قضايا وآراء

واشنطن والخطة «باء»!!

| مازن بلال 

يبدو أن تلويح الخارجية الأميركية طوال الأشهر الماضية بالخطة «ب» كان إثارة لاحتمال سيناريوهات تعاكس التوافقات، أو تقف حداً فاصلاً ما بين سورية ككيان سياسي والواقع الذي تفرضه الحرب على الإرهاب، فالولايات المتحدة تحركت عسكريا منذ الخلاف حول تفاهمات جنيف نحو التعامل مع الشرق السوري بشكل مختلف، فهي تستثمر الواقع وتسعى لخلق مسارين داخل سورية؛ الأول مرتبط بكل ما يتعلق بالمنظمات الإرهابية ومعارك حلب، والثاني يتخذ من الشرق السوري مسرحاً لإحداث تحولات على صعيد «البنية السورية»، فضرب الجسور على نهر الفرات ليس فقط تدميراً للبني التحتية، بل تلويح بسيناريو يغير الخريطة الخاصة بالمنطقة عموما.
تسعى الولايات المتحدة وفق السيناريوهات المفترضة لجعل الحدود العراقية السورية مساحة مفتوحة، في وقت يمكن لتركيا أيضاً التعامل مع الحدود الشمالية لسورية بطريقة تنقل الأزمة إلى مسار جديد، فالمسألة لا ترتبط فقط بـ«شطر سورية» جغرافيا بل أيضاً تحويلها إلى مشكلة إقليمية ترتكز إلى قضايا ترسيم الحدود، فنحن اليوم أمام حالتين أساسيتين:
– الأولى تدعي فيها واشنطن دحر داعش باتجاه سورية، وهي تترك نتيجة هذه العملية فراغا سياسيا يمتد من الأنبار إلى الحدود الإدارية لمحافظة الرقة، وفي هذه «الجغرافية» هناك ترتيبات على المستوى السكاني تظهر على هامش هذه العملية، وتجعل الحدود السياسية مشكلة تتطلب البحث من جديد، وواشنطن تمسك بهذه الورقة جيداً لأنها تشكل حدود الفصل بين إيران والبحر المتوسط، فهي تقطع بذلك خطوط الطموح الإيراني بدور يتجاوز منافذها البحرية في الخليج أو على شواطئ المحيط الهندي.
– الثانية احتكار تحرير الموصل والرقة، وهذا التحرك عملياً باستثمار الواقع الموجود في الشمال السوري، وبالتأكيد فإن صعوبة إشراك تركيا والأكراد في هذه العملية يفرض حسابات جديدة ومختلفة، فالبنتاغون يرى الموضوع الكردي من زاوية الحد من الدور الروسي والتركي في هذا الموضوع، فتحرير الرقة وفق سيناريوهات واشنطن سيكون نتيجة توافق على الأدوار الإقليمية والنفوذ الدولي في الشمال السوري، ووفق هذا التصور فإن الانسياب من الشرق نحو الغرب، أي من الصين وإيران وغيرهما سيكون محكوما بهذه الترتيبات.
الخطة «ب» للولايات المتحدة لا تبدو شأناً سورية بل هي ترتيبات في الحركة الدولية اقتصادياً وحضارياً، فالبنتاغون يحتاج إلى ضبط العلاقات على تخوم روسيا ومشروعها الأوراسي، وإلى منع ما يمكن أن نطلق عليه «فيض الشرق» الصيني تحديدا والذي سيرجح الترابط البري لمنطقة كانت دائماً محوراً للصراعات، الأمر الذي سيؤدي لإحداث تحولات عميقة داخل النظام الدولي، والجغرافية السورية والعراقية هي المنطقة الوحيدة التي يمكن التأثير فيها لكسر هذا الأمر؛ فهي منطقة الفوضى والحرب على الإرهاب، وهي أيضاً نقطة التماس المتاحة للاشتباك دون كسر معادلة التوازن القائمة بين الدول الكبرى.
عمليا فإن مدينة حلب هي الممر التاريخي لعملية الانسياب من الشرق والغرب، ولكن التطورات الحضارية تفترض التحكم بأكبر جغرافية ممكنة، والصراع الذي انتقل سريعا باتجاه الشرق والشمال الشرقي لسورية سيكون نقطة فاصلة في بلورة المشاريع الدولية، فهو المساحة الوحيدة التي يمكن عبرها خوض الصراع من دون خطر امتداده نحو أوروبا… إنها سيناريوهات الخطة «ب» على ما يبدو.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن