قضايا وآراء

سورية والمقاربات المستحيلة

| مازن بلال 

سجالات الأمم المتحدة لم تقدم أي جديد بشأن الموضوع السوري، فهي قدمت مشهدا من التناقضات التي يصعب تفسيرها، فالاتفاق الأميركي– الروسي سجل سابقة في تاريخ الدبلوماسية الدولية لأنه انهار قبل أن يبدأ، وأشعل في الوقت نفسه أزمة حقيقية على مستوى العلاقات الدولية؛ حيث كانت الأمم المتحدة مسرحا لهذا التصادم، والواضح أن مباحثات كيري ولافروف في جنيف لم تكن سوى محاولة لمراجعة الخلافات والانطلاق من أضيق جغرافية لتحقيق حدود دنيا من التفاهم، فمسألة «شرقي حلب» لا يمكن أن تختصر الأزمة السورية، لكنها تستطيع أن ترسم مجالاً للتأثير المباشر في الحدث؛ لأنها في النهاية ترتبط بنقطة تأثير جوهرية داخل الأزمة السورية، فحلب في النهاية لا تحمل رمزية فقط؛ لكنها تشكل جغرافياً على الأقل بوابة عبور نحو سورية، وهي أيضاً محور التأثير في التكوين السوري الحديث؛ و«الجغرافية الضيقة» التي يركز عليها الاتفاق الروسي – الأميركي والتي يمكنها أن تغير الكثير من المعطيات العامة، لكن الغموض الحقيقي هو في الانهيار الذي حدث بعد توقيع الاتفاق، رغم أن وزير الخارجية الأميركي جون كيري استهلك وقتا طويلا في التشاور قبل أن يوافق على توقيع الوثائق.
من الصعب فهم ما حدث أو اعتماد نظرية الصراع بين وزارة الدفاع الأميركية والبيت الأبيض، ولكن الواضح أن الساعات التي سبقت لقاءات جنيف كانت حاسمة في هذا الموضوع؛ لأن الاتفاق كان مُعدا سلفا من خلال مشاورات سابقة بين البلدين، وبقيت تفاصيل الجدول الزمني وآلياته موضع بحث مستمر إلى أن أقر في جنيف، والمراجعة الأميركية لعملية الانخراط بتعاون مع موسكو بشأن سورية جعلت الاتفاق مرحلة حاسمة في العلاقة بين البلدين لسببين أساسيين:
– يشكل الاتفاق تحديداً واضحاً لمفهوم «العدو» ليس في الأزمة السورية فقط؛ بل أيضاً على المستوى الدولي، فانخراط الدولتين في حرب مشتركة ضد الإرهاب يستدعي بالضرورة فرز العلاقات الإقليمية بشكل جديد، وهو أمر بدا معقداً جداً منذ بداية الأزمة السورية.
عملياً لم يكن أمام الخارجية الأميركية خيارات كثيرة في مسألة توقيع الاتفاق، لأن الفشل في جنيف كان يعني الوصول إلى نقطة اشتباك خطيرة في وقت كانت موسكو مستعدة لتجاوز الكثير من العقد العسكرية المرتبطة بوجودها على الأرض السورية، فهناك استعجال روسي وهامش مناورة أميركي ضيق نتيجة «المرحلة الانتخابية»، وكانت تصريحات البنتاغون مؤشراً أساسياً على عدم جهازية تقنية على الأقل في الدخول بمثل هذا التعاون، فالاتفاق يتطلب عملية تجزئة للصراع في سورية يصعب بالنسبة للولايات المتحدة السيطرة عليها من دون وجود حلفاء أقوياء وليس مجرد مجموعات مسلحة يديرها «حلفاء إقليميون».
– شكل تأخر كيري في التوقيع ومشاوراته المطولة نقطة فاصلة تؤكد رهاناً أميركياً على جعل الاتفاق ضمن المعادلة الأميركية فقط، فواشنطن دخلت هذا الاختبار من دون أن تراهن على نتائجه، وعدم إبلاغ شركائها الأوروبيين، وعدم الموافقة على عرضه على مجلس الأمن يؤكد أنها مستعدة لنقل الاتفاق إلى الإدارة الجديدة، والرهان على تبدلات دولية تؤدي إلى طي هذا الاتفاق نتيجة التحولات الدولية المستقبلية.
داخل أروقة الأمم المتحدة اتضحت الصورة لمقاربة مستحيلة، فالشراكة الروسية لا تزال موضع نقاش، ومسألة الإرهاب بقيت رهانا أميركيا لتبديل المعطيات، في حين أصبح الاتفاق الروسي– الأميركي عنواناً دائماً في التصريحات يشبه «وديعة رابين» في الصراع العربي– الإسرائيلي.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن