ثقافة وفن

من الأوراق المطوية في تاريخنا … من عرّاب لقاء الزعيم وموشيه شاريت في فندق بلودان؟ وكيف تم اللقاء؟

| شمس الدين العجلاني

اتهم المقدم إبراهيم الحسيني رئيس الشعبة الثانية «رئيس المخابرات العسكرية» في الخمسينيات من القرن الماضي في قضية اغتيال آمر سلاح الطيران السوري العقيد محمد ناصر.
وإزاء ذلك صدر المرسوم رقم 1305 تاريخ 17 آب 1950 المتضمن ملاحقة المقدم إبراهيم الحسيني، والملازم الأول عبد الغني قنوت من ضباط الشعبة الثانية مع أربعة أشخاص مجهولي الهوية بجرم قتل المغدورين العقيد محمد ناصر والمدني عبد الوهاب عاروض، عمداً مع سبق الترصد والإصرار المنطبق على أحكام المادة 535 من قانون العقوبات.
ويوم الأربعاء أول تشرين الثاني 1950 أصدر قاضي التحقيق العسكري الخاص، عبد الحميد الخليل، قراره النهائي بالقضية ورفعه إلى مديرية العدلية العسكرية لإجراء الترتيبات اللازمة لتقديم المتهمين إلى المحكمة العسكرية.
ونص القرار على اتهام المقدم إبراهيم الحسيني، والملازم الأول عبد الغني قنوت، والرقيب أحمد عابدين، بجناية القتل عمداً.

ولكن شكلت الحكومة آنذاك محكمة خاصة للنظر في هذه القضية برئاسة القاضي «المدني» إسماعيل قولي وكان الرئيس مظهر وصفي قاضياً للتحقيق بجانب ثلاثة أعضاء عسكريين، تم تعيينهما بمعرفة أديب الشيشكلي، استمرت المحكمة لعدة شهور، واتخذت قرارها ببراءة المتهمين الحسيني وقنوت رغم مخالفة رئيسها القاضي قولي لهذا القرار؟ لقد طلب المدعي العام «عبد الوهاب الأزرق» إدانة المتهمين بالقتل، والحكم عليهما بالإعدام، وهذا أيضاً يتطابق مع ما أقره وطلبه رئيس المحكمة «إسماعيل قولي» ولكن الأعضاء العسكريين في عضوية هيئة المحكمة الذين عينهم الشيشكلي، وهم المقدم حسن غانم والمقدم رشاد نظمي والمقدم يحيى الرافعي، قد اتخذوا قراراً بتبرئة المتهمين، وهذا ما حصل، في حين يذكر نصوح بابيل في مذكراته أن المحكمة العسكرية كانت برئاسة القاضي إسماعيل قولي وعضوية المقدمين حسين غنام ومنير الصباغ وممثل النيابة العامة المقدم محمد الرفاعي.

قرار المحكمة العسكرية
بتاريخ 8-12-1950 وبعد محاكمة سرية أصدرت المحكمة العسكرية قرارها: (براءة كل من السادة: المقدم إبراهيم الحسيني والملازم عبد الغني قنوت والرقيب أحمد عابدين والرقيب ماجد شاكر من تهمة القتل، والقرار بالأكثرية من جهة المتهمين الأولين، ووفقاً لمطالعة النيابة وعملاً بأحكام الفقرة الثانية من المادة 309 من قانون الأصول الجزائية، فقد أطلق سراحهم فوراً).
هذا مع العلم أن المحكمة العسكرية عقدت جلستها الأولى قبل ظهر يوم الخميس في 9 تشرين الثاني 1950 ولم يحضرها أحد من المحامين عن ورثة العقيد ناصر، على حين حضر وكلاء الدفاع عن الحسيني وقنوت من دمشق وبيروت وهم سامي الصلح وأميل لحود وفوزي برودويل ومحمد عطورة وجميل الجابي وخليل الكلاس.

حيثيات الحكم
مما جاء في حيثيات الحكم في قضية المقدم إبراهيم الحسيني: (… أطلقت سيارة النار على سيارة كان المرحوم العقيد الناصر في داخلها فخر السائق صريعاً لتوه، ثم تقدمت السيارة التي تنقل الجناة ونزل من فيها وتوجهوا إلى سيارة العقيد ناصر،.. فانتحل الجاني اسم المقدم الحسيني وطلب إلى الشرطي أن يمتنع عن التدخل لأن الأمر يخص الجيش وحده…. وقد تبين لهيئة المحكمة أن العقيد ناصر كان عندما كتب الاسمين في حالة إجهاد وقد يكون فاقد الإرادة بسبب حقنة المورفين التي عولج بها…. ومالت هيئة المحكمة إلى الاعتقاد أن المعتدي انتحل اسم المقدم الحسيني).
عين الحسيني بعد خروجه من السجن مديراً عاماً للشرطة ثم ملحقاً عسكرياً في السفارة السورية في إيطاليا، وحين ترك سورية نهائياً عاش فترة من الزمن في روما في شارع فيللا ماسيمو بحراسة الشرطة السرية الإيطالية، ومن ثم عاش في السعودية ولقي حتفه فيها.

هل كان الحسيني يهودياً؟
كان يشاع من وراء الكواليس في الأوساط السياسية والعسكرية آنذاك، أن جذور المقدم إبراهيم الحسيني يهودية، فذات مرة قال العقيد محمد ناصر للحسيني: (إني أعرف أن لك صلة مع عائلة المسلماني في عكا) ويوضح مصطفى طلاس في كتابه مرآة حياتي هذه المقولة: (إنه يهودي وهو من آل مسلماني في عكا. وهذه عائلة يهودية قبل إسلامها. وشقيقه عصام حُكم بقضية تجسس). كما ذكر عفيف البزري حول ذلك قائلاً: (إبراهيم الحسيني من الأفّاقين الذين ابتليت بهم سورية. وهو من عائلة المسلماني الحيفاوية التي انتحلت كنية الحسيني. وكان له شقيق حُكِم بجرم تجسس للعدو الصهيوني من المحكمة العسكرية السورية. وقد اطلعتُ على إضبارته عندما كنت رئيساً لهذه المحكمة في عام 1956. وكان هناك أيضاً للحسيني شقيق آخر يعمل في تلك الأيام في شرطة الصهاينة. وقد ارتبط ذلك الأفّاق بأكثر من جهة متآمرة على استقلال سورية). ويضيف البزري: (إبراهيم الحسيني سفاك ارتكب عدداً من جرائم القتل قبل وبعد اغتيال محمد ناصر، وقد ثبت ارتباطه بالمخابرات الأميركية ولا نستبعد ارتباطه بالمخابرات الصهيونية التي نعتقد أنها دفعته مباشرة أو بالواسطة لارتكاب جريمة اغتيال محمد ناصر وتوريط الشيشكلي بهذا الفعل لتعزيز مركزه لديه كشريك «ويد قوية» في نظامه وبالتالي ليكون للصهاينة تأثير كبير في هذا النظام) في حين يقول سامي جمعة: (إن إبراهيم الحسيني كان صلة الوصل بين حسني الزعيم وموشية شاريت (1).
كان إبراهيم الحسيني صلة الوصل بين حسني الزعيم وموشية شاريت إذ في 4 حزيران من عام 1949، نقل (إبراهيم الحسيني) موشيه شاريت وزير خارجية إسرائيل آنذاك في سيارة عسكرية بملابس ضابط سوري من جسر بنات يعقوب إلى بلودان ليلتقي الزعيم. وإن شيخ الخالصة، الذي قتلته فيما بعد دورية سورية في الأراضي اللبنانية، توسط لذلك اللقاء حيث التقاه الزعيم بحضور إبراهيم الحسيني، وسعيد حبي، وصلاح طرزي. ويقول سامي جمعة: إن إبراهيم الحسيني قد نسق لقاء حسني الزعيم وموشيه شاريت في فندق بلودان الكبير، ويتابع سامي جمعة أحد مسؤولي المخابرات في سورية والمسؤول عن أمن حسني الزعيم نفسه في بلودان. في كتابه «أوراق من دفتر الوطن» إن اللقاء حصل فعلا بين حسني الزعيم وموشيه شاريت.. فيقول: (سارت أموري في بلودان بشكل روتيني إلى أن جاء ذلك اليوم في بدايات حزيران الذي لا يمكن أن أنساه ما حييت. وصل «حسني الزعيم» كعادته نحو العاشرة صباحا «إلى الفندق» وبصحبته النقيب رياض كيلاني، وبعد برهة وصل الأمير عادل أرسلان وصلاح الطرزي ثم تبعهم كل من الجنرال التركي «فؤاد اوباري» والميجر ميد. غادر الأخيران قبيل فترة الظهيرة وعندما انتصف النهار اتصل العنصر المكلف مراقبة المدخل الخارجي «للفندق» معلنا وصول المقدم إبراهيم الحسيني، فخرجت إلى الباب وشاهدت سيارة الفورد بوكس التي كانت تقل الحسيني وبجواره على المقعد الخلفي ضابط يرتدي زي ضباط الجيش السوري… لم استطع التعرف إليه، لاحظت أن الحسيني يتعامل مع ذلك الضابط باحترام شديد…. «ودخل إلى الصالون الذي يجلس فيه حسني الزعيم وعادل أرسلان والطرزي وخرج فوراً..»
ويذكر مصطفى طلاس في مذكراته (مرآة حياتي) بشكل مفصل كيف التقى حسني الزعيم موشيه شاريت في بلودان، ويقول إنه دقق المعلومة مع الملازم سامي جمعة الذي كان يعمل في الشعبة الثانية آنذاك.
وتبقى خفايا العقيد إبراهيم الحسيني على الساحة السورية والعربية والدولية في أروقة المخابرات العالمية، ويبقى الشهيد العقيد محمد ناصر قابعاً في قريته «طبرجة-عين شقاق» يشهد على القاتل.

تعريف
1- موشيه شاريت سياسي صهيوني، زعيم حزب مباي (حزب عمال إسرائيل) في السنوات 1955-1954، ورئيس الحكومة في السنوات بين 1954-1955. ولد في جمهورية أوكرانيا يوم 16 تشرين الأول 1894، هاجر مع والديه إلى إسرائيل في عام 1906. في الحرب العالمية الثانية خدم كضابط في الجيش التركي، كان عضو هيئة التحرير في جريدة «دفار»، وهي صحيفة يومية أصدرتها الهستدروت العامة.
في عام 1933 تم تعيينه رئيساً للدائرة السياسية للوكالة اليهودية حيث صار الناطق الأساسي بلسان الصهيونيين أمام البريطانيين والعرب، الذين أجرى معهم لقاءات متكررة ومنهم الرئيس حسني الزعيم، توفي 7 تموز 1965م.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن