قضايا وآراء

خيارات الممكن والمستحيل بعد سقوط أقنعة الإرهاب

| عبد السلام حجاب 

ما دام السؤال منطقياً بالتحليل السياسي، فإن طرحه لن يكون عبثياً، بل مشروع لاستجلاء حقيقة تؤكد أهمية الجهد الدولي النزيه وليس المراوغ في محاربة الإرهاب، ومشروعية المواجهة التي تتحمل أعباءها الدولة الوطنية في محاربة الإرهاب دفاعاً عن حقوقها السيادية وقرارها الوطني المستقل.
وعليه، أليس مستحيلاً الجلوس أو التعامل مع تنظيمي داعش وجبهة النصرة الإرهابيين المدرجين على لوائح الإرهاب الدولي، ولن يبدل في واقعهما الإرهابي تغيير الأسماء، بل إن محاربتهما واجبة وضرورية بحكم القوانين والقرارات الدولية؟
أليس نفاقاً وابتزازاً، سياسياً وأخلاقياً، السعي إلى توفير الحماية لجبهة النصرة ومشتقاتها الإرهابية خدمة لمصالح الحرب على سورية، وإيجاد المبررات لتسويغ جرائمها وتزويدها بأسلحة متطورة بذرائع الديمقراطية وحقوق الإنسان وغيرها من المصطلحات الأميركية التي فقدت معناها ومصداقيتها واقعياً على الأرض؟
ثم هل هي سذاجة سياسية أم فقدان للبوصلة غير مبرر أم لأسباب أخرى تثير الريبة والقلق، ما يجعل دولة عظمى كالولايات المتحدة الأميركية تعتمد سياسة المماطلة والتسويف والتهديد المبطن، وعدم الالتزام بتنفيذ تعهداتها في التفاهمات والاتفاق الموقع مع الجانب الروسي بالتاسع من أيلول المنصرم في جنيف؟ وكان الجنرال برينان رئيس المخابرات الأميركية وعد الجانب الروسي في موسكو بتنفيذ البند الرئيسي في الاتفاق الخاص بفصل من تصفهم واشنطن «معارضة معتدلة» عن التنظيمات الإرهابية في غضون أسابيع قليلة.
لكن الوعد لم يتحقق حتى الآن. و«المعتدل» إرهابي في صفوف جبهة النصرة. والمرجعية أميركية التوجه والاستثمار، وهو ما أشار إليه الوزير لافروف «من أن روسيا تدرك أن أميركا لم تخطط مطلقاً للفصل بين التنظيمات الإرهابية وبين ما يسمى «المعارضة المعتدلة في سورية»، فهل تكون العودة إلى الخيار العسكري خياراً ممكناً كما تلوح تصريحات أميركية منفلتة بديلاً من الاتفاق الروسي الأميركي؟ أم إنه أمر مستحيل ولا يريده الجانبان على الرغم من السجال السياسي والإعلامي بينهما، وبدا فيه بوضوح أن الغرب بقيادة الولايات المتحدة لم ينجح بتطبيق التزاماته في سورية بحسب لافروف؟
دون شك، يمكن القول بالسياسة، إنه ليس من الممكن لأحد أن يفرض على أميركا قبول سياسات ليست في حسابات مصالحها ومشاريعها الإستراتيجية. وخاصة أنها الدولة العظمى التي تعاني تداعيات ولادة عالم متعدد الأقطاب. ولم يعد سراً منذ أن أعلن الرئيس الصيني في الدورة السبعين السابقة من اجتماعات الأمم المتحدة أن العالم تغير ولم يعد ممكناً إعادته إلى الوراء، لكن الواقعية السياسية تبرز وقائع ومؤشرات موضوعية ليس لأحد أن يتجاهلها، وأكدها الكرملين تعقيباً على اجتماع مجلس الأمن 21/9 الذي انعقد بطلب أميركي فرنسي بريطاني على هامش اجتماعات الدورة الحادية والسبعين للمنظمة الدولية «بأن تصريحات مندوبي واشنطن وبريطانيا في مجلس الأمن بشأن سورية مرفوضة وتهدد العملية السياسية والعلاقات الثنائية مع روسيا، ما يعني أن القطب الأميركي الأوحد سابقاً أمام خيارات لا مفر منها وأحلاها مر ومن بينها:
1- التكيف بشفافية مع المتغيرات في إطار المبادئ والمواثيق الدولية، وهو أمر لم تعتد سلوكه واشنطن، وقد طالبت موسكو بأن تثبت واشنطن نزاهة نياتها بشأن سورية.
2- الاستمرار بانتهاج الممكن سياسياً بالمناورة على ضفاف الحرب الباردة وتصعيد مواقفها السياسية لحساب الرهان على استنزاف الخصوم بالوقت والإرهاب بما يجعل العوامل المفجرة للأزمات أوراقاً ضاغطة بيدها، نستخدمها عند الحاجة وفي أي اتجاه يخدم مصالحها، ما يعني تعطيل الحل السياسي خدمة للاستثمار بالإرهاب، وترك الحبل على الغارب سواء لحكام بني سعود ومشيخة قطر بأجندتهم الوهابية أو لنظام أردوغان عبر أذرعه الإرهابية الإخوانية أو للكيان الإسرائيلي بعقيدته الصهيونية وأذرعه الإرهابية من تنظيم جبهة النصرة ومشتقاته القاعدية الأخرى، وقد أشارت زاخاروفا المتحدثة باسم الخارجية الروسية إلى أن «الإستراتيجية الخاطئة للولايات المتحدة في الشرق الأوسط نتيجة لانسياق واشنطن وراء بعض حلفائها في المنطقة».
3- الذهاب باتجاه المستحيل أي خيارات شمشون الأميركية، التي لا تأخذ بحسبانها المتغيرات الدولية والوقائع الميدانية التي يحققها التعاون السوري الروسي منذ عام حتى الآن بطلب شرعي من الحكومة السورية، إن من جهة محاربة الإرهاب حتى القضاء عليه ودعم الجهود الصادقة باتجاه العملية السياسية لحل الأزمة في سورية بالاستناد لقرار مجلس الأمن 2254 أو من جهة إسقاط الأقنعة عن وجوه دول صانعة وداعمة وممولة وراعية للإرهاب بما فيها دول في الغرب الاستعماري كفرنسا وبريطانيا، ما يعني أن الذهاب باتجاه تلك الخيارات ينقل الصراع من فضائه السياسي إلى حدوده العسكرية التي لن تحقق إلا دمار العالم وانتشار الإرهاب.
لعل ما يشي به التصعيد السياسي الأميركي باتجاه روسيا، القطب الدولي الناهض في عالم متعدد الأقطاب، قد وصل إلى التهديد بقطع الاتصالات مع الجانب الروسي، ووصفه نائب الوزير الروسي ريابكوف بالابتزاز، بأنه يفصح عن نفسه على أنه تصعيد لكسب نقاط لكنه لم يصل حد الانقلاب الحاسم على التواصل بين الجانبين بدليل أن الرئيس الروسي بوتين أوعز لخبراء وزارتي الدفاع والخارجية بالتوجه إلى جنيف للتباحث مع نظرائهم الأميركان بشأن تنفيذ الالتزامات تجاه الاتفاق الروسي الأميركي، وهي بسيطة وواضحة وترتكز إلى نقطتين أساسيتين.
أ- فصل معارضة واشنطن المعتدلة عن التنظيمات الإرهابية كداعش وجبهة النصرة، وقد أقرت واشنطن بوجود تنظيمات مسلحة أعلنت رفضها للاتفاق الروسي الأميركي.
ب- ألا تقوم أميركا بدور الأصيل، بضرب مواقع للجيش السوري في جبل الثردة بدير الزور. ولاسيما أن من يريد محاربة الإرهاب بصورة جدية، عليه التنسيق مع الحكومة السورية وجيشها الباسل.
وقد جددت الخارجية الروسية تأكيد «أن روسيا عازمة على مواصلة دعم سورية في محاربة الإرهاب والمساهمة في التسوية السياسية على أساس قرار مجلس الأمن 2254.
وأعلن بسكوف باسم الكرملين «أن الرئيس الروسي بوتين لم يحدد سقفاً زمنياً للعملية العسكرية الروسية لمكافحة الإرهاب في سورية.
يمكن القول إن التطورات السياسية والميدانية في سورية سواء على صعيد التقدم في محاربة الإرهاب أو على صعيد اتساع المصالحات الوطنية إنما تؤكد أن الممكن فقط يكون بتوحيد الجهود الدولية النزيهة لمحاربة الإرهاب وتنفيذ القرارات الدولية من دون تصريحات مخزية للأمين العام كي مون ولا اجتهادات على الإيقاع الأميركي للمبعوث الدولي دي ميستورا.
وليس خافياً أن السوريين جيشاً وشعباً بقيادة الرئيس بشار الأسد يواصلون بثقة تحمل مسؤولياتهم الوطنية لاقتلاع الإرهاب، وعلى الآخرين أن يقرؤوا التاريخ الوطني للسوريين جيداً، ويدركوا أن كل بقعة من سورية هي حلب.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن