قضايا وآراء

عظمة روسيا رهن بصمود سورية

| بيروت – رفعت البدوي 

حمى التصريحات والتصريحات المضادة بين أميركا وروسيا بشكل متسارع ومحموم بشأن الملف السوري لم نشهد له مثيلاً في تاريخ العلاقات بين البلدين ما رسم صورة قاتمة للمنحى المنوي اعتماده في مستقبل مسار الأمور نظراً لاختلاف المرام والأهداف من تشابك وتداخل المصالح ليس في سوريه فقط بل بالمنطقة برمتها.
هناك من وصف المشهد بالقاتم نظراً للتوتر الحاصل بين أميركا وروسيا وإمكانية خروجه عن السيطرة عند أول خطأ مقصود أم غير مقصود ما ينذر بنشوب حرب عالمية ثالثة انطلاقاً من سورية.
علمتنا صفحات التاريخ من خلال متابعة دقيقة لكل الأزمات المشتركة بين روسيا وأميركا بدءاً من أزمة الصواريخ الروسية التي سميت أزمة كوبا أو خليج الخنازير أو أزمة يوغوسلافيا وأوكرانيا وجورجيا وليبيا والعراق إضافة إلى أزمة تنظيم امتلاك السلاح النووي وصولاً للأزمة السورية فإن سلوك سبل الحل بين الطرفين كانت تبدأ برسم إطار تفاهم لتنظيم إدارة الأزمة لتنتهي بعدها باتفاق روسي أميركي ولو مرحلياً يأخذ في الحسبان التطورات حسب مصالح كل بلد.
الاتفاق الذي تم التوصل إليه والإعلام عنه في جنيف بين وزيري الخارجية الروسية والأميركية مؤخراً كان أقرب إلى وضع بنود تنظم الخلافات بين الطرفين تجنباً للوصول إلى نقطة اللاعودة التي تفرض وقوع المواجهة بين الطرفين ما يعني أننا أمام مرحلة جديدة من التفاهمات التي ستنتهي باتفاق ما لكن في وقت لاحق لم يحن موعده بعد بانتظار التطورات الميدانية القادمة.
الملاحظ أن أياً من الطرفين لم يعلن عن انتهاء العمل بالاتفاق أو أن الاتفاق بحد ذاته أخفق ومات، فالأميركي لجأ للتهديد بالقول إن الاتفاق وصل إلى حافة الانهيار على حين الروسي يؤكد تمسكه ببنود الاتفاق التي تم التوصل إلى صياغتها بالتشاور مع السلطات السورية حتى في كيفية صياغة الجمل وانتقاء الكلمات مع تأكيد لافروف أن الاتفاق لم يزل صالحاً ومن المبكر الكلام عن انهيار الاتفاق أو موته.
روسيا من جهتها أعربت أكثر من مرة عن رغبتها في إعلان بنود الاتفاق بين كيري ولافروف بوجود أكثر من خمسين ضابطاً أميركياً وروسياً شهدوا توقيع الاتفاق إلا أن أميركا رفضت الكشف عن البنود متحججة بأنها بنود سرية، الرفض الأميركي جاء بسبب عدم وجود إمكانية أميركية لتنفيذ البنود نظراً لتضارب المصالح والتخبط الحاصل داخل الإدارة الأميركية.
ما صرح به جون كيري لوفد من المعارضة السورية والتي سربت جريدة النيويورك تايمز التسجيل الصوتي لما تداوله كيري معبراً عن إحباطه من عدم التجاوب مع طلبه للقيام بعمل عسكري ضد النظام السوري كشف زيف الادعاءات الأميركية باعتمادها مبدأ اللعب على الحبال ظناً منها أنها لم تزل القوة الوحيدة القادرة على قلب الأوضاع لمصلحتها باستمرارها دعم التنظيمات المسلحة ورفضها العمل على فصل التنظيمات بين معتدل ومتطرف لأن هدف أميركا الواضح هو إطالة الأزمة السورية لأبعد وقت ممكن لإنهاك الدولة السورية وإنهاك روسيا في سورية.
استمرار الاتصالات بين كيري ولافروف يعطي الجواب بأنه لا مواجهة قريبة أو بعيدة بين الطرفين ولا مفر من العودة للمفاوضات بين الطرفين مع فارق مهم هو اعتماد التفاوض حسب نتائج متغيرات الميدان العسكري في سورية.
نخلص إلى استنتاج أن لا أوباما يريد إنهاء ولايته بحرب مع الروس أو الانغماس بحرب ضد سورية ولا روسيا تريد خوض حرب عالمية ثالثه تنهكها وتنهك اقتصادها.
فلنتذكر كيف انتهت أزمة الصواريخ الروسية بين أميركا وروسيا وخصوصاً بعدما تهيأ العالم لنشوب الحرب بين البلدين لتنتهي الأزمة من خلال القنوات الخلفية التي أفضت إلى اتفاق بين القوتين جنّب العالم حرباً مدمرة.
التهديد برد روسي صاعق ضد أي تحرك أو اعتداء أميركي على سورية وعلى قوات الجيش العربي السوري من شأنه أن يقلب الوضع ليس في سورية فقط بل في المنطقة برمتها وهو دليل أن روسيا انتقلت من دولة تلملم مجدها لتصبح دولة عظمى بإمكانها التصدي دبلوماسياً في المحافل الدولية باستعمالها حق النقد الفيتو وصولا لإمكاناتها العسكرية التي باتت حاضرة وجاهزة لقلب المعادلة في المنطقة.
روسيا أصبحت دولة عظمى لكن تبقى عظمة روسيا رهناً بصمود سورية.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن