قضايا وآراء

القطبية الأحادية.. وداعاً

| مازن جبور 

يتجه العالم بقيادة روسيا نحو نظام عالمي جديد يعيد أمجاد التعددية القطبية، وإن مثل الحراك العسكري الروسي في سورية بعد أوكرانيا وجورجيا عجّل من عودتها العسكرية إلى الساحة الدولية إلا أن روسيا اليوم تثبت ركائز هذه العودة وتفتح آفاقها وتوسع دائرتها على المستوى العسكري والسياسي والاقتصادي كماً ونوعاً.
منذ انتهاء الحرب الباردة في بداية التسعينيات من القرن الماضي، سيطرت الولايات المتحدة الأميركية وحلفاؤها على المشهد العالمي، من خلال سيطرتهم على معظم المنظمات والمؤسسات العالمية وفي مقدمتها الأمم المتحدة، ومجلس الأمن، إضافة إلى التحكم في الاقتصاد العالمي.
أميركا وحلفاؤها استغلوا هذه المنظومة العالمية لخدمة مصالحهم، من خلال لي أذرع دول العالم، وخصوصاً الدول العربية، عن طريق منظمات حقوق الإنسان ومزاعم الديمقراطية والحرية والحرب على الإرهاب، لترفق مؤخراً مسلسلها بحلقة جديدة عنوانها «الربيع العربي».
الأحادية القطبية، بدأت تتغير، وبزغت اقتصادات عالمية جديدة، بدأت تؤثر في الاقتصاد العالمي، منها «لجنة آسيان الاقتصادية» من خلال تعاون 10 دول آسيوية لتدشين سوق مشتركة للمنتجات والخدمات والعمال، والتي ستكون أكبر سوق مشتركة في العالم.
المهم في هذا الشأن أن الاقتصاد الذي سيمتلكه هذا التكتل سوف يتفوق على السوق الأوروبية المشتركة، فضلاً عن سوق الولايات المتحدة الأميركية، إضافة إلى ما تشكله مجموعة «بريكس» من نفوذ اقتصادي عالمي بدأ يرسم ملامحه السياسية الخاصة مع روسيا بوتين.
في العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين مهد الصمود السوري الطريق مجدداً لعملية التحول نحو القطبية المتعددة، مع سعي روسيا من خلال سورية لبروزها كقطب دولي وعززت موقفها في الشرق الأوسط عموماً مع نشرها لمنظومتي الدفاع الجوي «إس 300» و«إس 400» بما تمثلانه من بعد عسكري إستراتيجي سيترك أثره في التحركات العسكرية من مصر إلى تركيا، وسعي موسكو لاستئجار قاعدة عسكرية بحرية من مصر، يضاف إلى ذلك الحضور الكبير للقوات البحرية الروسية قبالة سواحل الشرق الأوسط.
سياسياً، مثل المشروع الممتد من إيران إلى أذربيجان فروسيا، محوراً موازياً ومكملاً لمحور روسيا الأوسطي، ليتبعه ترؤسها في هذا التشابك الدولي لمجلس الأمن الدولي في دورته الحالية، وبدئه مرحلة جديدة من العمل بقيادة روسية أسقطت الهيمنة الأميركية عليه.
في هذا السياق وتأكيداً للتحالفات الجديدة داخل المجلس، أعلنت مصر أنها وإسبانيا ونيوزيلاندا ستقدم مشروع قرار إلى المجلس حول الأزمة في سورية، يأتي ذلك بعد أن صوتت مصر لمصلحة مشروع قرار روسي في المجلس بشأن الأزمة السورية يدعو إلى الاسترشاد بالاتفاق الروسي الأميركي لإيصال المساعدات الإنسانية، ويحث الأطراف على وقف الأعمال القتالية فوراً ويشدد على التحقق من فصل ما تسمى «المعارضة المعتدلة» عن «جبهة فتح الشام» (النصرة سابقاً) كأولوية رئيسية.
وفي إطار التحول الدولي نحو روسيا، فشلت جميع محاولات الدول الغربية وفي مقدمتها فرنسا في الالتفاف على قيادة مالي، التي آثرت الحفاظ على علاقات طيبة مع روسيا والعمل على تطويرها، وأعرب مدير مكتب وزارة الدفاع وشؤون العسكريين في جمهورية مالي الجنرال ديمبيلي آداما، على هامش فعاليات منتدى «آرميا – 2016» العسكري الذي انطلقت أعماله في ضواحي العاصمة الروسية موسكو الثلاثاء، عن رغبة بلاده في إبرام عقود أسلحة جديدة مع روسيا، والتنسيق معها في محاربة الإرهاب.
إن الواقع العالمي السياسي والاقتصادي والعسكري الحالي يظهر أن عالماً جديداً غير أحادي القطبية في طور الإنشاء والتشكل. أبرز ملامحه قطب روسي جديد، وما استمرار الحرب في سورية، إلا أحد أشكال التحول نحو هذا العالم.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن