اقتصاد

قضية للنقاش – أيها الاقتصاديون: كيف نشجع الصادرات؟ … إدارة ملف الصادرات السورية: مقاربة الحكومة للملف التصديري من منظور كلي

يشكل التصدير واحدة من أهم حلقات النشاط الاقتصادي التي يعوَّل عليها لتصحيح خلل الميزان التجاري ولإعادة تدوير العجلة الإنتاجية في ظل التشوه الكبير الذي أصاب بنية السوق السورية بسبب الأزمة- الحرب.
تحرص الحكومة على التعاطي مع ملف التصدير كحلقة في سلسلة النشاط الاقتصادي وتحرص كل الحرص على ربطه مع سلسلة الإنتاج من جهة، ومع حاجة السوق المحلية من جهة ثانية، بحيث يتم تصريف الفائض وتحقيق مصلحة المنتجين، من دون حدوث انقطاع في سلاسل خلق القيمة. فعلى سبيل المثال، من مصلحة المزارعين المنتجين لزيت الزيتون أن يتم تصدير هذا المُنتَج بهدف رفع سعره وزيادة إيرادات المزارعين. لكن بالمقابل، سيؤدي تصدير زيت الزيتون إلى رفع سعر المنتَج في السوق المحلية إلى مستويات سترهق كاهل المستهلك السوري في ظل مفرزات الأزمة- الحرب وما رافقها من انخفاض في القوة الشرائية، وفي الدخول الحقيقية لأغلب الأسر السورية.

التعامل مع عقبات التصدير

تقسم العقبات التي تواجه التصدير إلى نوعين من العقبات: عقبات من الداخل ذات طبيعة مؤسساتية وتنسيقية وإدارية ولوجستية، وعقبات ذات طبيعة خارجية أي تقع خارج حدود الجمهورية العربية السورية، وتتعلق بشكل خاص بالأسواق الخارجية ومدى قابليتها لأن تستقبل المنتجات التصديرية السورية. فالعقوبات الاقتصادية أحادية الجانب كان لها أثر سلبي كبير في تراجع مساحة الأسواق المحتملة، كما كان للإرهاب أثر بالغ أيضاً في تعطيل أهم القنوات التصديرية ولاسيما إلى السوق العراقية التي كانت المستهلك الأبرز لمنتج الحمضيات السورية. نشير هنا في عجالة إلى الجهود الكبيرة التي تبذلها وزارة الصناعة لوضع مشروع إقامة معمل للعصائر في الساحل السوري موضع التنفيذ، ما سيسهم جزئياً في تسويق موسم الحمضيات.
من العقبات التي تواجه الصادرات السورية أيضاً الطبيعة الإدارية لأسواق أهم شركاء التعاون الدولي، كالسوق الروسية على سبيل المثال. فبالإضافة إلى المسافة البعيدة نسبياً للوصول إلى السوق الروسية عن طريق النقل البحري وإلى التكلفة المرتفعة نسبيا لوسيلة النقل هذه، فإن الولوج إلى السوق الروسية يعاني مشكلة رئيسة تتمثل في أنها جزء من سوق الاتحاد الاقتصادي الأوراسي (الذي يضم كلاً من روسيا، وبيلاروسيا، وكازاخستان، وأرمينيا وقرغيزستان)، وإن أي تفضيلات أو مزايا خاصة للمنتجات السورية يجب أن تمنح في إطار القواعد الناظمة لعمل هذه السوق.

ملف التصدير… بين المصدرين والحكومة

في الأحوال العادية، كان اتحاد المصدرين الذراع التنفيذية الأكثر حضوراً في سوق التصدير السورية (من دون الحديث عن الصادرات من الصناعات الاستخراجية والمنتجات ذات الصبغة العامة) في فترة ما قبل الأزمة. بالطبع غيرت الأزمة الكثير من قواعد اللعبة، فانخفضت حوافز القطاع الخاص للاستمرار في الجهود التصديرية. في مثل هذه الظروف، وانطلاقا من التعامل المسؤول مع نتائج تغير هذا القطاع ومنعكساته على حجم التصدير، فقد أولت الحكومة السورية اهتماماً خاصاً لدعم هذا القطاع، حيث ورد في البيان الحكومي: «… والاستمرار بدعم نشاط القطاع الخاص التجاري باتجاه الخارج، ولاسيّما في مجال التصدير، بإزالة العقبات التي تعترضه، ومساعدته على إقامة علاقات مباشرة مع المستوردين من الدول الأخرى، والترويج لمنتجاته، وعقد الاتفاقيات التجاريّة والاقتصادية لتحقيق زيادة في حجم الصادرات». وفي الناحية العملية، قامت الحكومة، ببذل جهد ملموس لتنسيق جهود الشركاء الوطنيين، من القطاعين العام والخاص، لاتخاذ الخطوات والإجراءات اللازمة لتجاوز مفرزات الأزمة وتهيئة السبيل أمام القطاع الخاص لممارسة دوره الطبيعي بشكل أكثر سهولة ويسراً. نذكر هنا أنواع الدعم والتسهيلات المالية والجمركية، والإدارية، والدبلوماسية، وتلك الخاصة بالنقل وغيرها من الملفات التي تعاملت معها الحكومة السورية بكل مرونة ومسؤولية.

التصدير على محور الزمن

على المدى القصير سيتم تبني الاستراتيجية السابقة القائمة على قاعدة «تصدير ما يُنتَج» مما يفيض عن حاجة السوق المحلية. تعتبر سياسة «تصدير ما ينتج» سياسة بسيطة وتقليدية ولا تؤسس لبناء قطاع تصديري تنافسي ومميز على المدى الطويل. أما على المديين المتوسط والطويل، فمن المخطط له أن يتم بناء وتصميم منظومة تصديرية أكثر تطوراً تقوم على مبدأ «إنتاج ما يُصدَّر»، أي بعد إجراءات الدراسات اللازمة التي توضح ما نمتلك فيه من مزايا نسبية وتنافسية تؤهلنا لدخول الأسواق الخارجية بربحية وبجدوى اقتصادية.

12121

المطلوب الآن التوجه إلى السوق، لحصر المنتجات التصديرية المتاحة واتخاذ الخطوات العملية لتصريفها في الأسواق الخارجية. يجب قبل كل شيء تحديد المنسق الوطني المسؤول عن متابعة هذه الملف لضمان حسن متابعته، ومراجعة النتائج بشكل مستمر عبر مصفوفة تنفيذية تتضمن برمجة مادية وزمنية، إذ هناك الكثير من المؤشرات على أن الخلل الأكبر إنما يكمن في الحلقات التنفيذية التي لا تعمل بمنطق إستراتيجي بل بمنطق تجاري ضيق.
د. قيس خضر – رئيس المجلس الاستشاري في رئاسة مجلس الوزراء

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن