حفلات وكانت فترته ستنتهي سنة 1994 وقال لي «أنا ستنتهي فترة عملي» فقلت له «إذا تركت فأنا لن أبقى كذلك»، ولاسيما أنني أتحمل نفقات السفر والإقامة في باريس وكانت عالية جداً، والتي كان من المفترض أن تتحملها اللجنة الوطنية السورية التي رأت أن دفع النفقات أمر معيب تجاهي.

ما أهم القضايا التي عالجتموها؟
الكثير من القضايا ومنها ما وصل إلى ملايين الدولارات.

هل أحكامها ملزمة؟
كان التحكيم يتم باتفاق الطرفين وليس له استئناف أو نقض كما في القضاء العادي، لذلك أكثر المؤسسات الاقتصادية والتجارية تلجأ إلى التحكيم الذي انتشر أكثر من القضاء العادي.

1994 تركتها وانتخبت عضواً دولياً في محكمة الدستورية للبوسنة والهرسك؟
اتحاد البوسنة والهرسك، دويلة من ثلاث قوميات كرواتية وصربية وبوسنية، المسلمون كانوا يشكلون 45% من مجموع السكان، وبالأحرى كانوا أكثرية، ثم الصرب الأرثوذوكسيون بنسبة 35% والباقي كاثوليك، عندما بدأت بيروسترويكا غورباتشوف بفرط عقد الدول التي كانت تابعة للاتحاد السوفييتي، وعندما توفي تيتو انفرط عقد الدول التي كانت تابعة للفدرالية ومنها البوسنة والهرسك، وأرادت القلة الصربية بأن تستأثر بأكبر مساحة من البوسنة والهرسك، وكانت تدعمها صربيا بالمال وبالسلاح الثقيل، وتمكنت صربيا من احتلال ما يقارب مساحة ثلثي البوسنة والهرسك، الكروات كان يدعمهم البابا والدول الكاثوليكية والنمسا وكانوا كذلك الأمر أقوياء على حين القسم المسلم لم يكن لديه أي دعم، وعندما ذهبنا رأينا كيف كانوا يصنعون الأسلحة الخاصة بهم بأيديهم، وكيف يحفرون مغارات في الجبال كي يجهزوا مشافي ميدانية للمصابين، واستمرت الحرب الأهلية بين هذه القوميات الثلاث ثلاث سنوات حتى تم اتخاذ اتفاقية «دايتون» لوقف القتال التي قسمت البوسنة والهرسك فحصل الصرب النصف من البوسنة والهرسك، والنصف الآخر بين الكروات والبوسنيين، القسم الصربي أقام نوعاً من الاستقلال الذاتي، وكان هنالك ضمن هذه الحدود مدينة صغيرة أكثر سكانها من المسلمين وهي سيربرنيتشا وكانوا حوالى 7200 رجل وامرأة وطفل تمت إبادتهم وكانت مجزرة فظيعة، وبموجب اتفاقية دايتون وضعوا دستوراً جديداً وأنظمة قضائية مستقلة مستقاة من الأنظمة الحرة لهذا التجمع وللبوسنة والهرسك والدول التي استقلت عن يوغسلافيا، والاتحاد السوفييتي كانت تقريباً 22 دولة، انفصلت عن الاتحاد السوفييتي ويوغسلافيا، ووضعت لها دساتير خاصة جديدة فأرادت الأمم المتحدة انتخاب قضاة لتأهيل القضاة المحليين وكيفية الانتقال من النظام الحالي الاشتراكي إلى النظام الجديد، القضاة المحليون كانوا اثنين من البوسنة المسلمين، واثنين من الكروات، واثنين من غيرهم من الصربيين، إلى حد ما لم تكن تسميتهم صربيين لأن صربيا شكلت لنفسها محكمة، والقضاة المحليون كانوا بحاجة إلى قضاة لتوجيههم وشرح الدستور الجديد، وكلفوا رئيس محكمة العدل الدولية في لاهاي الذي اختار من بلجيكا فرانسوا ريغو ومن إفريقيا بولا إيجي بولا ومن آسيا انتقوا عبد اللـه الخاني.

هذا العمل كان تابعاً للأمم المتحدة؟
لا هذا العمل ليس تابعاً للأمم المتحدة بل لمحكمة خاصة، ومؤسسة رجال القانون في أميركا هيأت مؤسسة منها كي تكون لجنة خاصة لتنفيذ الدساتير الحديثة في أوروبا وآسيا.

دائما نحن نسمع مجلس الأمن لا يوجد أمن.. محكمة العدل الدولية لا يوجد عدل وكثير من الدول منطوية تحت محكمة العدل الدولية عندما لا يناسب القرار هواها تقول لا يوجد محكمة عدل وهذه المحكمة مسيسة… لنأخذ رأياً محايداً وأنت معني بالقضايا العربية والإقليمية وعضو في محكمة العدل الدولية… خلال وجودك في السنوات الخمس هل كانت محكمة العدل محكمة عدل بمنتهى الصراحة؟
محكمة العدل بمنتهى الصراحة هي محكمة عدل لا شك في هذا، ولا تحيد عن العدل وللأسف نحن الدول العربية بشكل خاص إذا لم يكن القرار كما نشاء ولمصلحتنا رأساً نتهم ونقول القضاة انحازوا أو كانوا تحت ضغوط أو تمت رشوتهم، أما قضايا الدول الأوروبية فتتقبل الدول المعنية بالحكم رأساً وتحترم الحكم الذي صدر ولا يمكن أن ترى الحكم بشكل من الأشكال منحازاً.

إذاً، ما ينطبق على مجلس الأمن لا ينطبق على محكمة العدل؟
لا أبداً ولا يمكن، ثم محكمة العدل لا تصل إلى القرار بيوم واحد بل تتخذ القرارات بعد أن تجري تداولها لعدة مرات ومع وجود أهم المحامين في العالم.

لكنك كرجل خبير، محكمة العدل لا تخضع لشرط التمويل؟
لا… التمويل يأتي من الأمم المتحدة وميزانيتها قسم من ميزانية الأمم المتحدة.

ألم يحدث أن أحد ممولي الأمم المتحدة رفض؟
أعضاء الأمم المتحدة عليهم التزامات والأمم المتحدة لها ميزانية، وهي مساهمة الدول الأعضاء كل بحسب نسبته، وميزانية الأمم المتحدة تتوزع على المجالس وعلى المؤسسات التابعة لها وكل له نصيب.
ماذا عن مركز البحرين للتحكيم التجاري؟
عند البحرين قضية بمحكمة العدل الدولية بينها وبين قطر لتحديد الحدود بينهما وكان مندوبهم في المحكمة الدكتور البحارنة الذي كان وزير العدل البحريني وبعد استقالته أراد أن يقيم مركز تحكيم تجارياً على أعلى مستوى، وكان طلب من الحكومة ووافقت الأخيرة على طلبه، فطلب خمسة من كبار رجالات العالم، وزير المالية الإيطالي، رئيس المحكمة الدولية للتحكيم في باريس، الرئيس السابق للمحكمة، وأهم محامٍ في سويسرا، وعبد اللـه الخاني، ووزير التعليم العالي في مصر، ودعينا إلى اجتماع ووضعنا نظاماً لمحكمة تجارية على مستوى عال.

هل لجأ إليها أحد؟
حضرنا الاجتماع المهم الأول والحفلات والمقابلات وكلّه كان يسير على خير ما يكون، ثم انفصلوا وكل ذهب في حال سبيله بانتظار أن تكون البحرين بلداً غنياً ويمكن أن تقدم لنا رواتب، ولكن تبين أن محاكم التحكيم لا يوجد فيها رواتب، لذلك في الاجتماع الثاني لم يأت أحد، وكان تمّ انتخابي رئيساً لهذه المحكمة، وباعتبار أن الرئيس يجب أن يكون موجوداً بشكل دائم، لم يكن بإمكاني ذلك، وكان المحامي البريطاني مقيما في البحرين فتنازلت له عن الرئاسة، وكذلك بعدها دعا الأعضاء للاجتماع فلم يحضر أحد، وعند الاستفسار بالنسبة للوزير الإيطالي قالوا إن الوزارة استقالت وأحيل إلى التفيتش، والبقية كانوا كباراً بالعمر الأمر الذي أدى إلى تجميد عمل المحكمة بعد أول اجتماع.

المجلس الدولي للتحكيم في الرياضة من عام 1994 حتى عام 2013… هناك تشابك بينه وبين البوسنة؟
لا علاقة للأمر بهذا التشابك الزمني، فلكل منهما علاقاته المنفصلة عن الآخر. عام 1988 انتشرت الرياضة في العالم بشكل مهم، وأصبحت أساساً في كل دولة وصناعة من أهم الصناعات، لذلك أنشؤوا محكمة لها بغرفتين: واحدة عادية وأخرى استئنافية، العادية تنظر بالخلاف بين الرياضيين، أو ما يتعلق بتناول المنشطات وغيرها من القضايا، والغرفة الاستئنافية تبحث بالخلافات بين فئة من الرياضيين مع مؤسسة أو اتحادات أو منظمات رياضية، في عام 1994 فكر نائب رئيس اللجنة الوطنية الدولية ورئيس اللجنة الدولية بإقامة محكمة تشبه محكمة العدل الدولية تشرف على أحكام المحكمة ذات الغرفتين، وتعين الرؤساء والخبراء من المحامين المشهود لهم بالتحكيم، وبالفعل تم تأسيس المحكمة من عشرين عضواً، أربعة أعضاء تنتقيهم اللجنة الرياضية الدولية، وأربعة آخرون تنتقيهم اتحادات الرياضة الصيفية، وأربعة تختارهم اتحادات الرياضات الشتوية، وأربعة رياضيين يمثلون الرياضات المختلفة، وكل من تم اختيارهم ينتخبون أربعة قضاة دوليين مستقلين.، واتصل بي رئيس المجلس الدولي وعرض علي أن أكون عضواً وكان الانتخاب كل أربع سنوات وتم التجديد لي بشكل مستمر، وعندما أصبح السفر علي صعباً استقلت وكنت أول عضو بالمجموعة يستقيل، كان العمل فيها شيئاً جميلاً جداً ولم يستقل منها مثلا د.نبيل العربي الذي كان عضواً معنا استقال كأمين عام لجامعة الدول العربية كي يبقى في المجلس الدولي للتحكيم الرياضي.

ما أهم القضايا التي قمت بها في التحكيم الرياضي؟
المحكمة إذا لاحظت مؤخراً حكمت على روسيا بقضية المنشطات، وكان هناك قضايا مثل لاعب كرة القدم الفلاني أخذه اتحاد آخر بملايين الدولارات، كلّها أمور يُنظر فيها، ويُنظر في الخلافات مثلاً بالطعن بأن لاعباً مثلاً أخذ ميدالية لا يستحقها.

رحلتك أغنى من الغنى ولكن كلمنا عن عبد اللـه الخاني الأب والأسرة والأحفاد؟
منحني الله زوجة فاضلة من أعرق عائلات حلب نذرت نفسها منذ نعومة أظفارها لعمل الخير اقتداء بوالدتها التي كانت تنفق كل ما يأتيها على الفقراء والمرضى والمساكين واستمرت زوجتي بهذا الطريق وأصبحت معروفة لدى الجميع في دمشق وسورية والعالم العربي حيث يقدم لها أصدقاؤنا ممن أنعم الله عليهم بعض المساعدات فتنفقها في وجوه الخير والإحسان.
لدي ابنتان واحدة متزوجة في جدة، ولديها ثلاث بنات، اثنتان منهنّ متزوجتان ولديهما أولاد، وابنتي الثانية في أميركا متزوجة من طبيب سوري في كاليفورنيا وهو من أشهر الأطباء هناك، لديها صبيان وابنة، الابن الكبير يدرس الطب والابنة درست الأدب وهي شاعرة باللغة الإنكليزية ووضعت كتاباً، والصغير يعمل مع والده والابنتان تسيران على خطا والدتهما في فعل الخير.

ماذا يعني لك سفرهم؟
أشعر بوحشة دوماً ورحمة اللـه على من اخترع التلفون وتقنيات التواصل عبر الإنترنت الحديثة والتي قصّرت المسافات ولكننا نقيم كل سنة اجتماعاً لمدة شهر في إحدى المدن ونطمئن عليهم.

ماذا يقرأ عبد اللـه الخاني؟
في كل يوم يأتي إلي صديق عزيز ويحضر معه كتباً، الأمر الذي يدفعني إلى قراءتها.

ما الذي يستهويك من أنواع الكتب؟
في البداية كانت تستهويني الكتب السياسية ولدي مجموعة كبيرة عن إسرائيل والصهيونية، تقريباً كل ما كتب عنها، وفي البداية كنت أريد أن أعمل دكتوراه عن الدولة اليهودية، ولكن عملي الحكومي سرق وقتي، وكذلك أقرأ التاريخ وأحببت تاريخ السلطنة العثمانية وقرأت عنه وعن الدولة الإسلامية في المغرب وإسبانيا والذي سمي بالارتقاء والانهيار.

تسعون عاماً من عمرك مضت ماذا تقول لها؟
أشكر اللـه لأنني أمضيت تسعين سنة وفي كل عمل قمت به كنت موفقاً وأحمد اللـه أنني كنت محبوباً وأعتقد أنني إذا كسبت صداقة إنسان هي عندي أفضل من كل الأموال.

ما المرحلة التي تندم عليها؟
في البداية كنت أتمنى أن أدرس هندسة عمارة وحققتها بابنتي ولكنها لم تعمل بدراستها.

هل أنت نادم لأنك لم تدرسها؟
لا لأن ما حققته غطى على ما كنت أحلم به، لكن كنت أفضل ذلك لكنّ ذلك كان صعباً لأنه يستوجب معرفة بالرياضيات.

ما الذي يُسعد عبد اللـه الخاني؟
لا يسعده إلا رضا اللـه وأن يرى بلده آمنا مستقراً، ونرجو من اللـه أن يحقق للبلد الأمن والاستقرار.

ماذا عن الغد؟
الغد ليس بأجمل، كنت أقول من زمن بعيد بأن اليوم أفضل من الغد وما زلت.

هذا المنزل أنت اشتريته أم هو ميراث؟
في عام 1963 عندما عدنا من لندن لم يكن لدينا بيت، وكان لدى أختي بيت صغير فلجأنا إليها، كانت تقيم في غرفة وأنا وزوجتي وابنتاي في الغرفة الثانية، نقيم عندها لمدة أسبوع، ثم نذهب أسبوعاً آخر إلى بيروت لنقيم لدى شقيق زوجتي، ثم نعود لنقيم أسبوعاً في حلب في بيت أهل زوجتي، كانت فترة صعبة جداً إلى أن أخبرني د. شفيق شحادة بأن رضا مرتضى يبني بيتا والسيد مرتضى منذ عام 1940 صديق لي، وأخبرني د. شفيق أنه لربما استطعت أن أستأجر هذا المنزل، وعندما أخبرت رضا الذي كان رجلا نبيلاً جداً فنقل أثاثه من المنزل ووضعه في بلودان وأعطاني مفتاح هذا البيت واستأجرته من دون عقد وكل سنة صرت أزيد الأجرة، توفي رضا مرتضى وبقينا في هذا المنزل، ولم يكن معي مال كي أشتريه، ولكن بعد أن عملت في محكمة العدل الدولية وكان راتبي فيها مجزياً، كما أنني بعد مغادرتي المحكمة عملت مستشاراً قانونياً لعدة مؤسسات دولية ودول عربية، إضافة إلى إسهام السيدة زوجتي بما ورثته عن أهلها ما أمن لي ثمن شراء هذا البيت.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن