ثقافة وفن

القيمة ونقيضها…

| د. اسكندر لوقا 

من الحقائق في الحياة التي لا يستطيع أحد أن يرفضها تماماً، أن ليس ثمة ركود فيها، ففي كل لحظة تمرّ يحدث تبدّل ما، وليس شرطاً أن يكون ذلك بالاتجاه الأفضل دائماً، بيد أنه سيترك حتماً أثرا ما في المكان الذي يحدث فيه التبدّل سلباً أم إيجاباً.
ومن الحقائق النسبية أن التبدّل كثيراً ما يصيب ظواهر الأشياء لا بواطنها، لأن هذه الأخيرة من الثوابت في الحياة، كما الحق والفضيلة والصواب والجمال وسوى ذلك، ومن هنا يتأتى الخطر عندما تصاب مثل هذه القيم بـ«فيروس» التآكل في عقل الإنسان ونفسه.
وإذا حدث ذلك يستساغ عندئذ التساؤل فيما أعتقد: ماذا يحدث عندما يرى أحدنا، في الزمن الراهن تحديداً، أن الحق صار باطلاً، والشر صار فضيلة، والخطأ صار صواباً، والقبح صار جمالاً، وإلى غير ذلك من مفاهيم وقيم تعارف الناس على أهميتها في سياق العلاقات الإنسانية- الإنسانية؟
في مثل هذه الحالة، في حالة إصابة المفاهيم والقيم العليا، بمرض التآكل، ترى هل يحق لنا القول بأن المفاهيم والقيم النبيلة صارت تتبدل أو تبدّلت حقاً، في الزمن الراهن، كما الأزياء تتبدل حسب تبدّل المواسم وأذواق التجار؟ إذا حق لنا ذلك ترى ماذا نسمي هذا التبدّل الذي يعيشه مجتمعنا في هذه الأيام، حيث ثمة من فرح لمشهد طفل وهو يذبح، ولمشهد رقصة من المسلحين على جثث جنود ضحوا بدمائهم دفاعاً عن وطنهم؟ ولمشهد بائع يخدع الشاري بقسم أن بضاعته سليمة ثم يظهر عند تجربتها أنها فاسدة أو فقدت فاعليتها، إلى غير هذه الحالات التي لم تكن معروفة في مجتمعنا في سنوات ما قبل الحادي عشر من آذار؟.
إن ثبات القيم العليا في أي مجتمع من المجتمعات، هو دليل احتفاظها بأخلاقها التي نشأت عليها، ولا علاقة لذلك بالغنى أو الفقر، بالسلام أو بالحرب، وبأي سبب كان، لأن المبدأ في الحياة أن تكون ثمة مفاهيم وقيم لا تخضع لما يلحق بمجتمعها من تبدّل بسبب ظروف طارئة كما هو حال مجتمعنا في الزمن الراهن.
يقول الكاتب الأميركي الساخر مارك توين (1835- 1956): حذار أن تصر على القول بأن اللون الأسود أبيض كالثلج أو العكس، لأنك ستفقد حينئذ قدرتك على رؤية الحقيقة حولك مهما حاولت.
كما هو الحال في أيامنا هذه، حيث فقد الكثيرون قدرتهم على التمييز بين الأبيض والأسود كما هو حالهم عند عدم قدرتهم على التمييز بين القيمة ونقيضها.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن