قضايا وآراء

الدور الروسي في البعد الآخر

| مازن بلال 

حشود روسية تتجه نحو شواطئ شرقي المتوسط؛ في وقت يبدو هذا «التكثيف العسكري» ظاهرة تثير قلقاً حاداً، فالمسألة لا ترتبط بمعركتي حلب والموصل؛ بقدر كونها رسم التوازن الإقليمي من جديد، فما هو موجود على الأرض أو في السماء يبدو كافياً لإدارة المعركة، لكن المسألة تبدو أكثر تعقيداً عن قراءة ميزان التحالفات في السماء السورية، وربما حالة «الفرط» في القوة التي يتم استخدامها ضد تشكيلات إرهابية «مخنوفة» سياسياً، فلا القاعدة ولا النصرة (فتح شام) تشكل مشروعاً بديلاً داخل الشرق الأوسط، فهي فقط جبهات عسكرية تمنع التصادم الدولي المباشر، وهي أيضاً حلولٌ جاهزة لتشكيل صراعات تحقق توازنات دولية مختلفة.
عملياً فإن موسكو تقوم بعمل عسكري «فريد» من نوعه على المسرح السوري، فعلى هذه الجغرافية يرتكز مفهوم «القوة» التي يمكن أن يؤسس المسار القادم للكرملين كشريك في النظام الدولي، على حين تبدو واشنطن معنية أكثر برسم خطوط التماس الجديدة في المنطقة، وطرد داعش من العراق مهمة معقدة على المستوى السياسي؛ لأنها تخلق معادلة جديدة على المستوى الإقليمي، وهذه المعادلة لا تبدو مختلفة عن «فكرة» داعش لأنها تحمل أمرين:
-الأول: عودة المشروع الأميركي للعراق من أجل التوازن الإستراتيجي مع الحضور الروسي «العميق» في سورية، وهذا يعني أن بغداد ستشهد أيضاً توزعاً سياسياً يتلاءم مع الرغبة الأميركية، فداعش ومحاربتها شكلت نقطة ارتكاز لصياغة مشهد عراقي جديد، وفي الوقت نفسه «جبهة» سياسية وعسكرية يقع على جانبيها التحالفات الكبرى القائمة حالياً.
بالتأكيد فإن الولايات المتحدة لم تغب عن العراق، لكنها كانت موجودة في التفاصيل التي خلفتها بعد أن رسمت شكل الدولة، ويبدو أن هذا «الرسم المفخخ» لم ينتج داعش فقط بل أنهى أي إمكانية لانطلاقة «الشرق الأوسط» بشكل مختلف بعد أن انهارت توازناته عقب الاحتلال الأميركي للعراق، والدور الروسي اليوم هو جزء من عملية سد الفراغ التي خلفتها الإستراتيجية الأميركية، فالنموذج العراقي أنتج تحالفات قلقة وسياسات مؤسسة لصراعات لا تنتمي لمرحلة «الدولة الحديثة».
– الثاني: إعادة ترتيب قوة الدول الإقليمية المرتبطة بالإستراتيجية الأميركية، فالمسألة ليست محاصرة إيران بل خلق كتلة على مستوى الشرق الأوسط تستند إليها الجبهة الأميركية في مواجهة التمركز الروسي الساعي لخلق هامش «أوراسي» لمشروعه الجديد.
تتمركز داعش على شريط يمكن أن يصبح «منطقة» تفصل القوى ولو بشكل مؤقت بين سورية والعراق، وهذا السيناريو يتشكل تلقائياً مع عدم قدرة الدول العظمى على ضبط التوازن الدولي، وربما عدم الاعتراف بأن العالم يتشكل بأسرع مما نتصور، فالدور الروسي من الناحية المبدئية هو ليس فقط حشوداً عسكرية بل أيضاً تفكير سياسي بالتوازنات الممكنة، وربما نشهد لاحقاً استعراضاً للقوة مع قدوم رئيس أميركي جديد، ولكن الأهم هنا أن الأدوار الدولية تغير بشكل سريع التفكير السياسي على ضفتي الأطلسي، وتجعل الصراعات في الشرق الأوسط، وفي سورية تحديداً، تحديات حقيقية لتقديم تصورات حول نوع التحالفات وشكل النزاعات التي يمكن أن تنشأ على هامش الأزمة السورية، وعلى الأخص «الدور الإسرائيلي» الذي أصبح محشوراً في تأمين مستلزمات حدوده وسط صراعات متنامية.
الدور الروسي من زاوية مختلفة يظهر في رسم معادلة توازن في مرحلة صراعات دقيقة، فالاشتباك الدولي يجب أن يبقى دون الحد النووي، وعند هذه النقطة ستتشكل الأزمات كخطوط تماس بين واشنطن وموسكو، فالشرق الأوسط لم يعد منطقة تفاهمات كما حدث في الحرب الباردة، بل جغرافية ساخنة تمتص احتمالات المواجهات الكبرى.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن