قضايا وآراء

في خطوات الزمن الصعب.. أين الحل السياسي..!؟

|  عبد السلام حجاب 

لا شك بأنه لا شيء أسوأ من الحرب وبالمقارنة فإنه لا شيء أفضل من السلام مع الكرامة الوطنية. والخسائر في مواجهة العدوان أقل وأهون بأضعاف من الخسائر الناجمة عن الاستسلام والخضوع لشروط التبعية والهيمنة.
ويتأكد في مثل هذا الزمن الصعب والحاسم. انكشاف النيات عن مضامينها المشبوهة والأجندات عن أهدافها المبيتة. إذ إنه بين خطوات تتعثر بشروط من خارج السياق وغير مقبولة كحال المشروع الفرنسي إلى مجلس الأمن الدولي وبين خطوات يجري الترويج لها، تلوح بضربات أميركية محدودة أو متدرجة للجيش السوري، حذّرت موسكو من مخاطرها، داعية إلى تجنب تداعياتها الزلزالية في اتجاهات عدة. فإن السؤال الذي يطرح نفسه: أين الحل السياسي الذي تتحدث عنه قرارات مجلس الأمن ولاسيما القرار الدولي 2254 الذي وافقت عليه واشنطن لبدء العملية السياسية للحوار بين السوريين في جنيف من دون شروط مسبقة. أم إن ما تريده هو الحل للأزمة في سورية بواسطة الإرهاب وإن لزم فبالأصالة مع تحالفها للحرب على سورية!!
وعليه فإن الخطوة باتجاه الحرب بحاجة لسياسي أحمق. فقد عقله وقرر اللعب مع الإرهاب على حين أن الخطوة باتجاه السلام والحل السياسي للأزمة في سورية تحتاج إلى عقل سياسي يعتمد بوصلة الواقعية السياسية التي تضع محاربة الإرهاب في مقدمة أولوياتها من دون تسييس ومعايير مزدوجة.
ولقد أكد الرئيس التشيكي ميلوش زيمان أنه ليس هناك معارضة معتدلة في سورية، وإنما مجموعات متطرفة، مبيناً أنه يختلف في هذا التقييم مع الموقف الذي تتبناه الولايات المتحدة.
وقالت الخارجية الروسية إن واشنطن مخطئة بإمكانيتها تطويع جبهة النصرة بل إنه على واشنطن الاعتراف بأن كل المعارضة في سورية جزء لا يتجزأ من تنظيم جبهة النصرة الإرهابي بحسب وزارة الدفاع الروسية.
لكنه، يمكن القول إن الجانبين الروسي والأميركي لم ينفيا استمرار الاتصالات متعددة الأطراف بينهما. وتأكد بالاتصال الهاتفي المباشر بين الوزيرين لافروف وكيري بناء على طلب الأخير لبحث الأوضاع في سورية على الرغم من عدم استعادة الحياة للتفاهمات والاتفاق الموقع بينهما في التاسع من أيلول الماضي. وبخاصة ما يتعلق بفصل واشنطن من تصفهم بالمعارضة المعتدلة المسلحة عن التنظيمات الإرهابية الأخرى، ما يعني أن التوقعات بشأن السجال المتصاعد حدة بين الجانبين تكاد تصل إلى حدود سلبية قد تنزلق الأوضاع بموجبها في سورية والمنطقة إلى دائرة الخطر التي تبدو أميركا أكثر اقتراباً منها سواء بالأصالة أو عبر وكلائها الإرهابيين والأطراف الداعمة لهم ويستثمر بهم كالسعودية وقطر وتركيا والكيان الإسرائيلي حيث لكل حساباته الخاصة في سياق التحرك الأميركي الذي تتصاعد سخونته ضد سورية وروسيا.
ولعل مشروع القرار الفرنسي حول سورية إلى مجلس الأمن كشف عن جانب عميق للتحرك الأميركي المشبوه، متعدد الاتجاهات والأهداف. وطالبت موسكو بإدخال تعديلات من دونها فإنه لا يمكن أن يسهم بتسوية الأزمة في سورية. وكان الوزير لافروف في مؤتمر صحفي مع نظيره الفرنسي أكد أن ليس هناك بديل من وقف الأعمال القتالية في سورية وإيصال المساعدات ومحاربة الإرهاب. ما حدا بالمندوب الروسي في المنظمة الدولية تشوركين تقديم مشروع قرار إلى مجلس الأمن الدولي آخذاً بالحسبان مسألة تطوع المبعوث الدولي دي ميستورا لإخراج مسلحي جبهة النصرة من الأحياء الشرقية لمدينة حلب ولاسيما أن الجيش السوري يحقق تقدماً متلاحقاً لتحريرها تباعاً، كما أعلنت سورية وروسيا الحرص على توفير الحماية للمدنيين عبر ممرات آمنة وإيصال المساعدات الإنسانية إلى المناطق السورية بما فيها تلك التي تعاني حصار جبهة النصرة ومشتقاتها الإرهابية الأخرى.
كما نقلت أزفستيا عن مصدر عسكري روسي، أن وزارة الدفاع الروسية احتاطت لاحتمال انسحاب أميركا من المباحثات الروسية الأميركية حول سورية، ووضعت خططاً احتياطية مضادة للخطط الأميركية، وقد وصف وزير الخارجية الألماني فالتر شتانماير الصراع بين روسيا وأميركا بأنه آخذ بالتصعيد، وأن بقايا الثقة بينهما تبدو متداعية وقال إذا استمر الحال على ذلك، فسنعود إلى عصر المواجهة بين قوتين عظميين والوضع سيكون أخطر من أيام الحرب الباردة.
والسؤال: هل يمكن التعويل على متغيرات تخدم الأمن والاستقرار والسلام في العالم خلال فترة رئاسة روسيا لمجلس الأمن الدولي. بحيث يكون الحل السياسي للأزمة في سورية من دون شروط مسبقة ومحاربة الإرهاب على قاعدة دولية دون انتقائية أو تسييس هو مضمون العمل السياسي والدبلوماسي القادم بعيداً عن النفاق والابتزاز والتلويح بالقوة خدمة للإرهاب والأطماع والأجندات السياسية. وما التأثير اللاحق لعدد من المؤشرات؟ بينها:
1- حوار واشنطن مع موسكو ما زال مستمراً ولم يتوقف كما أعلنت الخارجية الأميركية.
2- لا بديل من محاربة الإرهاب والاتفاق الروسي الأميركي والتنسيق مع سورية لا يتكفل بالقضاء على الإرهاب فقط بل يفتح الطرق أمام الحل السياسي للأزمة في سورية.
3- إن القدرات العسكرية السورية أثبتت نجاعتها وفاعليتها في الميدان وزادت عليها منظومات صواريخ مضادة للأهداف الجوية ومتعددة المهام ما يجعل منها مفاجأة لأي طائرة مجهولة في سماء سورية.
منطقياً، فإن إدارة أوباما لا تتحمل سياسياً توريث حرب ساخنة تستمر تداعياتها لسنوات قادمة. فكان خيارها أن تمارس الدونية السياسية الفرنسية دورها كرأس حربة عبر مشروع قرار دعمته إسبانيا في مجلس الأمن، وقد حذّرت موسكو من مضامينه ومبتغاه فأسقطه الفيتو الروسي دفاعاً عن مبادئ القانون الدولي، قاطعة الطريق على أحلام سايكس بيكو جديدة بصياغة أميركية غير معلنة، تضع القرار الدولي 2254 في أدراج المنظمة الدولية.
ولعله بالاستنتاج فإن ما كشفت عنه مضامين السجالات الأميركية والبريطانية والفرنسية الحادة لتشويه وشيطنة مواقف سورية وروسيا، تشي بأن الرهان مستمر على الإرهاب مغلفاً بدموع التماسيح. ما يعني أن أميركا وحلف الحرب على سورية ليسوا في وارد التخلي عن خرافة «المعارضة المعتدلة» التي لا وجود لها.
لقد لفت الرئيس بشار الأسد في حديثه لقناة TV2 الدانماركية إلى أن المصالحات هي الخيار الأمثل وليس الحرب. مؤكداً أن الولايات المتحدة لا تملك إرادة التوصل إلى أي اتفاق بشأن سورية، ولذلك كنا نعرف مسبقاً أن اتفاقها مع روسيا لن ينجح.
وعليه لا شيء يمنع السوريين من الدفاع عن قرارهم الوطني باقتلاع الإرهاب وتحقيق الحل السياسي كما يريدون.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن