ثقافة وفن

وردة الشاشة تعلن عن سنوات عمرها بأريحية ولا تخشى من التقدم بها … علا باشا لـ«الوطن»: الثقة التي كنت أراها في عيون أمي وهي تنظر إليّ جعلت مني إنساناً قوية لم يكن التمثيل في بالي.. لأنّ التمثيل لا يشبه بيتنا ولا عائلتنا ولا حتى مدينتنا.. فليس بيننا من ممثل

| سوسن صيداوي – تصوير: طارق السعدوني

في المحيّا.. الطفولة واضحة، تطلّ على الحاضرين بابتسامة فيها طيبة وبساطة وخجل أنثوي ساحر ليس للسنين جرأة بالتلاعب فيه، علا باشا أو وردة الشاشة، كما أطلق عليها من لقب، طاقتها ومرحها البادي، إضافة إلى ثقتها والتزامها بإيمان تحلم فيه منذ الصغر، عناصر بمجموعها شكلّت منها مفتاحاً انتقته بعناية كي تفتح به باب طريق اختارته الأقدار كي يكون طريق حياة، تسير به متدّرجة للوصول إلى ما تحلم به. «الوطن» التقت الفنانة.. وإليكم الحوار:

أنت من مواليد 1986.. ليس لديك أي مشكلة بالتصريح عن عمرك؟
هذا أمر عادي.. وبرأيي العمر لا يمكن إخفاؤه فهو يبدو واضحاً من العيون، كما أن العمر وتعدد السنين هو أمر جميل، فكلما زاد العمر زادت الخبرة ويصبح للإنسان نضوج وثقل.

ولكنك لُقبتِ بـ«وردة الشاشة»، ألا تخافين أن يُؤثر التصريح بعمرك الحقيقي في عملك كممثلة؟
أبداً.. لأنّ الإنسان عندما يعيش بروحه فعمره لا يكون مادياً، وأحياناً نصادف الكثير من الأشخاص وهم بأعمار كبيرة ربما بالثمانين أو أكثر، ولكن نجدهم عندما نلقاهم كأنهم من أعمارنا أو جيلنا أو ربما أصغر، فالطفل في داخلهم ما زال حاضراً، والأمر يحتمل العكس فهناك أشخاص على الرغم من أن أعمارهم صغيرة وبالعشرين مثلا، إلا أننا نجدهم وكأنّهم في عمر مئة عام، والأمر واضح بوجوههم وعيونهم وبروحهم المثقلة التي لا تحب الحياة، إذاً بالنسبة لي العمر ثانوي ولا يعنيني.

ألا تخافين من التقدم في العمر؟
بشكل عام لا أخاف، ولكن في مراحل يكون الجسد حاكماً لنا، وأنا أعتبر أن الجسد هو عائق للفنان، وعند الكثيرين هناك تضارب بين الروح والجسد، لهذا نجد من الفنانين الكثيرين الذين يقومون بتصغير عمرهم لأن جسدهم يقف عائقاً، لذلك علينا دائماً أن نطوّع جسدنا ونجعل روحنا متفقة معه، ضمن عوامل مساعدة كالرياضة والأكل الصحي والابتعاد عن التدخين والكثير من العادات التي تسيء إلى الجسد وبالنتيجة تنعكس على الروح.

على ذكر العادات… بعد انتهاء الموسم الرمضاني خضعتِ لبرنامج غذائي صارم… ما الهدف؟
ضروري أن نتّبع كل ما هو صحي، قدر الإمكان، وأنا لست مع ترك نفسي إلى وقت أجد فيه صعوبة أو أحتاج إلى جهد ووقت كبيرين كي أصل إلى النتيجة الصحيّة والمطلوبة، فالعادات الصحية والنوم الكافي والأكل الصحي هي وسائل تمّكن الجسد من الحصول على المرونة والصحة المطلوبة، في النهاية الجسد أداة للممثل، وأنا اليوم أتبّع هذا الأسلوب وأحاول أن أجعل جسدي جميلاً وصحيحاً كي أستفيد منه بالطريقة المُثلى في حياتي الطبيعية والفنية من خلال كسب أدوار متنوعة.

لنتكلم عن طفولتك وعن البيت الذي تربيتِ فيه.. بماذا تصفينه؟
بيتنا عنوانه: البساطة والطيبة.

كم أخاً وأختاً أنتم؟
نحن ثلاث صبايا وشابان، وأنا كنت الصغيرة والمدللة التي كلمتها كما نقول «لا تصبح اثنتين»، وكان لي كم كبير من الحب وكم كبير من الثقة التي حمّلتني فيما بعد هماً ومسؤولية كبيرة، فمثلا كنت أسير في الشارع وأرى عيون أمي الواثقة بي، في الوقت الذي كنت أرى فيه الأمهات تمسك بأيدي أطفالها، بينما أنا كنت معتمدة على نفسي داخل البيت وخارجه، والثقة التي كنت أراها في عيون أمي وهي تنظر إليّ هي من جعلت مني قوية، فعدم خوفها عليّ زرع في داخلي شعوراً بأنني أنا أيضاً لن أخاف على نفسي وقوتي الحقيقية هي من ثقة أمي رغم محبتها الكبيرة لي.

من هنا كان تشجيع الأهل بأن تساهمي في المسرح المدرسي؟
قبل هذه المرحلة.. أنا مؤمنة حقيقة بالقدر وبطريقي في الحياة فلا شيء في الحياة يكون مصادفة ولكن نحن البشر نسمي ما يحصل لنا «صدفة»، ولكنها خط حياة مرسوم لنا ونحن علينا أن نعيشه، والله يساعدنا كي نمشي فيه بشكل جيد ما دام لدينا الإيمان والإرادة الواثقة بأن هذا الطريق هو طريقنا، ومن سلسلة المصادفات أو القدريّات التي مرّت في حياتي، هي التي أوصلتني إلى ما أنا عليه الآن وما سأكون عليه غداً، ومن بينها أنني كنت طفلة مشاغبة جداً ولديّ كم كبير من الطاقة، وعندما كنت في سن الخامسة أو أقل، القدر أحضر إلى بيتنا آنسة الجمباز التي ستدرب التلاميذ في المدرسة المجاورة لمنزلنا، وكانت أتت المدرّسة «ملك» إلينا كي تستخدم الهاتف، وطبعا كنت كعادتي أقفز وألهو في المنزل، ومن الطاقة التي أتمتع بها شتّت انتباهها، فقالت لأمي ابنتك لديها طاقة كبيرة فلماذا لا تسجلينها في دروس الجمباز معنا في المدرسة، وعندما سمعت حديثها، قررت على الفور أن أذهب إلى المدرسة.. وبالفعل ذهبنا أنا وهي وأمي، وحضرت التمارين الأولى ومن حماستي قفزت مباشرة، الأمر الذي أثار استغراب المدرّسة بسبب الليونة التي أتمتع بها، وهذه كانت بداية تعلّقي في المكان الذي كان مشابهاً لخشبة المسرح، وهكذا بقيت إلى الصف السادس الابتدائي وكنت أحوز البطولات والميداليات والتكريمات، ولكن انقطعت لأن الظروف لم تساعدني على الاستمرار، وبقيت أصارع الظرف وأبحث عما يستهويني إلى صف العاشر، وعندما ذهبت إلى المركز الثقافي كي أستعير الكتب وأقرأ، وإذ بفرقة مسرحية اسمها «صدى» كانت تقدم عروضاً في وقت كان فيه الأهالي لا يفضلون أن تمثّل بناتهم، بعكس أهلي الذين لم يعارضوا الفكرة بشرط أن أتابع دراستي بشكل جيد، ومن هنا بدأت أقرأ عن المسرح وأعمل مع الفرقة، وهنا بدأت أجدّ نفسي من جديد بعد أن ابتعدت منذ الصف السادس الابتدائي، فبدأت العمل في المسرح إلى أن حصلت على شهادة البكالوريا، هنا في هذه المرحلة لم أرض عن مجموعي، لأنني كنت أحلم بأن أدرس الآثار والمتاحف أو الإعلام لأن في الأولى تنقيباً عن الآثار وفيها سفراً وتنقلات وفي الثانية تيمناً بشخصية «ساندي بل» الكرتونية، بعدها توجهت لدراسة الإعلام ولكن أصدقائي قالوا لي بأن أقدّم على المعهد العالي، في هذه الفترة لم يكن التمثيل ضمن مخططاتي حتى إنني ذهبت للامتحان ولم أخبر أهلي وأقنعني أصدقائي بأن أقدّم على الدراسات المسرحية.. ولم يكن التمثيل في بالي لأن التمثيل لا يشبه بيتنا ولا عائلتنا ولا حتى مدينتنا.. فليس بيننا من ممثل، فقدّمت على الدراسات المسرحية وللمصادفات كان هناك مدرس شاهدني بمسرحية وأخبرني بأن أقدّم وأسجل اسمي وتم قبولي في الدراسات المسرحية، وبالوقت نفسه في السنة الثانية في الإعلام، وعندما قُبلت فيهما قالوا عليّ الاختيار، هنا كان الأمر المهم بالنسبة لي أن يتم قبولي في الدراسات المسرحية رغم أنني لا أريد الاستمرار، فقط لأثبت لنفسي أنني جديرة بالقبول، طبعا اسمي كان أول اسم في النتائج الأولى وهنا شعرت بأن مكاني في المعهد، فأخبرت أهلي، وطبعا والدتي كانت إلى جانبي، بعدها وافق أبي بشرط أن أتابع دراستي وبالفعل تخرّجت خلال أربع سنوات كما وتخرّجت في الإعلام، وبدأت أجد خط حياتي في التمثيل.

أنت من المتفوقين في المعهد العالي.. هل يكفي التفوق الأكاديمي لصناعة نجم؟
التفوق لا يكفي فما هو نظري وأكاديمي قد يختلف عما هو عملي أو واقعي، فمثلا هناك الكثيرون يكونون على معرفة قوية بالمدراس المسرحية والتمثيلية ويعرفون تماماً كيفية القيام بالدور، ولكن للأسف عندما يمثلّون قد يخونهم حسّهم أو جسدهم أو الظرف الحياتي، يمنعه من تأدية المشهد بشكل صحيح، إذاً التفوق هو عنصر معزز ومقو وداعم للثقة ولكن ليس هو بشرط أساسي لصناعة نجم.

إذاً ما الصفات التي يجب أن يتمتع بها الممثل كي يصبح نجماً؟
أنا أرى الكاريزما هي أهم شيء في الممثل، فقوة الحضور وقوة الجذب للمشاهدين والجمهور، هي عناصر ضرورية للنجومية، إضافة إلى الحظ والفرص التي تأتي كعوامل مساعدة ولكن ليست أساسية.
باعتبارك ذكرت الفرص والحظ.. السّاحة الفنية وللأسف وكما هو معروف، هي مملوءة بالأشواك للحصول على النجومية والأضواء.. علا باشا ما أدواتها للحصول على الأدوار؟
أنا أحترم خيارات الجميع وأسلوبهم في الحياة فلكل شخص بصمته الخاصة في حياته وطريقه الخاص الذي يسلكه، ولكن بالنسبة لي من أيام المعهد أفضل أن أطوّر نفسي، مع الشكر والحمد الدائم لما أنا عليه، إضافة إلى وجود الكثير من الأشخاص المعنيين في الساحة الفنية الذين يشاهدون الأمور بشكل جيد ويقومون بها بالشكل الصحيح، وهم موجودون وأتمنى أن يكونوا كُثراً دائماً لأنهم يختارون بمهنية.
هل عُرض عليك دور ولكن قامت ممثلة ما بأخذه منك؟
أنا لا أدخل بتفاصيل كهذه، لأنه عندما يُرسل إليّ دور ومن ثم يذهب إلى غيري، لا أبحث في الأسباب، لأنه لو خير لي لما ذهب لغيري.

إلى هذه الدرجة أنت متسامحة ومتفقة مع نفسك؟
تعلّمت هذا الأمر، في البداية كنت أشعر بالضيق والحزن الشديدين، ولكنني فكرت بأنني لو بحثت عن الأسباب فسأشعر بالكره وبالحزن وبالكثير من الأمور السلبية التي ستعيقني عن التقدّم، وفي النهاية أنا في غِنى عنها.

كأنك شخص يتابع ويقرأ في كتب الطاقة؟
أنا لا أقرأ كتب الطاقة، بل أعيشها بطريقة تتكيّف معي وتناسبني في مساعدتي في البحث عن طاقتي وخياراتي الصحيحة في الحياة.

أيهما أهم لك أن تظهري بعدة أدوار في الموسم الدرامي أم الاكتفاء بعمل واحد؟
جميل أن أطل على الجمهور بعدة أدوار، ولكن إذا عُرض عليّ دور واحد وكان الدور مهماً، فأنا أكتفي به إذا كان ضمن الشروط التي تهمني، ومع هذا الدور أستغني عن الباقي ما دام أنه بحاجة إلى الكثير من الجهد والتركيز والوقت وسيقدّمني بطريقة جديدة ومميزة.

ما جديدك في هذه المرحلة؟
أنا بانتظار افتتاح فيلم «ليليت السورية» ومن المتوقع أن يكون افتتاحه هذا الشهر، والفيلم من إنتاج المؤسسة العامة للسينما، سيناريو وإخراج غسان شميط، وهو مأخوذ عن رواية تحمل الاسم نفسه للكاتبة جهينة العوام، ومن تمثيل علا باشا وعبد الرحمن أبو القاسم ووضاح حلوم ولينا حوارنة وفيلدا سمور وكثيرين، ويتحدث الفيلم عن النسيج الوطني السوري، ضمن أحداث تجري في مطعم شعبي، يضم عدداً من الشخصيات السورية التي تخلق فيما بينها الكثير من التفاهم والمودة رغم التباينات الشكلية.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن