قضايا وآراء

سورية.. الهامش الدولي

| مازن بلال 

من الممكن قراءة التدخل الروسي في سورية ضمن جملة من الاعتبارات، فهذا الإجراء غير المسبوق في تاريخ روسيا غير من الظرف الإقليمي للصراع القائم، لكنه على المستوى السياسي لم يضف حتى الآن أي احتمالات جديدة، فهو في جانبه السياسي عطل سيناريوهات دولية وإقليمية مرتبطة بإسقاط الدولة السورية، لكنه جعل الحلول ضمن هامش دولي صعب وخلق كشفا استراتيجياً لما يطلق عليه الحوار السوري- السوري، حيث يصعب اليوم إيجاد توازن داخلي من دون البحث عن معادلة دولية بعد التحول في طبيعة المواجهة الدولية.
بالتأكيد فإن التدخل الروسي كان ينطلق من شرط سياسي واضح، فهو اعتمد على شرعية الدولة القائمة لتأسيس علاقة جديدة في حل الأزمات، وهو أيضاً أوجد آلية مختلفة عبر «المصالحات»، فقاعدة حميميم لم تكن مطارا عسكريا بقدر كونها مكانا لنشاط دبلوماسي حاول التحرك من أجل التهدئة، ولخلق بيئة يمكن عبرها الدخول في سياسة حل الأزمة، والمبادرات الروسية هنا كانت تسابق العديد من «الحلول العسكرية» التي بدأت قبل «عاصفة السوخوي»، فالشرط السياسي الذي اعتمد عليه الروس أسس لمنطق مختلف في مسألة الحل السياسي يعتمد على أمرين:
– الأول تشكيل فرز واضح بين القوى المتصارعة على الأرض، وهذا الأمر وصل في النهاية إلى تحديد المجموعات المعتدلة وفق الرؤية الأميركية، ورغم انهيار الاتفاق الروسي – الأميركي لكن هذا الموضوع أصبح محوريا في العلاقة بين البلدين.
في التشكيل الدولي اليوم فإن الشرط السياسي الروسي حول الشرعية أصبح جزءا من الآليات الديبلوماسية، فكل حوارات جنيف كانت تبحث عن العملية الانتقالية ضمن حالة من الحفاظ على الشرعية وعدم إحداث خلل يؤدي لانهيار بشكل درامتيكي، لكن هذا الشرط أصبح محاطا أكثر بمسألة نوعية التوازن الإقليمي القادم، حيث أصبح من الصعب التوصل إلى حلول دون حزمة متكاملة للعلاقات الإقليمية المستقبلية، فالشرعية التي يُراد لها البقاء ستعود بسورية إلى نقطة توازن إقليمي، حيث سيترسخ من جديد دور إقليمي سوري، ولو عبر الوسيط الروسي، وهو ما ترفضه معظم دول الغرب، فالنموذج الذي تبحث عنه واشنطن هو أقرب للعراق ولبنان حيث الشرعية موزعة بين قوى طائفية أو محلية.
– الثاني تأسيس حالة دولية «فارقة» من أجل محاربة الإرهاب، فبالنسبة لموسكو لا يكفي العمل العسكري بل لا بد من أن يتمحور النظام الدولي حول هذا الموضوع ويضمن تماسكا دوليا يفرض شروطا سياسية على العلاقات الدولية، بحيث يصبح الالتزام بمحاربة الإرهاب حالة مؤسسة للتوازن الإقليمي والدولي القادم.
عمليا فإن الولايات المتحدة تعرف أن موسكو تحاول محاصرة إستراتيجية التغيير التي اعتمدتها بشكل دائم، فالإرهاب سلاح التحول الجيوستراتيجي من حرب أفغانستان إلى الشيشان وصولا لسورية، وهو «حد» الخطر الذي تسير عليه واشنطن من دون أن يعني ذلك أنها «حليف» للتنظيمات الإرهابية أو راعية له، بل تراقب وتتلاعب بالشروط السياسية بشكل يجعل من التشكيلات الإرهابية عامل تحول على المستوى الدولي.
التدخل الروسي جعل الصراع الدولي متفوقاً على أي شرط داخلي، فالأزمة السورية كانت منذ البداية انعكاسا لحالة دولية خاصة، لكنها اليوم موجودة على هوامش تشكيل النظام الدولي ما يجعل الحوار السوري – السوري أصعب ويحتاج لاختراقات مختلفة كليا عن كل التفاهمات الدولية السائدة اليوم، وهو استحقاق التوازن الداخلي الذي لن يخلقه سوى السوريين إذا أرادوا رسم مستقبل جديد.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن