قضايا وآراء

تيه المعارضات السورية، وسقوطها

| د. بسام أبو عبد الله 

أنا من الذين يؤمنون بوجود المعارضة السياسية في أي بلد لأنها ظاهرة إيجابية تساعد على النهوض بالبلاد، وتقدم رؤى بديلة، وبرامج سياسية، اقتصادية، اجتماعية هدفها العام تحقيق النمو، والازدهار والحفاظ على الوحدة الوطنية، والدفاع عن القرار الوطني المستقل، وتعمل تحت سقف الدستور، والقوانين، والأنظمة، وتحترمها، وتسعى إلى تطويرها بما يتفق مع دينامية المجتمع، وتطور الوعي العام لدى جيل الشباب بحيث تسعى دائماً إلى نقد الحكومة حينما تخطئ، والإشادة بها حينما تصيب، وتعمل وفقاً لبرامج واضحة، وشفافة، وأولويات وطنية مدعومة شعبياً.
هذا الأمر نظري، فهكذا يُفترض بالمعارضة السياسية أن تعمل وتنشط، وتقدم نفسها لشعبها، ولجيل الشباب الطامح للتغيير باتجاه الأفضل كي يكون هؤلاء المعارضون، أو السياسيون (نموذجاً وقدوة) لهم، لكن ما حصل في الحالة السورية شيء مثير للفزع، والقرف إذ إن الحكومة السورية كانت متقدمة جداً على ما يطرحه (معارضوها) المفترضون، فقد دعتهم منذ الأيام الأولى للعدوان على بلدهم للوحدة، والتضامن، والمشاركة في قيادة البلاد، ومواجهة المخاطر سواءٌ عبر بدايات الحوار الوطني في (الجلسات التشاورية)، أم عبر التواصل الشخصي المباشر معهم، إلا أنه للأسف الشديد تبين أنهم ليسوا إلا واجهات لقوى إقليمية، ودولية استخدمتهم للتآمر على شعبهم، وجيشهم، وبلدهم تحت يافطة (المعارضة السياسية).
الأمر ليس تشكيكاً بـ(وطنية أحد) لكنني لا أستطيع أن أفهم أن هناك (معارضة سياسية) مفترضة مستعدة للعمل مع عدو شعبها التاريخي أي (إسرائيل) من أجل تطبيق (ديمقراطية، وحريات مزعومة، ولا أستطيع أن أفهم أن قوى إرهابية مسلحة مثل (جبهة النصرة- وتفرعاتها الإخوانية) هي الحامل الحقيقي لهؤلاء أصحاب الياقات، وأبطال الشاشات التلفزيونية الذين ليس لديهم سوى أسطوانة واحدة مشروخة، ومملة، وتعبر عن ضحالة فكرية، وسياسية مرعبة تقوم على: (سب، وشتم الدولة السورية وروسيا الاتحادية، وإيران، وحزب اللـه) من دون أدنى إدراك للتحولات التي تحصل على صعيد المنطقة، والعالم، وكذلك تحول المزاج العام حتى داخل حواضنهم الاجتماعية المفترضة التي ضللوها باسم (ثورة مزعومة)، وسقوط سريع للدولة السورية كما أوهمهم رعاتهم الإقليميون، والدوليون، فساروا كالخراف إلى الذبح، وكانوا وقوداً رخيصاً لتدمير شعبهم، وبلدهم.
– المعارضات السورية، وهو المصطلح الأكثر دقة للتعبير عن الواقع يمكن تقسيمها إلى فئات عدة:
1- النموذج الإخواني: وهو القوة السائدة الأكثر سيطرة على كل الهياكل السياسية التي أنشئت في الخارج من (المجلس الوطني السوري- إلى إئتلاف الدوحة) وآخرها ما سُمي الهيئة العليا للمفاوضات التي وضعت واجهة تافهة- انتهازية مثل (رياض حجاب)، أو شخصيات أخرى انتهازية مثل (رياض نعسان آغا) الذي قضى أكثر من ثلاثين عاماً يتلذذ بالمواقع والمناصب العامة، ليكتشف نفسه أنه معارض سياسي- وأمين: في مملكة الجهل، والتطرف الديني- السعودية.
والحقيقة أن مشروع هؤلاء طائفي- مريض بامتياز لأنه المشروع المطلوب على صعيد المنطقة، الذي يشكل حزب أردوغان مرجعيته السياسية، ورأس حربته في التنفيذ، والرعاية، ولذلك ليس لدى هؤلاء من مفردات سياسية سوى المفردات المذهبية التي تعبر عن سقوط أخلاقي، وعن أدوات غرائزية لزج الناس في حرب لا تقدم، ولا تؤخر لبلدهم أي شيء، فهؤلاء استخدموا الدين الإسلامي لتنفيذ أجنداتهم السياسية، وحولوا الدين إلى واجهة للتضليل، والكذب وإخفاء حقيقة ارتباطاتهم بمشروعات الهيمنة الإمبريالية الأميركية والغربية والرجعية.
2- النموذج الوهابي: وهو النموذج الأكثر سيطرة على الأرض، الذي يسعى إلى قتل الآخر أي آخر لا يتفق مع إيديولوجيتهم المريضة المعادية للحضارة الإنسانية، ولقيم مجتمعاتنا، وتنوعها، وهذا النموذج الذي يعتمد على إدارة استخباراتية دولية، وخزان (جهادي!!) متعدد الجنسيات، وخزائن نفط، وغاز تموله، ويشكل بمجمله جيوشاً سرية لا بل أصبحت علنية لأميركا، وحلف الناتو من أجل تفصيل (حدود الدم) كما سماها واضعو مشروع الشرق الأوسط الجديد، وهو النموذج الرافعة لما يسمى (معارضات سياسية) في الخارج، بمعنى أنه مسخر لفتح الطريق للعملاء- والخونة تحت يافطة (الثورات)، وهو النموذج نفسه الذي استخدم في ليبيا لجلب حكومة مركبة تمثل مصالح القوى الخارجية- وليس الشعب- ومصالح البلاد.
خطورة هذا النموذج أنه أداة تدمير ليس فقط للبنى التحتية، إنما للبنى الاجتماعية، والنسيج الوطني، ونشر الفتنة والقتل والإجرام أيضاً باسم الدين الإسلامي.
ولا يخفى هنا علاقات التعاون، والتخادم بين التيارين الإخواني والوهابي، وأحياناً الصراعات العلنية، والدموية على الأرض من أجل تنفيذ الخطط، والأجندات التي وضعها المشغلون.
3- النموذج (العلماني اليساري): ويضم شخصيات معارضة تدعي العلمانية، وتمثل قوى اليسار، ولكنها في حقيقتها ليست إلا قوى انتهازية تعتاش على آلام شعبها، وتشكل واجهات كرتونية سخيفة للقوى الإخوانية الوهابية المحرك الأساسي لكل ما يجري في سورية.
4- نموذج (الانتهازيين الفاسدين المرتزقة): وهؤلاء مجموعة من المسؤولين السابقين في الحزب، أو الدولة، الذين استفادوا من السلطة، ومزاياها لمرحلة طويلة، ثم اعتقدوا بأن النظام السياسي في سورية آيل للسقوط سريعاً، فتحولوا مباشرة إلى القارب الذي اعتقدوا أنهم سينجون به لإعادة إنتاج أنفسهم باسم (المعارضة)، وللعودة إلى ممارسة انتهازيتهم السابقة تحت عنوان جديد.
5- كتلة العملاء الذين يعيشون في الخارج: وتضم أولئك الذين عاشوا خارج بلدهم لفترات طويلة، ووجدوا في قضية الحرب على بلدهم فرصة للظهور، واستعراض البطولات، والعنتريات، وإطلاق المحاضرات الفلسفية على شعبهم حول (الديمقراطية والحرية وحقوق الإنسان) معتقدين بأن الأجهزة الاستخبارية التي دربتهم سوف توصلهم إلى مقاعد السلطة، والنفوذ كواجهات لقوى دولية، وإقليمية سياسية، ومالية، ووصل الأمر بهؤلاء، وقبلهم مدعو العلمانية واليسار إلى الترويج، والدفاع عن (جبهة النصرة) وغيرها من التنظيمات الإخوانية- الوهابية باعتبارهم ثواراً تقدميين وذراعاً متقدمة لثورتهم المفترضة.
طبعاً هناك كتل معارضة تضم أفراداً، وشخصيات مختلفة بعضها عاش في القاهرة، وبعضها في موسكو، وهؤلاء بينهم شخصيات وطنية عديدة، ولكنهم أفراد لا تأثير شعبياً له، إنما هم ظاهرة موجودة ويتم التعاطي معهم كحالة بديلة للاتجاه الإخواني الوهابي المسيطر.
إجمالي هذه المعارضات السورية التي تتحدث بخطابات متناقضة متنافرة حسب الجهة الممولة، والداعمة، ليست إلا أدوات للاستخدام حسب الدول، وأهدافها، ذلك أن العدوان المستمر على سورية جعل من هؤلاء مهزلة، وكارثة حقيقية، وعبئاً على مشغليهم، نتيجة تكرارهم الخطابات، وشعارات أعلى من قدراتهم، وإمكانياتهم بحكم أنهم صدى صوت، وببغاوات لمشروع العدوان، وليسوا قوى وطنية حرة قادرة على اتخاذ الموقف السياسي الوطني الذي تقتضيه مصلحة سورية، وطبيعة التحديات التي تواجهها، والحرب الشرسة التي تخوضها على قوى التكفير والإرهاب.
– كلام باراك أوباما عن أن الحديث عن وجود (معارضة معتدلة) في سورية هو نوع من الفانتازيا، وقول وزير الخارجية البريطاني الجديد (جونسون) إن الحرب في سورية ليست أهلية بل تشارك فيها أطراف مختلفة، دليل آخر على عقم خطاب المعارضات السورية في الخارج، وتفاهة طروحاتها، وسقوطها الأخلاقي، والوطني وخاصة حينما تضع شروطاً مسبقة للحوار، وتطلب من أميركا (خطة باء) (كما قال رياض حجاب قبل فترة)- وكأن أميركا تعمل متعهداً فرعياً لدى آل حجاب ونعسان آغا، وأُمعات المعارضات السورية الذين لا ينطبق عليهم إلا مبدأ: (إذا لم تستح فاصنع ما شئت).

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن