من دفتر الوطن

حزب الاعتدال

عبد الفتاح العوض : 

 

لغة تفوح منها رائحة نتنة…
هذه اللغة الطائفية والمناطقية التي أصبحت جزءاً من عالم السوريين «الافتراضي» ثم من عالمهم الواقعي لغة لا أحد كان يقبل سماعها، ولا يستسيغ طعمها، ولا يلقي أذناً لها.
بدأت لغة خجولة، ومفردات معزولة لكنها الآن تعلن نفسها عارية حتى من ورقة توت!!
كنا نضيق بلوننا الواحد.. ثم ظهرت لنا ألوان كثيرة لون الدين والطائفة والمدينة والبلدة والحي وصار لكل منا ولي أمر وأمير وسيد، وكثير منا صار أسياده ليسوا من سورية… تفرقنا فذهبت ريحنا وفشلنا.
لست بحاجة للتفتيش عن الأسباب التي أوصلت السوريين إلى هذه الحالة.. أياً كانت الأسباب وهي كثيرة نستطيع أن نفسر لماذا حدث؟ ولماذا يحدث؟ لكنه لا يبرر على الإطلاق انتشار هذا الفيروس الطائفي الخطر.
وبالتالي لا فائدة من حديث عن الأسباب وإن كانت تأتي منسجمة مع تداعيات أنماط تفكير تعود إلى الماضي أكثر مما تتطلع للمستقبل.
وأنماط تفكير «قطيعي» لا يطمئن إلا إذا كان جزءاً من مجموعة يحتمي بظلالها ويقاتل تحت راياتها ويصيح بأعلى صوته:
وما أنا إلا من غزية إن غوت
غويت وإن ترشد غزية أرشد
ولا يبدو أن «غزايانا» راشدة أو تنوي أن ترشد فتحولنا إلى «غزاة ومغزوين».
لكن أين حزب الرشد والاعتدال والحكمة والعقل؟! أكثر ما يثير الاشمئزاز هذه الفترة وأنت تتابع شخصيات مثقفة تشارك في «الغزو الطائفي».
أسماء التقيناها على مدرجات الوطن تتحول إلى شيوخ قبائل تتحدث بحمية الجاهلية!!
هؤلاء الذين من المفترض أن يكونوا العقول الباردة والعاقلة أخذهم الحال وأصبحوا يزايدون على الحمقى بمزيد من الحماقة!!
لدينا من المصائب ما يكفينا ويكفي أجيالاً أخرى قادمة ونستطيع أن نوزع على الآخرين المصائب كهدايا مجانية ولسنا بحاجة إلى مصائب جديدة غير قابلة للتوقف عن التوالد لسنوات كثيرة، لهذا فإن أولئك الذين يشاركون باللغة المناطقية والطائفية والذين يوزعون على هؤلاء شهادات وطنية وأخرى دينية إنما عليهم أن يعلموا أنهم الجزء القذر من المصائب التي نمر بها.
وأن مشاركتهم بذلك ليست إلا إحداث ثقوب جديدة وكبيرة في سفينة تغرق بنا جميعاً!!
أما حزب الاعتدال الذي ما زال يحكمه العقل، ويرى حجم السواد الذي يلفنا عليه أن يتقدم خطوة إلى الأمام.
صوته في كل وقت مهم، لكنه الآن يصبح أكثر أهمية وأكثر ضرورة.
حزب الاعتدال لا يكتفي بعدم المشاركة بحفلة الطائفية بل أيضاً يمنع اكتمالها وصخبها وينبه مرتاديها!!
أضعف الإيمان في إطفاء نار الطائفية أن نقدم اللغة البديلة منها.. لغتنا الأصلية التي تضم مفردات المحبة والتسامح والوطنية وكل الأشياء الجميلة التي تخفف بشاعة أحوالنا!!
الرعاع فقط الذين ينزلقون إلى الحضيض الطائفي والمناطقي.. ومن المخجل أن تتحول بعض النخب إلى هذا النوع السيئ.
كنت من المؤمنين وما أزال بأن مجتمعنا السوري أطيب وأفضل وأعمق من مسؤوليه ومثقفيه!!.

أقوال:
ثروات القلب لا يمكن أن تسرق.
ليس كل سقوط نهاية، فسقوط المطر أجمل بداية.
كن أنت الراعي إذا واجهت قطيعاً من الماشية.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن