قضايا وآراء

سورية… مؤتمرات وتصعيد

| مازن بلال 

لم يكن تزامنا انعقاد الاجتماع في موسكو مع التصعيد على جبهة حلب، فمسألة التوقيت على ما يبدو تم إسقاطها من حسابات الصراع على المنطقة، فحتى موعد الانتخابات الأميركية لم يؤثر في طبيعة الاشتباك الحاد بين موسكو وواشنطن، ولقاء وزراء خارجية روسيا وسورية وإيران ينقل مساحة الأزمة التي يعتمد عليها الجميع لهندسة أدوارهم المستقبلية، ورغم أن المواقف المعلنة في اللقاء لا تختلف كثيراً عما هو معروف سابقا لكن «الاجتماع» بذاته يوضح القلق الإقليمي والدولي، ويقدم مشهداً عن احتمالات التصعيد على مستوى الجبهات كلها.
في لقاء موسكو إطار أساسي للقوى الموجودة في الشرق الأوسط التي تواجه كل احتمالات الحرب، فهي ليست محورا أو حتى تحالفا بقدر كونها «اتجاها» دوليا لمواجهة سيناريوهات خطرة في المنطقة، فوزراء الخارجية المجتمعون في موسكو يضعون «الإرهاب» كجبهة وذلك بغض النظر عن الدول المنخرطة في الحرب، ويبدو أن هذا الأمر مؤشر لأمرين:
– تحديد الإرهاب كعامل رئيس في إحداث تحولات على المستوى الجيوستراتيجي الدولي، سواء تم استخدامه من البعض أم انخرط الآخرون في محاربته، لكنه في النهاية سيفرز معسكرين أساسيين؛ فهو الذي يشكل عملياً الأزمات القادمة ونوعية الصراع الذي سيشكل إدارة العالم أو النظام الدولي الجديد.
في الحرب الحالية الدائرة بين الموصل وحلب تحالفات مختلطة لا تحوي هوية واضحة، فهناك تداخل في غايات الحرب وفي الرؤية إليها تفرضها طبيعة المخاطر، لكن قدرة كل طرف، حتى داخل التحالف الواحد، على التعامل مع هذه الحرب سيشكل عملياً خريطة الأدوار الإقليمية والدولية.
– المؤشر الثاني هو في آلية عمل الطرف الأكثر تضرراً من الإرهاب، ففي اجتماع موسكو يمكن النظر إلى عامل دولي تمثله روسيا، وآخر «فوق إقليمي» مثلته إيران بدورها المختلط من شرق آسيا باتجاه المتوسط، على حين كانت سورية حاضرة بكل هموم شرق المتوسط والحروب المشتعلة فيه.
هذه الهيكلية ربما تبدو ضرورية لقراءة بنية المنظومة القادمة، وهو ما يجعل المرحلة مختلفة عن الفترات الدولية منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية، ففي الصراع اليوم شراكة لا يحددها قطب (روسيا) بل بناء لأدوار مرنة بين جميع الأطراف، ومن المبكر التنبؤ بتكوين خاص لكننا أمام صيغة تنسيق تحمل بوادر لتعاون مختلف تماما عن السابق، ففي الحرب الباردة كان هناك معسكران ومجموعة من الحلفاء الهامشيين، واتسمت الصراعات بالثبات في طبيعة الأدوار التي حددتها مقاييس القوة النووية داخل حلفي الناتو ووارسو، على حين تأخذ الهيكلية الجديدة إمكانية استمرار عدم التوازن، أو ربما يكون هذا الخلل سمة عامة للمرحلة الدولية الجديدة، وهذا ما يجعل الطرف «الأضعف» يحمل مهام نوعية، ففي سورية لا يمكن التعويل فقط على قدرتها في احتمال الحرب، بل أيضاً في تحويلها لمسارات الصراع بين الأطراف، وعلى الأخص في قدرتها على كسر التوازنات ليس على مستوى الجبهات فقط، بل في رسم نموذج سياسي قادر على امتصاص التصعيد أيضاً.
في موسكو ظهرت صورة تتجاوز النشاط الدبلوماسي، في بداية غير معلنة لأشكال التحالفات القادمة، وهي أيضاً مشهد للتفكير الروسي في التعامل مع المواجهة الحادة في الولايات المتحدة؛ مواجهة يُترك فيها للحلفاء مسار خاص عليهم التعامل معه بجدية كافية من أجل الحفاظ على الاستقرار إقليمياً ودولياً.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن