قضايا وآراء

لعبة تدوير الإرهاب.. خطأ سياسي أم إستراتيجي…!؟

| عبد السلام حجاب 

تبدو الأجواء الساخنة إقليمياً ودولياً التي تخيم فوق سورية والمنطقة عامة، خلال ساعات إدارة الرئيس أوباما المتبقية مشحونة باحتمالات سياسية وعسكرية غير منضبطة، تتيح قراءة لا تشي بانفراج نظراً للتداخل المبرمج بين التكتيك والإستراتيجية بالمنظور الأميركي. حيث تشق لعبة تدوير الإرهاب ونفاياه طريقاً خطر العواقب والتداعيات، تتخطى الخطأ السياسي إلى الاستراتيجية الثابتة. والهامش غير المنظور بينهما زلة لسان في تصريح أو إجراء ميداني غير محسوب في توقيت الانتظار يفتح الأبواب إلى الهاوية.
ويمكن القول إنه لا شيء في السياسة الخارجية للإدارة الأميركية يخرج حالياً عن إطار حملة السعي لتجميع نقاط لمصلحة المرشحة الديمقراطية كلينتون لانتخابات الرئاسة الأميركية في 8 تشرين الثاني المقبل، وما جرى من تداول لخلافات بالتوجهات بين البيت الأبيض والخارجية والبنتاغون الأميركي، اتضح أنه ستارة في اللعبة الديمقراطية أخفت وراءها إسناد المهمة للمخابرات الأميركية لممارسة أدوار افتراضية من خارج السياق لخدمة طرفين رئيسيين هما الكيان الإسرائيلي والإرهاب الذي لابد من تدوير أسمائه والشركات المنتجة والمصدّرة له للاستثمار فيه لاحقاً في سورية والعراق ومناطق أخرى أبعد من الإقليم لا تستثني روسيا وإيران والصين، ما حدا بالكرملين الإعلان بأن لا خطط لدى الرئيس بوتين للاتصال مع الرئيس الأميركي أوباما ولا يتعارض بالسياسة مع الاتصال الهاتفي بين الوزير لافروف ونظيره الأمريكي كيري لبحث تسوية الأزمة في سورية، وتأكيد الكرملين أن الرئيس بوتين سيتخذ كل القرارات الاستراتيجية حول سير العملية ضد الإرهاب في سورية.
من دون شك، فإنه لا يمكن في بازار الانتخابات الرئاسية الأميركية، الأخذ تماماً بما يطلقه المرشحان الديمقراطي والجمهوري عبر حملات السجال الحادة والمنفلتة. لكنه من غير الممكن عدم الاكتراث بتلك المواقف أو تجاهل قراءة تأثيراتها المحتملة وتداعياتها الافتراضية بسبب أنها لم تخرج عن سياق إستراتيجي لمشاريع أميركية صهيونية أشارت إليها سوزان رايس مندوبة أميركا السابقة في مجلس الأمن، إذ أعلنت حينئذ أن لدى بلادها طرقاً أخرى من خارج مجلس الأمن لتنفيذ مشاريعها وذلك في رد مباشر على الفيتو الروسي الصيني المزدوج ضد مشروع قرار أميركي غربي إقليمي يهدف إلى الانقضاض على سورية ودولتها الوطنية المستقلة. ولعل الوزير الأميركي كيري يرسخ تلك السياسة عبر مواصلة محاولات تدوير الإرهاب في معركة حلب الحاسمة بقوله: «حتى لو سيطر الجيش السوري على حلب فلن تنتهي الحرب» الأمر الذي يفسر بصورة لا لبس فيها عدم الالتزام بفصل من تسميهم واشنطن «معارضة معتدلة» عن تنظيمي النصرة وداعش الإرهابيين والتنظيمات الإرهابية الأخرى كأحد أهم نقاط الاتفاق الروسي الأميركي في التاسع من أيلول الماضي في جنيف.
والملاحظ أن الاستنتاج الأكثر واقعية هو أن مسألة تدوير الإرهاب واعتماده منهجاً وأداة ليست مسألة خطأ سياسي سبق الوقوع في حفرته أكثر من مرة. بقدر ما يعكس استراتيجية في المشروع الأميركي الإسرائيلي في الحرب على سورية وتواصل العمل بها مباشرة أو بتوزيع للأدوار على أطراف تحالفها الدولي المشبوه شكلاً ومضموناً مثل فرنسا وبريطانيا وكذلك الكيان الإسرائيلي عبر التنسيق السري والعلني مع نظام أردوغان الإخواني وحكم بني سعود الوهابي ومشيخة قطر. وتكشف المعطيات أنه يتمظهر بعدة إجراءات وخطوات من بينها:
1- تأكيد أميركي ميداني على القفز فوق مبادئ ومواثيق القانون الدولي. وقد أعرب الرئيس أوباما عن تقديره لانتهاك أردوغان الأراضي والبلدات في شمال سورية بذريعة محاربة الإرهاب.
2- بطلب أميركي تعهدت الحكومة البريطانية بتدريب من تصفهم واشنطن «معارضة معتدلة» وتزويدهم بالسلاح لممارسة دورهم الإرهابي ضد السوريين وجيشهم الوطني، والعين الأميركية على الرقة بذريعة محاربة داعش. وأعلن وزير الدفاع البريطاني فالون أنه جرى فحصهم استخبارياً وأمنياً.
3- تجاهل مقصود من واشنطن لحقيقة أن المجموعات الإرهابية التي تقوم أنقرة بتغطيتها لوجستياً وبدباباتها وجنودها ميدانياً لا تنفصل في تكوينها العقائدي والميداني عن تنظيم جبهة النصرة الإرهابي.
4- الإعداد الأميركي الميداني لفرض حظر للطيران فوق مناطق سورية محددة. حذّر من مخاطره المحتملة مدير المخابرات الأميركية كلايبر بسبب شبكة الدفاع الصاروخية الروسية المنتشرة في الأراضي السورية، وأي انزلاق قد يؤدي إلى نتائج تفوق الحسابات الافتراضية.
5- تعطيل الاتفاق الروسي الأميركي ولاسيما ما يتعلق بوقف الأعمال القتالية في سورية الذي أقره مجلس الأمن الدولي بالقرار 2268 أو فصل معارضة واشنطن عن التنظيمات الإرهابية وإفشال هدنة حلب التي التزم بها الجيش السوري وروسيا وأبطلت مفعولها الانتهاكات المتواصلة للتنظيمات الإرهابية بحيث منعت المواطنين المدنيين والمرضى وغير الإرهابيين من الخروج عبر الممرات الإنسانية إلى خارج الأحياء الشرقية باتجاه المناطق الآمنة واستخدامهم كدروع بشرية.
6- سعي أميركي متعدد الأشكال لاستنزاف خصومها المباشرين في الميدان السوري مثل روسيا وإيران والصين وغير المباشرين من دول بريكس ومنظمة شنغهاي من خلال لعبة تدوير الإرهاب وسياسة المعايير المزدوجة ما جعل دولاً من «ناتو» تنظر بريبة إلى خطط واشنطن غير متحمسة لتكرار فشل سياسي وميداني ما تزال آثاره عالقة في الواقع والأذهان. وقد اعتبر وزير الدفاع التشيكي بيتربافل، في اجتماع دول ناتو لوزراء الدفاع «إن الناتو والولايات المتحدة وبعد تجربتهما في العراق وليبيا غير متحمسين للقيام بأي عملية في سورية»، ولاسيما أن موسكو أكدت أنها منفتحة للتعاون مع شركائها بمن فيهم واشنطن بجميع جوانب تسوية الأزمة في سورية على أساس المساواة واحترام الالتزامات.
لا جدال بأن بوصلة الواقعية السياسية للأحداث تشير إلى نقطتين رئيسيتين على خريطة لعبة تدوير الإرهاب الأميركية.
أ- استعادة الزخم لسياسة «دعهم يقتلوا بعضهم» لتقليل حجم الآثار السلبية التي أصابت سمعتها ووزنها السياسي والعسكري الدولي، ودفع رهاناتها إلى أقصى مدى ممكن سواء على أطراف حلفها أو على التنظيمات الإرهابية المعتمدة. وما أطلق عليه تسمية «ملحمة حلب الكبرى» مثالاً تزامن مع إلقاء أنقرة بثقلها العسكري في شمال سورية لدعم تنظيمات إرهابية لتنفيذ أطماع عثمانية قديمة.
ب- ثبات سياسي وعسكري تواصل سورية وروسيا التمسك به وتعزيزه إلى جانب الحلفاء والأصدقاء حتى القضاء على الإرهاب واستعادة مسار العملية السياسية لحل الأزمة السورية وفقاً للقرار الدولي 2254 لحوار سوري سوري بقيادة سورية ومن دون شروط مسبقة أو تدخل خارجي. وهي المبادئ التي أكدها الاجتماع الثلاثي في موسكو لوزارء خارجية سورية وروسيا وإيران، ولقد جاء التحذير السوري الروسي للطائرات الحربية التركية إشارة مهمة لم تتأخر أنقرة في فهم تداعياتها، سبقه تحذير قوي لقواتها على الأرض.
لا شك بأن أميركا لا تمتلك الإرادة السياسية في محاربة الإرهاب من دون انتقائية، لكن السوريين مصممون جيشاً وشعباً بقيادة الرئيس بشار الأسد على دحر الإرهاب وتحقيق الانتصار.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن