ثقافة وفن

«جوقة الفرح» تروي حكاية الحضارة السورية ووحدتها الوطنية … هنا كان الله.. وهنا الإنسان كان.. هنا كان الفكر.. وهنا الحرف كان…

| وائل العدس

تعانق الهلال والصليب، فبدا المشهد شاهداً على الأخوة والوحدة الوطنية والتعايش المشترك في سورية، فمن تعانقهما نستمد قوتنا بوجه آلة القتل والإرهاب والتدمير، هذه رسالة أرادت «جوقة الفرح» إيصالها إلى العالم أجمع عبر العرض المسرحي الغنائي «هنا.. هنا.. هنا» على مسرح الأوبرا بدار الأسد للثقافة والفنون.
نص كتبه الأب إلياس زحلاوي قبل 23 عاماً، لكنه بدا وكأنه ملامس للواقع الحالي، ليؤكد أنه وعلى الرغم من الحرب الظالمة على سورية إلا أنها تبقى بلد الحضارات والأبجدية الأولى ومهد الأديان والرسل والكتب السماوية فيقول: «هنا كان الله، وهنا الإنسان كان، هنا كان الفكر، وهنا الحرف كان».
روت المسرحية بلغة شعرية حكاية الحضارات السورية على مر الأزمان وما تعاقب عليها من حروب واعتداءات عبر توليفة مسرحية راقصة شارك بأدائها راقصو فرقة «آرام» بإدارة الفنان محمد طرابلسي، وجسد ثراء الأوابد الأثرية، ولاسيما أعمدة تدمر.

وقدمت الجوقة العديد من المقطوعات الغنائية كان أبرزها «هيلا يا واسع»، «أحترف الحزن والانتظار»، و«المحبة»، و«يا بني أمي» للسيدة فيروز والرحابنة إضافة لمقطوعات أخرى أبرزها «كان يكون اختياري» ألحان حبيب سليمان وتوزيع كورالي يزن قيومجي وتوزيع موسيقي نزار تارك، ومقطوعة من التراث البيزنطي بعنوان «إن الرب لما كان آتياً» من ألحان متري المر، و«يا هالعرب» من مسرحية «ملوك الطوائف» بتوزيع من كمال سكيكر فضلاً عن مقطوعة «بأرض الحب» توزيع موسيقي فادي خنشت وكلمات وألحان حبيب سليمان والتوزيع الموسيقي لفادي خنشت، و«الطوفان» تأليف إياد جناوي.
أخرج العرض عروة العربي، وشارك في أدائه كل من ديمة قندلفت، وروبين عيسى، وكفاح الخوص، ويزن الخليل، وحلا رجب، الإشراف الفني والموسيقي رجاء الأمير شلبي، والعلاقات العامة عبير سهيل الجمل.

مجتمع جديد
قال الأب زحلاوي إن هذا النص وضعته عام 1993، شئته صرخة في وجه آلهة الأرض، وفي وجه عبيدهم، وشئته دعوة لكل إنسان عربي ولاسيما للإنسان في سورية العربية، صممته على طريقة المسرح الإغريقي (غناء جماعي، وتلاوة جماعية، غناء لأناشيد مضيئة، وتلاوة لدعوات هادفة) من أجل بناء مجتمع عربي جديد، يريد كل إنسان فيه أن يكون، وأن يكون إنساناً محترماً ومكرماً وعارفاً ومحبوباً.
وأضاف: ذاك كان حلمي قبل الجحيم التي أشعلت في البلد وفي إنسانها.. بسنوات طويلة، فكيف بهذا الحلم اليوم؟ اليوم وقد بات المستحيل الأول والأخير أمامنا؟.

قراءة مستقبلية
بدوره أكد عروة العربي في تصريحه للوطن أنه عندما قرأ النص المكتوب وجد محتواه ومضمونه مطابقاً لما حدث خلال الأزمة السورية، قائلاً: هذا يدل على تنبؤ وقراءة مستقبلية ليست غريبة على رجل أسطورة، رجل دين متنور وأديب ومسرحي ومفكر سنكتب اسمه في تاريخنا الجديد.
وأضاف: كان لدى الأب إلياس بعد 40 سنة من تأسيس مشروع «جوقة الفرح» أن يتوج هذا المشروع بعرض فكري غنائي، فعملت بكل جهدي لتتويج رغبته، وعندما انتهى العرض ورأيت الفرح في عينيه وهو يشكرني شعرت بنشوة إبداعية لا تأتي إلا من عينين لامعتين كعيني الأب زحلاوي مؤسس الجوقة التي تشرفت بالعمل مع شبابها، الشباب الذي يعمل متطوعاً هو مؤمن بمشروعه فقط من أجل الحب والإيمان والإبداع والرسالة، وشكراً لرجاء الأمير شلبي مدربة الكورال لأنها حاربت كل الظروف لإنجاز المشروع ووثقت بي كمخرج، وشكراً لكل من كان بالمشروع من موسيقيين وفرقة «آرام» للرقص، وأصدقائي الممثلين، النجمة ديمة قندلفت، والاخ كفاح الخوص، وأحبائي يزن الخليل وحلا رجب وروبين عيسى.
وختمت حديثه بالقول: سأبقى هنا هنا هنا في سورية (كما قال الأب زحلاوي) لأنه هنا كان الله، وهنا كان الإنسان وهنا الحرف كان وهنا الفكر كان، وهنا الأب إلياس زحلاوي، وهنا جوقة الفرح فخر بلدي.

شعور لا يوصف
أما ديمة قندلفت فقالت: سُحرت بالنص عندما قرأته، وبدأت مع الفرقة من نقطة الصفر، بعدما استعانوا بي منذ اللحظة الأولى، فشكلنا العناصر واستعنا بالمخرج العظيم عروة العربي، وسعدنا جداً برؤيته الفنية.
وأضافت في حديثها للوطن: عملت مع الفرقة بالإشراف منذ اللحظة الأولى، ولم يكن وجودي على المسرح مفترضاً، لأني كنت أستبعد نفسي عن المسرح على اعتبار أن التفاصيل الأخرى مربكة وتحتاج إلى عناية ودقة، لكنهم أصروا أن أكون معهم بعدما حمسني النص وشعرت أني بحاجة لأن أقول ما كتبه الأب إلياس، وكنتُ خائفة لأني عدت إلى المسرح بعد انقطاع طويل.
وأبدت سعادتها بالعودة إلى الجوقة وإلى الأب إلياس تحديداً، مضيفة: إن المسرح أبو الفنون ويحصد ردة فعل مباشرة بعكس السينما والتلفزيون، مؤكدة أنه انتابها شعور لا يوصف بحضور الجمهور الرائع الذي شجعها أن تفكر بالعودة إلى المسرح بعمل آخر.

جوقة الفرح
أنشئت عام 1977 بخمسة وخمسين طفلاً، جاءت أولاً استجابة لحاجة كنسية سعياً لإحياء طقوس على نحو متقن في لغة عربية أنيقة.
إلا أن مؤسسها الأب إلياس زخلاوي كان يهدف أيضاً إلى إخراجها ذات يوم، من جدران الكنيسة بقصد تحويلها إلى جسر روحي ثقافي بين أبناء الوطن الواحد، داخل سورية أولاً، ثم داخل الوطن العربي فالعالم الأوسع.
وقد تحقق لها ذلك شيئاً فشيئاً بعدما التقت الفنان الراحل وديع الصافي في الصوفانية بدمشق عام 1984، فاختيرت له كلمات عربية بهية سكبها في ألحان شرقية أخاذة، بلغت من الرونق ما جعل أبناء الضاد يتماهون معها في كل مكان.
وبدءاً من عام 1995 قامت الجوقة بمختلف مكوناتها بجولات عالمية قادتها أولاً في العام ذاته إلى فرنسا وهولندا وألمانيا، وفي العام التالي إلى فرنسا وبلجيكا، وعام 2004 إلى أستراليا، وعام 2009 إلى أميركا، ومؤخراً هذا العام إلى فرنسا.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن