قضايا وآراء

صمود سورية التاريخي يُؤتي أُكُله

| رفعت البدوي 

على الرغم من انخفاض حدة التوتر والتهديدات المتبادلة بين أميركا وروسيا إلا أن أسرار اجتماع لوزان الأخير لا تزال تظهر تباعاً وذلك على حساب دماء أبناء المنطقة العربية التي باتت تباع بأبخس الأثمان على الموائد الدولية.
انكشاف الوجه الحقيقي لأميركا الداعم للتنظيمات الإرهابية في حلب والموصل إضافة إلى سعيها الدؤوب في تقسيم الجغرافيا على أسس جديدة يستند إلى فصل الأعراق والإثنيات والطوائف والمذاهب وضرب مركزية الدولة في أي بلد عربي قوي الهدف منه إطالة النزيف العربي ولمنع تشكل قوى مناهضة تهدد إسرائيل ومصالحها.
أميركا جيّشت الإعلام العالمي ورؤساء ووزراء دول عربية وغربية ومندوبي دول في مجلس الأمن، إضافة لمحاولات حثيثة تهدف إلى فرض عقوبات اقتصادية قاسية على كل من سورية وروسيا هذا إذا ما استثنينا الضجيج الإعلامي وتصوير ما يجري في حلب بمأساة العصر وبالمجزرة.
كل تلك الوسائل استُعملت ولم تزل حتى الساعة من أجل وقف تقدم الجيش العربي السوري لمنعه من استكمال تحرير العاصمة الثانية لسورية؛ أي حلب الشهباء.
أميركا غضت الطرف عن الاعتداء التركي السافر على السيادة السورية بدخول قوات تركية إلى الشمال السوري مع استمرار دعم أميركي واضح للأكراد أعداء الحليف التركي وفي الوقت نفسه نشهد وصول وزير الدفاع الأميركي آشتون كارتر إلى بغداد بهدف الضغط على العراق بإعطاء دور تركي في عملية تحرير الموصل الجارية على الأرض العراقية على الرغم من التصريحات الأردوغانية المستفزة الداعية إلى عدم الاعتراف باتفاقية لوزان 1923 والقاضية بإنهاء حكم السلطنة العثمانية على بلاد الشام والحجاز واليونان.
زيارات آشتون كارتر المكوكية بين بغداد وأربيل، إضافة للضغط الأميركي بإعطاء تركيا دوراً في عملية تحرير الموصل هدفه إطالة الحرب في الموصل للوصول إلى تحقيق تفتيت العراق تسهيلاً لتقاسمه أو فدرلته بأحسن الأحوال.
ألم يصرح آشتون كارتر بأن عملية تحرير الموصل وضرب الإرهاب ستكون طويلة ومعقدة؟
فشل اجتماع حيدر العبادي مع آشتون كارتر وخروجه غاضباً دليل على تصميم عراقي واضح في رفض إعطاء أي دور لتركيا على حساب وحدة العراق.
ترافق ذلك الموقف العراقي مع إعلان صدر عن قيادة الجيش السوري مفاده أن أي تدخل لأي قوة تركية في سورية سيتم التعامل معها كقوة احتلال.
صمود سورية الأسطوري في وجه المؤامرة الكونية أدى إلى تشكيل وعي عربي حقيقي بدأ يؤتي أُكُله خصوصاً مع انكشاف الدور الأميركي المتحالف مع تركيا وبعض الدول العربية ولا سيما الخليجية منها الهادف إلى رسم خرائط جديدة للمنطقة ونهب ثرواتها.
فزيارة رئيس الأمن القومي في سوريه اللواء علي المملوك إلى جمهورية مصر العربية كانت سبقتها زيارات عدة قبل ذلك لكنها المرة الأولى التي يُعلن عنها رسمياً في وسائل الإعلام وتعطى طابعاً أمنياً وسياسياً ما يعني أن التنسيق بين البلدين مصر وسورية قد قطع شوطاً بعيداً نحو الإيجابية والتعاون العربي المشترك.
الرئيس المصري قال من منبر الجمعية العامة للأمم المتحدة كلاماً لافتاً وإيجابياً بخصوص سورية دعا فيه إلى الحفاظ على وحدة سورية أرضاً وجيشاً واحترام إرادة الشعب السوري في تقرير ما يشاء لمستقبل سورية.
وزير خارجية مصر سامح شكري كرر الموقف نفسه في اجتماع لوزان الأخير مضيفاً: إن مصر لن تكون شريكاً في تفتيت أو قلب الحكم في أي بلد عربي وإن سورية ومصر تواجهان الإرهاب نفسه.
تصويت مصر لمصلحة المشروع الروسي في الأمم المتحدة أغضب المملكة العربية السعودية لأن الأخيرة صوتت لمصلحة المشروع الفرنسي المشبوه ما حذا بالسعودية لإبلاغ مصر بقطع الإمدادات النفطية من خلال كتاب رسمي موجه من شركة أرامكو السعودية بهدف زيادة الضغط السعودي على مصر.
فور ورود خبر قطع السعودية إمداد مصر بالمواد النفطية إلى مسامع الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة حتى أعطى أوامره الفورية بتحويل سفن جزائرية ثلاثة كانت في عرض البحر متجهة نحو موانئ أوروبية لإفراغ حمولتها النفطية بتغيير مسارها لتتخذ مساراً جديداً نحو مصر وإفراغ حمولتها النفطية في موانئ جمهورية مصر العربية.
لا غلو في القول إن صمود سورية التاريخي يبقى الأساس والمسبب الرئيسي في تشكيل خريطة جديدة من الوعي العربي ينحو باتجاه التنسيق الأمني والسياسي المشترك لمواجهة ما يرسم لمنطقتنا العربية.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن