ثقافة وفن

على الممثل أن يبقى في حالة دائمة من التعلّم … وفاء موصللي لـ«الوطن»: وجوه وكتّاب ومنتجون دخلوا الدراما فتراجعوا بها إلى الوراء

| عامر فؤاد عامر

سيدة أثبتت نفسها ببراعة الواثقة من ملكاتها، وقد استطاعت باجتهادها كسب ثقة الجمهور، ومن دون مبالغة يمكن القول إنها تعرف تماماً أين تخطو وفي أي وقت، وتقول: « لا يمكن أن أجرح شخصاً ما ولو على حساب اختزان مشاعري الحقيقيّة، فهناك علاقة متكاملة بيني وبين المتلقي، وإذا اختلّ واحد منها، فهذا يفضي إلى نتيجة أن لا معنى لوجودي». هي من أوائل خريجي المعهد العالي للفنون المسرحيّة في دمشق، لم تكتفِ بهذه المعرفة فدرست الإخراج وإعداد الممثل في روسيا وتابعت معارفها واكتسابها الذهني إلى اليوم، فأحبّها الجمهور في التلفزيون عبر شخصيّات عديدة مثل «فريال» في مسلسل «باب الحارة»، و«نزيهة» في مسلسل «أيام شاميّة»، و«عيشة خانم» في مسلسل «زنود الست» وغيرها، وفي أعمال الدوبلاج من خلال صوتها المميز وأداء الكثير من الشخصيّات التي أحبّها متابعو الأعمال المدبلجة، وفي المسرح عملت في 16 عملاً مسرحيّاً نذكر منها «سهرة مع أبو خليل القباني»، و«حكاية الشتاء»، و«الخدامة»، وفي العمل الإذاعي العديد من البرامج والمسلسلات أهمها «الحبّ والعبقريّة»، و«يوميات عائليّة» و«جزيرة المرح». السيدة «وفاء موصللي» وفي أثناء عملها في إذاعة دمشق وتحضيراتها للمسلسل الجديد «لازم نحكي» أجرينا معها هذا الحوار:

لماذا هذا الحنين للعمل الإذاعي، والذي نلاحظه حتى لدى كبار الفنانين؟
أعزي ذلك لعدّة أسباب أوّلها أن الإذاعة تصل لجميع الناس، والفنان على محبّة دائمة في الحديث والتواصل مع الناس، لتصل الأفكار التي يريدها لهم، والقيام بهذه الوظيفة الاجتماعيّة من خلال هذا الجهاز الصغير أي الراديو تعدّ وظيفة مهمّة جداً.
العمل في الإذاعة شيء مهم فنحن لسنا بحاجة لانتظار موسم رمضان حتى يُبثّ العمل، بل من الممكن أن يُبثّ في أي وقتٍ في حال جهوزيّة هذا العمل، وفي الوقت نفسه يتلقى الشخص ردّ الفعل مباشرةً.
وفي العمل الإذاعي مواضيع ساخنة تُبقي الفنان على احتكاك دائم مع الناس، ومن الممكن أن يقدّم الفنان خدماته للناس من خلال العمل الإذاعي أيضاً، فهناك برامج متنوّعة وعلى كل الصعد الفنيّة والثقافيّة والترفيهيّة والصحيّة والدينيّة، وغيرها، فالإذاعة لكلّ بيت، وللكبار، والصغار.
على صعيدٍ آخر الإذاعة بالنسبة للممثل هي مكان اختبار الأدوات بالنسبة له، وخاصةً جهاز النطق لدى الممثل، ومخارج الحروف لديه، والتي يجب أن تظهر بصورة دقيقة جداً، على عكس التلفزيون الذي يعتمد على الصورة إلى جانب الصوت، وهنا تلعب الصورة دوراً مُفسراً جديداً في وضوح الشخصيّة، حتى لو لم تكن مخارج الحروف واضحة أو كاملة، وكذلك الأمر في المسرح على حين في الإذاعة الأمر يعتمد على النطق السليم للحروف، إضافة إلى الخيال الواسع، فقبل أن ندعو المُستمع ليتخيّل من المفروض أن يتخيّل الممثل أولاً ما يقدمه، وبالتالي التقطيع لكلّ جملة يجب أن يكون سليماً حتى تصل الجملة كما يجب، ومن المفروض الاجتهاد هنا على طبقات الصوت، وحتى الصمت يجب أن يُستخدم في مكانه الصحيح.
إضافة إلى ذلك لا بدّ من التنويه إلى أن المردود المادّي سيئ جداً، ولا يتناسب طرداً مع الأوضاع التي نعيش فيها، لكن البساطة في العمل هنا تجعل من الفنان أكثر رغبةً في العمل الإذاعي، فليس هناك تجميل وتكلّف وإرهاق للوجه والبشرة، فالإذاعة تدعو الفنان لأن يكون كما هو واضح المعالم، ويتبادل وجهات النظر مع الآخرين بكل هدوء وبساطة، وبعيداً عن التكليف، وهذا يتمّ أثناء اجتماعنا في بروفة العمل الإذاعي، إضافة إلى التواصل بعد الانتهاء من العمل، فالأغلبية من الفنانين يجتمعون بعد العمل للانطلاق إلى مشروع مشترك يجمعنا، كالدعوة إلى الغداء أو العشاء، وما أريد قوله هو أن العمل الإذاعي يبقينا على اتصالٍ مع بعضنا كعائلةٍ واحدة، فهناك جانب فنّي، وجانب اجتماعي من هذا العمل، وكذلك جانب ثقافي، فمن خلال الإذاعة هناك شخصيّات روائيّة نقرؤها ونقدمها من اختصار رواية ما، أو إعدادها بطريقة معرفيّة وثقافيّة، وإضافة للآفاق المسرحيّة عندما يكون النص مسرحيّاً بالأساس ويحوّل إلى مادّة إذاعيّة، واستخدام الأبعاد في النصّ وكأننا على خشبة المسرح.
الصعيد الثالث الذي يمكن الإشارة إليه أيضاً هو اللغة العربيّة الفصحى وتقويتها لدى الفنان، وهذه مسألة مهمّة جداً وضروريّة يحققها العمل الإذاعي للفنان بقوّة.

لديك تجربتك في الدوبلاج، هل يحقق لك هذا العمل شيئاً مختلفاً عن العمل في الإذاعة؟
تختلف تقنيّات الممثل من لون إبداعي إلى آخر، ففي العمل في الدوبلاج مثلاً يبقى لإحساس الممثل السلطة على ما يملكه من موهبة، فعليه أن يمنح الإحساس لممثل آخر وفي الوقت نفسه ألا يتخلى عن هذا الإحساس. والعمل في الدوبلاج هو اختبار للملكات الإبداعيّة للممثل على صعيدٍ آخر، ويمنحه التمرس في معرفة التقطيعات التي تتمتع بها اللغات الأخرى وتتميز فيها، فهناك وقفات لا تتشابه مع لغتنا العربيّة، وأضرب مثالاً: فقد يُنهي الممثل جملته بكلمة «أوه» وهنا يجب أن يتغير الكلام بما يشابه الحركة، ومن دون أن ينافي المعنى، وهنا لسرعة البديهة حضورها ودورها، وعلى الممثل أن يقدّم تقطيعاته بصورةٍ سليمة، وبحسب شكل الفمّ وحركاته، وعلى الممثل أيضاً أن يضبط حركة التنفس الخاصّة به بالانسجام مع حركة الممثل الذي يدبلج صوته في العمل، وأضرب مثالاً آخر: فالاستهجان بالتركيّة مثلاً ليس كالاستهجان بالعربيّة، فمثلاً هم يقولون «أأأأأييي» ويشددون على الألف قبل الياء، أمّا نحن بالعربيّة فنقول «ييييييي» لحظة الاستهجان، بالتالي يجب على المُدبلج أن يمتلك سرعة البديهة في العمل الدوبلاجي لانتقاء اللفظ الذي يتناغم والاثنين معاً.
أيضاً في العمل في الدوبلاج هناك تطوير للملكات الإبداعيّة، وتدريب للممثل، وخاصّة عندما يتقدّم بالعمر، وكما ينصح أطباء الأعصاب لمن يتقدّم بالسنّ أن يحلّ الكلمات المتقاطعة في الجرائد والصحف والمجلات، أنا بدوري أنصح زملائي في المهنة المتقدمين في العمر بأن يعملوا في الدوبلاج لأنه يحتاج إلى سرعة البديهة، والخيال، والحركة، وغيرها. أيضاً أريد أن أضيف أن أهم ممثلي العالم يعملون في الدوبلاج، سواء كان في أفلام الكرتون أو الأفلام المخصصة للكبار، وهذا ما شاهدته في روسيا أثناء سفري إليها، فقد حضرت أفلاماً عربيّة مدبلجة باللغة الروسيّة.

ماذا عن المرّة الأولى التي عملتِ فيها في الإذاعة؟
أذكرها جيداً؛ ولن أنساها، فقد ضحكوا عليّ كثيراً لأنني حفظت النصّ بالكامل عن غيب قبل مجيئي للإذاعة، وأذكر أنني عندما فتحت النص في البيت أنزعجت كثيراً لأن النصّ كان بمسمعٍ واحد، وقد أعطاني النص حينها «مروان عبد الحميد» وهو شخص من الكبار الذين عملوا في الإذاعة وله باع كبير فيها، وكان النصّ لبرنامجٍ وثائقي اسمه «الحبّ والعبقريّة» وهو من تأليف الدكتور «سامر جلعوط» الذي أصبح زوجي فيما بعد، وكنت أعتقد أنه رجل كبير في السنّ تبعاً للمعلومات الوثائقيّة الكثيرة التي كنت أقرؤها في العمل. لكن ما يهم في هذه البداية أنني تعلّمتُ تفاصيل العمل في هذا المكان وأدركت خصوصيّة العمل الإذاعي، وبقيت مدّة في اجتهادي عليه إلى أن أثبتُ وجودي فيه، وأنا اليوم من الأسماء التي يُعتمد عليها في الإذاعة.

ما الفائدة من دراستك في روسيا؟ وما حصيلة هذه الدراسة؟
بصورةٍ عامّة السفر أيّاً كان يمنح الخبرة لصاحبه، ويعطي للقلب والفكر ثقافتهما، فروسيا لم تكن فقط للعلم، بل اكتسبت فيها معرفة بصريّة لم أجدها يوماً سواء من طبيعتها أو من لوحاتها أو مما تنتجه حضارتها، أو حتى على مستوى الرائحة وغيرها من التفاصيل الكثيرة، وكلّ ذلك يختزنه العقل الباطن، ويتحوّل إلى شيءٍ مفيد للشخص مع مرور الوقت حتماً. على صعيدٍ آخر فقد درست تدريب الممثل والإخراج عند أهم مخرج، وأهمّ أستاذ تمثيل وهو «غورغي ألكساندر فيتش توكستانوكف» وهو كان تلميذاً لدى الأستاذة «كنيبل» التي كانت طالبة لدى «ستانسلافسكي» وهو أول من نظّر وكتب عن أخلاقيّات التمثيل. طبعاً الفائدة كانت كبيرة كالفائدة في تحليل الشخصيّة، أو المحاكمة، أو مقارنة الأحداث وموازنتها وعلى صعد كثيرة، كبداية الحدث ونهايته والحدث الرئيس والمنطلق وغيرها من التفاصيل.
لماذا لم نر «وفاء موصللي» في عالم الإخراج إلى اليوم؟
لم يكن هناك شيءٌ مُلحّ عليّ للقيام بإخراج عملٍ ما، ومن الممكن أن يكون ذلك في يومٍ من الأيام وتتحقق لي هذه الخطوة، وبالتأكيد ستنضج وحدها من دون سعيٍ إليها، وأنا شخصيّاً مع أن يتعلّم الممثل كلّ شيء، وأذكر أنه مع عودتي من روسيا، وعلى الرغم من حصولي على شهادة في تدريب الممثل والإخراج، التحقت فوراً بالمركز التدريبي الإذاعي والتلفزيوني، وتعلّمت الإخراج الإذاعي بهدف اكتساب الخبرة منها، فأنا مع أن يبقى الممثل في حالة دائمة من التعلّم، وينطبق هذا الأمر على الإنسان العادي أيضاً.

على الرغم من قلّة الفرصة السينمائيّة في سورية إلا أنك حريصة في الاختيار هنا، لماذا؟
فعلاً لم أعمل مع جهات خاصّة في الإنتاج السينمائي، ورفضت ذلك منذ البداية وقد كانت هناك جهات إنتاجيّة خاصّة حينها، وقد عملت فقط مع المؤسسة العامة للسينما وهذا كان خياري، لأن ذلك أضمن من حيث المستوى الفكري والثقافي ومستوى النصّ وأشياء أخرى كثيرة، فقد عملت مع المخرج «محمد شاهين» في فيلمه «الشمس في يوم غائم» ومع الراحل «نبيل المالح» في فيلمه «الكومبارس»، وعملت في فيلم له علاقة بحقوق المرأة، وفي الآونة الأخيرة أصبح العمل السينمائي الخاصّ بي يتعلق بالشباب وسينماهم القصيرة، وأفلام منح الشباب، مثل فيلم «الوردة» لـ«علي بوشناق»، ومع «علي منصور» في فيلم «متل الحلم»، ومؤخراً في فيلم «مخاض الياسمين» مع المخرج «علاء الصحناوي».

عن تجربتك الجديدة في فيلم «مخاض الياسمين» ماذا تقولين؟
الفيلم فيه شخصيّات تمثّل كلّ فئات سورية تقريباً، لم يركز الفيلم على حالة خاصّة بل على حالة عامة، وقد اشتغل المخرج «علاء الصحناوي» على الصورة أكثر من النصّ، وتعب في تقديمها بما يليق، وركّز على أثرها، وهو من كتب سيناريو الفيلم، وقد شاهدته كيف كان يتعب، ويجتهد، حتى تكون الخطوة كاملة، على الرغم من كلّ الصعوبات التي مرّ فيها، وقد اهتم بالمكياج، وبالثياب، وراقب كلّ تفاصيل العمل الأخرى باهتمامٍ بالغ، وأتمنى له التوفيق في عمله المستقبلي، فقد لفتني أنه كان منطقياً في الطرح الذي قدّمه في فيلم «مخاض الياسمين» فكان ككاتب لا يبالغ ولا يتحيّز لطرفٍ ضدّ آخر بل يصف الصورة كما هي، وعن حالة إنسانية من خلال عائلة سوريّة تمثّل كلّ العائلات، وكانت جمل الحوارات قصيرة، وهذا الأمر مهمّ اليوم للمتلقي، فالمونولوج الطويل يُبعد المتلقي ويصيبه بالملل، أمّا في نصّ هذا الفيلم فقد كان الإيقاع الكلامي سريع، والكلمات منتقاة، والحدث يحمل إيقاعاً داخلياً وخارجياً قويّاً جداً، حتى الإيقاع في اللون مثلاً «الياسمين، والدم»، «حالة المخاض والياسمين» أي لونا الأحمر والأبيض، وكذلك اختيار الممثلين فيه عناية، وهذا أمر مهمّ جداً، لأن انتقاء الممثل عمل يحتاج إلى الدّقة والرعاية، وفي النهاية أقول إن المخرج «علاء الصحناوي» واجهته صعوباتٍ كثيرة استطاع أن يتغلب عليها ونجح في ذلك.

حدثينا عن آخر أعمالك إضافة إلى فيلم «مخاض الياسمين»؟
لدي في هذا الموسم حضور في مسلسل «باب الحارة» وحضور فريال في الجزء التاسع منه، وكذلك في مسلسل «شوق» للكاتب «حازم سليمان»، والمخرجة «رشا شربتجي» وهو من إنتاج شركة «إيمار» وهي شركة سوريّة جديدة، أبارك لها خطواتها الأولى، وأنا سعيدة بها كثيراً، فعلى الأقل لا يوجد رؤوس أموال خارجيّة تفرض علينا فكراً معيناً، سواء بصورة مباشرة أو غير مباشرة، وهذا ما يدفع بي وبزملائي للإحساس بالثقة بهذه الشركة، وبأنه من الممكن أن نقدّم أعمالاً تشبهنا كسوريين، ومن ثقافتنا، وتقاليدنا، وتراثنا. وما قلته هو من أجل تشجيع الشركات السورية التي سافرت خارج سورية للعودة إليها، وكذلك للمخرج وللممثل أوجّه هذا الكلام. وأيضاً هناك أكثر من عمل في الدوبلاج سيتم عرضها قريباً، وكذلك أحضر في الإذاعة لحلقات المسلسل الإذاعي الجديد «لازم نحكي» مع الفنان «علي كريّم».

يحافظ الفنان لدى تقدمه في التجربة والعمر على منهج معين فلا يقبل بتجسيد أي دور، أين هذا المنهج اليوم لدى الفنان السوري؟
كان هذا الكلام مقبولاً قبل الأزمة السوريّة، وبقينا متماسكين في أول عامين منها، لكن بعد ذلك بدأ شيء جديد لن أسميه تنازلاً، ولكن حدث ذلك بسبب الأجور المتدنية، فقد حاولت أنا ومجموعة من زميلاتي ألا نعمل لكن ذلك لم يؤثر على الشركات، ومع مرور الوقت عدنا تدريجيّاً إلى العمل وإلى تلك الأجور نفسها، التي لا تتناسب مع الأوضاع التي نعيشها. أمّا على مستوى النص والكتابة فأصبح لدينا أيادٍ دخيلة تكتب، على الرغم من وجود أشخاص مهمّين لدينا في الوقت نفسه، ولكن هناك من دخل على المهنة وهو ليس من أهلها، وهذا أساء للدراما حكماً، وهناك مُنتجون أيضاً أصبحوا يتحكّمون بالأعمال من حيث عدد الممثلين، ومن حيث الأحداث السهلة التي لا يمكن أن تكلّف كثيراً، وكذلك إدخال وجوه جديدة على المهنة لا علاقة لهم بها، على الرغم من وجود أسماء واعدة من بينهم. كلّ ذلك أثر على الدراما وتراجع بها، فالعجلة تمشي ونحن نريد أن نعيش.

لماذا حضرت ابنتك «نايا» إلى جانبك في لقاءين تلفزيوني وإذاعي؟ وهل أنت مع توريث الحالة الفنيّة؟
يقول لي البعض إنني مقصرة تجاه ابنتي «نايا» لأنني لا أقدم لها شيئاً مما أنا عليه في مهنتي، وأنا لست مع هذا الاتجاه وهذه الطروحات، وأعتقد أن هذا الأمر سلبي. لكن التكنولوجيا اليوم هي من يفرض علينا أموراً لا نرغب بها، وسأضرب مثالاً معروفاً وهو «كيم كاردشيان» التي صنعتها وسائل الإعلام الافتراضيّة لتكون اسماً لامعاً في أذهان الجيل الجديد، وتكتسح بشهرتها الشاشات وأهمّ المهرجانات العالميّة، ولكن في الحقيقة هي ليست ممثلة في الأصل، بل فقط حققت لنفسها شهرة عبر وسائل التواصل الاجتماعيّة، ليتمّ تناقل أقوالها اليوم بين الجميع كبيراً كان أم صغيراً!. وهذا الأمر غير سليم ولست معه، وأقول عن ابنتي اليوم إنها فتاة ذكيّة لديها استقلاليتها وثقافتها وتشبه جيلها، ولكن لها حضورها على الإنترنت، وفي الماضي شاركت في أدوار تمثيليّة وهي تعزف على آلة موسيقيّة، وترسم، لكن أنا كنت واعية لمسألة أن كل ذلك له حدّ أمام تعليمها والمحافظة على شخصيتها، فعندما نالت شهادتها الثانويّة وافقتها على رغبتها في الدخول إلى فرع هندسة العمارة، وكنت مع رغبتها في دراسة هذا الفرع، ولم أوجهها باتجاه دراسة التمثيل في المعهد العالي للفنون المسرحيّة، ولكن إلى اليوم الكثير يطلبها للظهور أمام الشاشة، وهذا ما حصل في التلفزيون وفي الراديو، ولكن أنا لست مع توريث الحالة الفنيّة مطلقاً، ولست مع التسويق لهذا الأمر.

كيف يمكن لك أن تحافظي على خصوصيتك كإنسان أمام شهرتك ومحبّة الناس لك؟
قبل أن أقرر إنجاب ابنتي «نايا» إلى الحياة، تهيأت نفسيّاً للأمر وأهلت نفسي للموضوع، من هذه الأمور أنني كنت أستمع للموسيقا والأغاني بصورة مكثّفة خلال مرحلة الحمل لإيماني بأن الجنين يُشارك الأمّ في الإصغاء والاستماع، وبعد الإنجاب كان لدي برنامج خاصّ بابنتي، ومنه زيارة الحدائق، وذات مرّة تحلّق حولي الكثير من الناس رغبوا في التحدّث معي، وأنا قلبي مع ابنتي التي تتسلق سلم الألعاب والتي تحتاج إلى اهتمام وعناية لأنها صغيرة السنّ، وفي هذه الأثناء سقط طفل إحدى الأمّهات اللاتي يتحدثن إليّ، وأصابه جرحٌ كبير، وتدفقت الدماء من وجهه، وكنت أشير إلى هذه الأمّ وأنبهها بأن ابنها قد سقط وتضرر، لكنها بقيت مستمرة في الحديث غير آبهةٍ لما حصل! وأضافت إنه لا مشكلة في ذلك! عندها أخذت ابنتي وخرجت من الحديقة متعبة، وبصورةٍ عامّة أنا لم أعد أستمتع بأي مكانٍ عامّ، فقد وُلِدَ شعور المراقبة لذاتي بسبب مراقبة الآخرين لي، فأنا لا أستطيع أن أتصرف على حريّتي مطلقاً، وذات مرّة عندما ذهبت لزيارة والدي في المستشفى لم أستطع البكاء لأن الناس توافدت عليّ تودّ أن تتصور معي، فحبست دمعتي في محجري، وبرد الموقف، وأنا لا أريد جرحهم، ولا أريد أن أسبب الأذى لأي شخص منهم. هذا الأمر دقيق لأن الممثل يخسر نفسه أمام محبّة الناس، فهو في حالة اشتياق لنفسه دائماً، وأنا أقول إن «وفاء موصللي» تركتها على أبواب المعهد العالي للفنون المسرحيّة، فقد كانت وفاء إلى وقت التخرج فقط، أمّا اليوم فأنا مزيج الشخصيّات التي أديتها، أتحدّث الكلام الذي لا يشبه كلامي الحقيقي، وأضحك على أشياء لا تضحكني في الحقيقة، وأبكي على أشياء لا تبكيني أيضاً… إلخ. لذلك قالوا إن التمثيل ثاني أصعب مهنة على مستوى العالم بعد مهنة عمّال المناجم. فوظيفتي كممثلة أن أخدم الناس وأن أرسم الابتسامة وأن أحرّض الفكر لديهم، فلا يمكن أن أجرح شخصاً ما ولو على حساب اختزان مشاعري الحقيقيّة، وأنا أعلم أن المعادلة لا تتمّ إلا بهذا الشكل، فهناك علاقة متكاملة بيني وبين المتلقي، وإذا اختلّ واحد منها، فهذا يفضي إلى نتيجة أن لا معنى لوجودي. وأعتقد أن الفنان السوري قريب من الناس كثيراً وله أثر حقيقي في حياته بل يمكنني القول إن الفنان لدينا في سورية مؤثر أكثر من أعضاء مجلس الشعب، فهناك خدمات ومساعدات تقدّم للناس من خلال الفنانين بقوّة ومن خلال نفوذهم، ومعارفهم.

مسألة المسرح تبقى بحاجة للتقويم والملاحظة، فماذا تضيفين في هذا الموضوع؟
عملتُ في 16 عملاً مسرحيّاً بعد التخرج في المعهد العالي للفنون المسرحيّة، لكن أغلبها مسرحيّات تراثيّة أو من المسرح العالمي، ولم يكن فيها ما هو من المسرح المعاصر أو ما يعكس الواقع، لذلك انتقل موطني من المسرح إلى الإذاعة، على الرغم من وجود الأقلام المحليّة ولكن يبقى إنتاجهم قليلاً. والمسرح مغر جداً لأن أدوات الممثل فيه يمكن تشغيلها بقوّة، ورعايتها أكثر، وذلك من الصوت إلى الحركة إلى تفاصيل الجسد كلّها، ومسرحنا اليوم بحاجةٍ إلى نصوص، وكتّاب، وأجور مرتفعة، وكذلك إلى تفعيل المسرح التجريبي.

هل سرق العمل في التلفزيون الأدوات منكِ؟
التلفزيون اليوم هو من يحقق المعيشة للفنان الممثل، وكلّ فنان سيمر عليه عدد كبير من السنوات في العمل التلفزيوني حتى يقول لنفسه إنه جسّد فعلاً شخصيّة حقيقيّة تمثله، لكن التلفزيون لم يسرق مني أدواتي مطلقاً فأنا أعمل في الإذاعة، وفي الدوبلاج، وأزور المسرح، وغير ذلك من الصقل المستمر.

كيف يكون الصقل للفنانة «وفاء موصللي»؟
دائماً الرياضة حاضرة في حياتي، وقد امتنعت عن التدخين، وكذلك التثقيف الدائم، مع ملاحظة أنني لا أعتمد ثقافة الإنترنت أبداً ولا أؤمن فيها، ومؤخراً أنجزت كتاب «قواعد العشق الأربعون» لـ«إليف شافاك» وتعلّمت أن كلّ شيء في الحياة إشارات يجب ألا تُهمل فأتابعها وأفهمها بقدر استطاعتي، وكاتبي المفضل هو «غابرييل غارسيا ماركيز» الذي علّمني الإدراك، ومعرفته نفسي من الداخل، ومعرفة التفاصيل، كما أميل كثيراً لقراءة كتب علم النفس، وكلّ ما يخصّ البرمجة اللغويّة العصبيّة ومواضيع التخاطر وغيرها.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن