قضايا وآراء

الدبلوماسية البريطانية

| د. قحطان السيوفي 

من يتابع حديث وزير خارجية بريطانيا (بوريس جونسون) في مقابلة تلفزيونية عن الحرب في سورية؛ يشعر وكأنه أمام ممثل كوميدي مبتدئ في السياسة… وقد نشرت صحيفة الفايننشال تايمز بتاريخ 1/10/2016 موضوعاً بعنوان (وزير خارجية بريطانيا مهرج أكثر منه صانع سياسة).
لقد ردد جونسون بطريقة ببغائية وساذجة ما تروج له أجهزة إعلام دول إقليمية داعمة وممولة للتنظيمات الإرهابية الموجوة في سورية، يبدو أن رئيس الدبلوماسية البريطانية لديه مشكلات مع الأجانب.
الأوروبيون لم يغفروا كذبة حملة «الخروج» من الاتحاد الأوروبي. الكثير من المراقبين يتذكرون تلميحاته ذات الطابع العنصري، في إشارة إلى «الأطفال السود الصغار» و«ابتسامات البطيخ». يقول المراقبون (إن مثل هذه التصريحات تماثل، بشكل أو بآخر، العبارات الفجة التي صدرت عنه أثناء زيارته الأخيرة لتركيا بشأن المهاجرين الأتراك).
السياسة الخارجية عمل جاد، وهي أكثر من ذلك في عصر الجَيَشان العالمي والإرهاب. جونسون وزير خارجية بريطانيا يبدو مرتاحاً في دور مُهرّج البلاط أكثر من كونه صانع سياسة وقوراً. وهو يرغب في الاعتذار شخصياً لباراك أوباما، بسبب الحديث عن أصوله «شبه الكينية» عندما دعم الرئيس الأميركي المؤيدين لأوروبا خلال الاستفتاء على عضوية الاتحاد الأوروبي، ومثل هذه الإهانات لا تُنسى بسهولة من أول رئيس أميركي أسود يُفضّل الصورة العامة على التفاصيل المزعجة… نظيره الإيطالي، باولو جينتيلوني، تُرك في حيرة عندما اقترح جونسون صفقة كُبرى لفترة ما بعد خروج بريطانيا: إيطاليا ستدعم حرية الوصول إلى الاتحاد الأوروبي للصناعة المالية في لندن، وبريطانيا ستستمر في شُرب كثير من النبيذ الإيطالي الأبيض.
فرانك فالتر شتاينماير، وزير الخارجية الألماني الجاد، بالكاد يُمكنه البقاء في الغرفة نفسها مع جونسون… فولفجانج شويبله، وزير المالية الألماني، سخر من فهم وزير الخارجية البريطاني جونسون؛ الضحل للطريقة التي يعمل بها الاتحاد حين عرَضَ أن يرسل إليه اتفاقية لشبونة…».
لا شك أن وزارة الخارجية البريطانية وضعت دورات تدريبية مكثفة فيما يتعلق بعمل الدبلوماسيين… لكن وزير الخارجية جونسون لا يُساعد نفسه على التقيد بالأصول الدبلوماسية من خلال مخاطبة زملائه الوزراء بأسلوب بيرتي ووستر، الأنيق المزعج من صفحات المؤلف الإنجليزي الفكاهي بي جي وودهاوس. منذ بضعة أيام، جلس جونسون مع وزير الخارجية الروسي لافروف، وظهر جونسون أمام رئيس الدبلوماسية الروسية الرصين الجاد وكأنه مُهرج…. تحدّيات بريطانيا تتجاوز نواقص وزير خارجيتها. على مدى نصف قرن أو أكثر،
مكانها في العالم كان يعتمد على الركيزتين التوءم للعلاقة الحميمة مع الولايات المتحدة والمشاركة السياسية والاقتصادية الوثيقة في أوروبا.
الاستفتاء هز الأولى ونسف الثانية
رئيسة وزراء بريطانيا (ماي) شعرت بضعف دبلوماسية بلادها في قمة هانجتشو لقادة مجموعة العشرين. كرّر أوباما أن بريطانيا، خارج الاتحاد الأوروبي، كانت في الجزء الخلفي من قائمة الانتظار… عندما اجتمع القادة لأخذ صورة القمة الرسمية، مُضيفوها الصينيون نفوا ماي إلى زاوية بعيدة؛ (كما ذكرت الفيننشال تايمز)، على الرغم من أن رئيسة وزراء بريطانيا ماي سياسية جادّة، وهي تملك غرائز السياسة الخارجية الخاصة بها.. وهي حذرة أيضاً بشأن التدخل العسكري في الشرق الأوسط – ومهتمة بإيقاف الإرهابيين القريبين… لكنها تشارك بعض حكام دول الشرق الأوسط، الداعمين والممولين للإرهاب، في موقفها من الدولة السورية التي تحارب التنظيمات الإرهابية.
بريطانيا العظمى التي لم تكن الشمس تغيب عنها تراجعت إلى جزر شرق الأطلسي… دورها العالمي في انحسار… في وقت يواصل الجنيه الإسترليني هبوطه ليصل إلى أدنى مستوى له مقابل الدولار خلال 31 عاماً، في مؤشر على قلق المستثمرين بعد قرار خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي الذي من المتوقع أن يؤدي لخسارة بريطانيا 48 مليار دولار. الكومونويلث ودائرة النفوذ البريطانية هي الآن أدوات حنين إلى الماضي…. محاولة بريطانيا استعادة بعض نفوذها الضائع أشبه بمن يحاول البحث عن إبرة في كومة من القش… ولن تؤدي دبلوماسية وزير خارجيتها جونسون إلا إلى مزيد من الضياع والضعف في عالم غربي تتراجع هيمنته ويعاني من ظاهرة الإرهاب الذي سبق أن ساهم بدعمه.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن