«وعد بلفور» حياة وطن تبدلت … بلفور وضرورة المذاكرة الدائمة وعدم النسيان

| سارة سلامة

«يسعدني كثيراً أن أنهي إليكم نيابة عن حكومة جلالة الملك التصريح التالي تعاطفاً مع أماني اليهود الصهيونيين التي قدموها ووافق عليها مجلس الوزراء:
إن حكومة جلالة الملك تنظر بعين العطف إلى إنشاء وطن قومي للشعب اليهودي في فلسطين، وسوف تبذل ما في وسعها لتيسير تحقيق هذا الهدف.
وليكن مفهوماً بجلاء أنه لن يتم شيء من شأنه الإخلال بالحقوق المدنية والدينية للجماعات غير اليهودية المقيمة في فلسطين أو بالحقوق والأوضاع القانونية التي يتمتع بها اليهود في أي دولة أخرى.
إني أكون مديناً لكم بالعرفان لو قمتم بإبلاغ هذا التصريح إلى الاتحاد الصهيوني».

هذا هو نص الوعد المشؤوم «وعد بلفور» الذي بسببه وقع الكثير من المآسي والأحداث والذي تسبّب بتغيرات على المستوى الإقليمي والدولي، هذه التغيرات كانت بمجملها ديمغرافية وجغرافية والتي أدت إلى ما يسمى التغريبة الفلسطينية، والسبب المباشر في كل معاناة الشعب الفلسطيني.
الدكتور جورج جبور يضع بين أيدينا كتاباً بعنوان «وعد بلفور» تضمن ملامح أولية لبرنامج عمل عن الوعد المشؤوم ومطالبة بريطانيا بالاعتذار عنه لما أوقعه بالشعب الفلسطيني من مظالم بمناسبة العقد العاشر لصدوره عام 2007 -2017.
كما لم يترك الدكتور جبور مناسبة إلا وندد وبعث برسائل إلى الأمين العام للأمم المتحدة والجامعة العربية مستنكراً أعمال وممارسات الصهاينة وشارحاً مخاطر هذا الوعد، ويعتبر جبور من المدافعين والمتحدثين دوماً عن حقوق الشعب الفلسطيني والمنددين والمذكرين بجريمة وعد بلفور.

إهداء
افتتح الكتاب برسالة وإهداء موجهين إلى السيد الرئيس بشار الأسد وإلى إخوانه ملوك الدول العربية ورؤسائها وأمرائها وشيوخها.
أرفع إليكم هذه الصفحات آملاً أن يصدر عنكم يوم 2/11 من كل عام بيان للتاريخ، مختصر مفيد فحواه أن: «وعد بلفور لم يكن منصفاً».

الكتاب وفحواه
جاء الكتاب من ثلاثة أجزاء وكل جزء احتوى عدة فصول، استعرض في الجزء الأول كما ظهر في طبعته الثانية خريف 2007، في سبعة فصول، وجاء تقديم الطبعة الثانية بقلم السيد عمرو موسى الأمين العام لجامعة الدول العربية.
عمل جبور بشتى الطرق لإيصال الرسالة التي يؤمن بها وذلك من خلال توجيه رسائل إلى الأشخاص المعنيين بالقضية والواجب عليهم اتخاذ قرار، منهم الأمين العام للأمم المتحدة ورئيس الجامعة العربية وإلى مؤتمر الأحزاب العربية ورئاسة مجلس الوزراء وغيرهم.. تضمن متابعات رسائل ثلاث ووثائق ثلاث.
وكان الهدف الذي يسعى له جبور هو ضرورة تكثيف الجهود في يوم 2/11/2007 للقيام بعمل مشهود عربياً ودولياً يوضح بكشف حساب موضوعي عمق المآسي التي ولدّها الوعد المشؤوم ويناقش ما هذا العمل المشهود؟
وتوسع جبور بالحديث عن الوعد وعن بداية الحلم الصهيوني وسعي الصهاينة الحثيث للحصول على تعهد من إحدى الدول الكبرى بإقامة وطن قومي لليهود، مبيناً كيف انتظر الصهاينة حتى اجتمعت ظروف دولية ملائمة لهم، وذلك باندلاع الحرب العالمية الأولى وتحولها إلى سجال مرير مرهق جعل كل الدول المتحاربة تتشبث بأي شيء للخروج منتصرة من الصراع. وكانت بريطانيا من أوليات الدول التي التفتت في النصف الأول من القرن التاسع عشر إلى فكرة تهجير اليهود إلى فلسطين.
وبعد تبلور الفكرة في ذهن الحكومة البريطانية بدأ إعداد مسودة الوثيقة في حزيران عام 1917.
وعد بلفور الجديد

يعود سبب إطلاق تعبير «وعد بلفور الجديد» إلى رسالة وجهها في 14/4/2004 الرئيس جورج بوش إلى رئيس وزراء «إسرائيل» أرييل شارون، إلى حقيقة أن الإدارة الأميركية صرحت ولأول مرة بأن من الضروري أخذ «الواقع الميداني الجديد» أي المستوطنات في الضفة الغربية بعين الاعتبار لدى رسم الحدود الآمنة والمعترف بها والتي يتم التوصل إليها.
وقد أصاب إعلان بوش هذا القيادة الفلسطينية بالذهول والصدمة وخاصةً بعد إعلان الرئيس ياسر عرفات أن تعهدات كهذه تعني دفن خريطة الطريق، وقال إن صفقة بوش وشارون هي عمل غير مشروع.
أما الجزء الثاني من الكتاب فقد ضمّ إضافات الطبعة الثالثة التي تميزت بأربع عشرة إضافة جديدة.

جدوى الأدوية
وقد وثّق الدكتور جبور ما قام به تجاه القضية الفلسطينية وذلك منذ وقت مبكر عندما كان طالباً.
رسالة من طالب سوري اسمه جورج جبور إلى داغ همرشلد الأمين العام للأمم المتحدة، في العام 1956 نشرت صحيفة الحضارة التي تصدر في دمشق مقالة على شكل رسالة موجهة من طالب سوري شاب وهو جورج جبور، عبرَّ فيها عن حرقة قلب الشبان العرب من أوضاعهم وحمّل مسؤولية ما آلت إليه أمور المنطقة وخصوصاً في فلسطين على الأمم المتحدة وهذا جزء مما جاء في نص الرسالة:
أيها الأمين العام عندما تنزل من الطائرة وترسم على وجهك طيف ابتسامة، اعذرنا إذا لم نرسم على وجوهنا أمثال ذلك الطيف.
لأننا استقبلنا منذ زمن سلفك، ورسمنا على وجوهنا أطياف الابتسام، ونشرنا في عيوننا ملامح الهناء وأكرمناه واحتفينا به وعلقنا على صدره أوسمة التقدير، ولكن قناعه انكشف وإذا بنا نرى وجهه الحقيقي، وإذا به وجه صهيوني لئيم، ولا يزال أيها الأمين في حلقنا من مأساة الأمل شجى وفي حناجرنا غصة… فاعذرنا… اعذرنا إذا لحظت منا البرودة والفتور.
وعندما تركب الطائر الميمون لا بأس أن تنسى جراحاتنا وأحزاننا، لأننا لم نعد نؤمن بجدوى الأدوية إذا لم تكن من صنع أيدينا!

كشف حساب
طالب جبور من خلال هذه الرسالة في حقه بامتلاك قاعة بمبنى الأمم المتحدة يوم 2/11/2007 لعقد ندوة بعنوان: كشف حساب موضوعي لتسعين عاماً من وعد بلفور.
السيد الأمين العام للأمم المتحدة المحترم:
أتساءل أمامكم ونحن نقترب من يوم الأمم المتحدة ومن ذكرى وعد بلفور: ألا تشعرون بأن عليكم واجباً محدداً، بحكم منصبكم، إزاء مآسي الشعب الفلسطيني، ألا تشعرون بأن المناسبتين القادمتين تهيبان بكم إلى العمل من أجل إحقاق ما ينبغي أن يتمتع به كل فلسطيني من حقوقه كإنسان، وما ينبغي أن يتمتع به الشعب الفلسطيني من حقوقه كشعب من شعوب هذا العالم؟
وعد بلفور، أيها السيد الأمين العام، هو بالمختصر المفيد، إبادة هولوكوستية معلنة لا تقبل الاجتهاد لشعب فلسطين. وما يزال التنفيذ مستمراً. ألا ترى إلى مليون ونصف المليون من هذا الشعب، في قطاع غزة المحتل، تهددهم قوة الاحتلال، تحت سمعكم وبصركم، بأن تقطع عنهم إمدادات الغذاء والماء والكهرباء؟
أما الجزء الثالث والأخير فقد تضمن الطبعة الرابعة وإضافات الطبعة الخامسة.
إن كتاب وعد بلفور للدكتور جبور تأتي أهميته من مثابرة الكاتب على متابعة قضية الهاجس مذ كان طالباً إلى اليوم، وهو بذلك يمثل معاناة الإنسان العربي في كل مكان، ولكن فضل الكاتب يتمثل في أنه لم يهدأ ساعة عن هذه القضية وأعطاها عمره، وها هو في كل مرة يعيد وينشر ويضيف لإيمانه بأن الوعد المشؤوم ذكرى يجب ألا تمر من دون إشارات وتنديد وحديث معمق، لتبقى الذكرى حاضرة في أذهان أولي الأمر، والأكثر أهمية أن تبقى حاضرة في أذهان أجيال الشباب من أمتنا، وعندها تنتقل القضية من جيل إلى جيل.