اقتصاد

اقتصاد «حانا ومانا»!

| علي هاشم

يمكن للأمور دائماً أن تكون أسوأ، ومن يعتقد بأن الاقتصاد الوطني في حضيضه، فعليه مراجعة حساباته قياسا لما يشهده من أفكار «تطويرية»، ليتيقّن من أن أموره قد تسوء أكثر!
خلال شهر، أنفقت الحكومة جل وقتها لصياغة إستراتيجية داعمة للتصدير، ورغم الأرضية الحالمة التي تتزحلق على صفحتها الملساء أخيلتها عن فوائض سلعية، فالمشكلة ليست هنا، بل في إدراك «بعضها» لعمق المستنقع، أو عدائه المغلف بالقوانين، للتصدير ذاته.
في غمرة النصر بوضع «مصفوفته» التصديرية، انبرى وزير الاقتصاد خلال الاجتماع الاقتصادي الأخير لاستعراض ومضته الأسطورية: «لا يجب ترك المصدرين يعملون على هواهم»، معلنا عن حلّ «بسيط جداً» قوامه إنشاء شركة لمراقبة جودة صادراتهم «بشهاداتها»، وإلزامهم بعقود واضحة ومفصلة مع مستورديها!
ورغم نجاحه بالتملص من مسؤوليته المباشرة بتفكيك عقبة المدفوعات التي «تحتاج شطارة» وفق رأيه، فقد خذلته شطارته في تبيّن مخاطر تعريض الصادرات لمزيد من الكلفة ولسلطة الفساد عبر «الجودة»، وتقييدها بـ«عقود مع المستوردين» قد تطيح برغبتهم في استجرارها خوفا من العقوبات.
جرى ذلك، قبل أن يزيدنا حكومي آخر من الطنبور نغماً، معلنا عن إمكانية صدور مؤلفه الجديد «دليل التصدير» المخصص لمزيد من معوقات التصدير؟!
من لا يعرف طبيعة العمل الحكومي، قد يفاجأ بانتهاء ماراتون «دعم المصدرين» إلى خلاصة متخمة بالمقترحات الجديدة لتقييدهم و«ضبط هواهم»، لكن المفارقة الصعبة تجلت بتزامن الأمر مع تكرار «رئيس مجلس الزيتون» انتقاداته حول الصبّار الذي يمضغه قطاع التصدير جراء نفي «المصدّرين إلى واديهم» وبقاء الحكومة في واديها، وتمييزها السلبي للمصدرين عن المستوردين، بإبقائهم على لائحة «مؤونتها المالية» وإخضاعهم لرسوم جمركية وغرامات «دون وجه حق».. كل ذلك كان قبل إضافتها الجديدة إلى قصيدتها «حفل إعدام التصدير»، بالجودة وغيرها.
على وقع «ولولة» المصدرين، وصيحات الثأر منهم، ذهب مدير الجمارك للمطالبة بمزيد من التسهيلات للمستوردين «وقفا لتهريب الكماليات» عبر خفض الرسوم الجمركية، مستخلصا وصفته الخاصة لقهر التصدير بالقبض على عنق السلع قبل ولادتها المحتملة، وتعريض القائم منها للموت التلقائي جراء اختلال تنافسيتها.
ورغم تأكيد رئيس مجلس الوزراء أن إجازات توريد الكماليات لم تعد تحظى بالرعاية المنفلتة منذ آب الماضي، إلا حضورها الطاغي في أسواقنا، يثير التساؤل عن الجهة التي تكافح التهريب، وقبله، عن الناموس الرقابي الذي يحول السلعة المهربة إلى نظامية بقوة القانون بعد التصالح عليها.. أو شبه نظامية، ساعة وصولها إلى رفوف المتاجر.
ليست الصورة مظلمة في كليتها، فزيادة عن وضوح النية بدعم التصدير، شهدت جلسة الأحد الماضي، وبتحريض من رئيس مجلس الوزراء، عودة جزئية للجدية التي افتقدناها في حاكم المصرف المركزي منذ جلوسه إلى كرسيه، بعدما ذهب مباشرة إلى ضرورة فصل ملف مكافحة التهريب عن قضية الرسوم الجمركية، ووضع حد لانتحارنا النقدي بنصل استهلاك الكماليات، مطالبا بإجراءات «فورية حاسمة» لوقفه، والأهم، اتخاذ «قرارات حكومية ترتقي إلى مستوى الأزمة».
ليس من السهل على اقتصادنا الوطني الاستمرار بمضغ الأحلام الآيلة لليقظة خلال جلسات «العصف الفكري» في مسائيات الأحد الاقتصادي، فمع تفرغه التام للاصطدام اليومي بالعقوبات الخارجية والاستخفاف الداخلي بتلك الهاوية التي تنظر إليه بكلتا عينيها، تتعاظم حاجتنا لـ«إدارة اقتصادية» لا زالت مستترة، وإلا.. فبالفعل سنصل إلى الأسوأ.

 

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن