قضايا وآراء

خيارات ما قبل الهزيمة

| د. بسام أبو عبد الله 

تصاعد الشرر من الرؤوس الحامية في البنتاغون، ووكالة المخابرات المركزية الأميركية، والمجمع الصناعي العسكري إثر الاتفاق الروسي الأميركي الذي وقعه كل من كيري ولافروف، وحاولت واشنطن كعادتها استغلاله لتمرير الأوكسجين لمجموعاتها الإرهابية في شرق حلب التي بدأت تختنق على وقع التقدم الذي يحققه الجيش العربي السوري، والحلفاء، فعملت على تفجير، لا بل نسف هذا الاتفاق، والحديث عن البدائل الأخرى، ومنها التدخل العسكري المباشر، والعودة لاستخدام القوة لفرض إرادة واشنطن السياسية، ورؤاها للحل في سورية بعد أن أصابها وحلفاءها اليأس والهستيريا بسبب التغير السريع في الميدان السوري لغير مصلحتها، ومصلحة إمعاتها من الإرهابيين، والعملاء، والمرتزقة الذين تسميهم (معارضة سياسية) لأولئك الذين يلبسون الياقات في الرياض، و(معارضة معتدلة) للإرهابيين الذين ينفذون لها الأجندة على الأرض ضد الدولة السورية والشعب السوري معاً.
واشنطن تهدد بمروحة خيارات سبق أن طُرحت في عام 2013، ومنها شن غارات على المطارات العسكرية السورية بصواريخ كروز من سفن، أو طائرات، أو تنفيذ ضربات سرية من دون الإعلان عن تبنيها علناً، كما يجري الحديث عن تسليح الجماعات الإرهابية بأسلحة مضادة للطائرات، وأنواع أخرى من الصواريخ، والقذائف التي تصل إلى مسافات بعيدة لاستهداف المدن، والتجمعات السكنية، وإضافة لذلك يتحدثون في واشنطن عن جملة عقوبات اقتصادية، ودبلوماسية، وسياسية ضد الدولة السورية، وضد روسيا، ويبدو أن اجتماعاً سيعقده حلف العدوان في ألمانيا لمناقشة الخيارات الممكنة في ضوء التصعيد الهستيري والجنوني من جانب واشنطن.
مقابل هذا الجنون الأميركي الغربي عززت موسكو شبكات صواريخها من طراز (إس 300)، و(إس 400) التي سبق لها أن تمركزت في سورية إثر إسقاط الطائرة الروسية من مقاتلة تركية في شهر تشرين الثاني من العام 2015، وحذرت واشنطن من أن استهداف دمشق، والجيش السوري سيؤديان إلى نتائج مزلزلة في الشرق الأوسط، ومن الواضح تماماً أن كل خيارات واشنطن العسكرية ستؤدي إلى الصدام مع موسكو حسب ما يقول الخبراء العسكريون، والسياسيون الأميركان وهو خيار لا يريده الطرفان أي (الأميركي والروسي)، كما أن رد فعل البيت الأبيض على صقور الإدارة كان واضحاً من خلال الإشارة إلى ثلاثة أشياء مهمة:
1- عبثية هذه الخيارات، وخاصة من خلال الإشارة إلى غزو العراق وجورج بوش الابن، وتأثير كل ذلك في سمعة أميركا.
2- الإشارة إلى أنه لا حل في سورية إلا بالطرق السياسية، والدبلوماسية.
3- لا يمكن لأي دولة في العالم أن تفرض حلاً على الشعب السوري.
إذا أضفنا لكل ذلك ما سُرب عن لقاء جون كيري مع معارضين سوريين في 26/9/2016 في النيويورك تايمز، وحديثه المفاجئ لهم عن ضرورة خوض الانتخابات مع الرئيس الأسد، وأنه لا إمكانية لأن تقاتل أميركا عنهم، وأن وجود الروس شرعي، وضمن القانون الدولي، وأما التدخل الأميركي فهو غير شرعي، وخارج إطار الأمم المتحدة والقانون الدولي، والسبب أن الروس جاؤوا بناء على طلب من حكومة شرعية، أما الأميركان فلا، أي إنهم في وضع غير شرعي، وغير قانوني.
وإذا كانت الولايات المتحدة لا تهتم كثيراً بالقانون الدولي، وبالأمم المتحدة لكنها حجة ساقها كيري للهروب إلى الأمام، والتعبير بشكل منمق عن حجم الهزيمة، والانكسار ذلك أن قناعة واشنطن بأن سقوط الإرهابيين في شرق حلب يعني هزيمة لمشروعها بالكامل، وتهاوياً للآمال التي علقتها على الاستثمار في الإرهاب للوصول لأهدافها السياسية في سورية.
الدفع باتجاه العمل العسكري لا نجده فقط لدى الرؤوس الحامية في البنتاغون، والمؤسسة الأمنية الأميركية بل نجد أن من يدفع بذلك أيضاً هو (الإسرائيلي) الذي يرى في هزيمة داعش، والنصرة هزيمة إستراتيجية له، إذ دعت صحيفة (هآرتس) الإسرائيلية بوقاحة شديدة إلى ضرورة التدخل في سورية على خلفية ما أسمته (مجازر حلب)، ورأت أن هذا التدخل يجب أن يتم ليس من منطلق (إنساني) (انتبهوا لعبارة منطلق إنساني) إنما هو حاجة إستراتيجية، مطالبة بضرورة وضع حد للرئيس الروسي بوتين، ولما أسمته (الجنون الروسي)!!!
الآن إذا أخذنا كل هذه الخيارات المطروحة من التهديد العسكري، إلى الضغط الدبلوماسي، والسياسي، والإعلامي، فإننا ندرك أننا أمام مفترق طرق حاسم في الحرب العدوانية على سورية، وهي سباق مع الزمن لمنع سقوط أوكار الإرهاب، والتطرف، والتكفير في شرق حلب ومن ثمّ عودة حلب كاملة لحضن الوطن، وحناياه بعد غربة جزئها الشرقي مع قتلة، ومجرمين لوثوا تاريخها، واسمها، وجمالها وتسامحها بآثامهم، وجرائمهم، وعمالتهم، وكل قذاراتهم التي يمكن أن يكتب عنها الكثير، وما كشفته موسكو عن وجود ضباط استخبارات أميركان يديرون العمليات هناك ليس إلا أحد وجوه العدوان الذين يشن على حلب، وكل مدينة سورية، وحقيقة الأيدي القذرة التي تدير هذه اللعبة الدموية الشيطانية.
ما من شك أننا أمام أسابيع صعبة، وقاسية، ومفتوحة على مختلف الاحتمالات، والسيناريوهات وخاصة أن معركة إسقاط الإرهاب تخطو خطواتها الحاسمة في حلب، وأن خيارات واشنطن صعبة، ومعقدة وتبدو خيارات ما قبل الهزيمة، والانكسار لأنها لم تقبل بما عُرض عليها، وهي في الوقت نفسه تصطدم مع واقع صعب سوري اختبر كل ما يمكن فعله به، ومع شعب قرر الانتصار، وجيش وحلفاء لن يتراجعوا حتى هزيمة الإرهاب الذين يرون فيه خطراً عليهم، وعلى العالم، ومعركتهم ضد هي معركة الحضارة ضد التطرف والإجرام، والتخلف، والجهل.
إن ضراوة وقساوة هذه الحرب تعودان كما قال الرئيس الأسد إلى أن ما سيحصل في سورية سيؤثر في الخريطة السياسية العالمية، فانتصار سورية سيجعلها أكثر قوة، وستنتشر أكثر فكرة الاستقلالية بين الدول، وهذا ما يخشاه الغرب.
ولتأكيد كلام الرئيس الأسد- تابعوا مثلاً ما يقوله رئيس الفيليبين عن الأميركان، والسياسة الأميركية الغربية، وعدم احترامها للقادة، وللشعوب، وحديثه عن وجود بدائل في روسيا، والصين.
إذاً معركتنا في سورية هي معركة استقلال، وقرار وطني مستقل، ومعركة نظام دولي جديد، ومعركة هزيمة الإرهاب حماية لسورية والمنطقة، والعالم، وما أراه أن أميركا تبحث عن خيارات ما قبل الهزيمة لأن حلفها ينهار، وأوراقها كُشفت، ولم يعد أمامها إلا البحث عن خيار يحفظ ماء الوجه إن أرادت ذلك.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن