ثقافة وفن

مهرجان القاهرة الدولي للمسرح المعاصر والتجريبي عودة قوية تضمن له الاستمرار .. غياب سوري عن المهرجان! هل تكون عودة مهرجان القاهرة حافزاً لعودة مهرجان دمشق؟

| د. ميسون علي

رغم كل التحديات التي واجهته، وفي ظل التهميش المنهجي للثقافة والمسرح كأحد مكوّناتها، أقيم مهرجان القاهرة الدولي للمسرح المعاصر والتجريبي من (20-30) أيلول 2016، وكان المهرجان عندما بدأ عام 1988، مغامرة جريئة، وفعلاً من أفعال التجريب، في بلد تغلب على ثقافته عناصر المحافظة، وقد استطاع هذا المهرجان عبر 22 دورة أن يُرسي التجريب في المسرح كبحث ثقافي جمالي، وهو يعود اليوم بعد توقف خمس سنوات بوصفه ضرورة في ظل الأحداث الجارية إثر ثورة يناير 2010.

فهو بحسب المخرج عصام السيد مُنسّق عام المهرجان «ليس مطلباً مسرحياً فقط، بل إن الظروف الدولية التي تحيط بمصر تجعل عقده ضرورة، إنه رسالة للعالم أجمع بأن ما يُكتب أو يُشاع عن مصر غير صحيح، وإن مصر تذخر بمبدعين يقدمون فناً يرقى إلى مصاف العالمية»، بين متحمسين لعودة المهرجان، ومطالبين بتوسيع رقعته ليضم كل التيارات المسرحية، ومُطالبين بإلغائه، بالهجوم على التجريب ومهرجانه (التيار الأصولي) استطاع المهرجان أن ينطلق رغم كل الصعوبات، وفي لمسة وفاء أشار الدكتور سامح مهران رئيس المهرجان في كلمته في حفل الافتتاح إلى «آباء التجريبي» ودعوة د. فوزي فهمي للتكريم، باعتباره مؤسس مهرجان المسرح التجريبي ورئيساً له، لكنه اعتذر كعادته منذ الستينيات بسبب موقفه من التكريم والجوائز. والجديد هذا العام هو إضافة سمة المعاصر إلى اسم المهرجان، كحل توافقي يشمل مخاطبة العالم بمصطلح المعاصر من جهة، والمحافظة على اسم المهرجان من جهة أخرى، وعدم اعتبار هذه الدورة هي الأولى، بل التواصل والبناء على ما سبق، ولتكون هذه الدورة هي 23 تعبيراً عن عدم الانقطاع مع المهرجان وتراكمه الدولي، وكان حفل الافتتاح الذي حضره وزير الثقافة حلمي النمنم، قد كرّم عدة مبدعين، هم المخرجة تورانج يحيازاريان (أميركا)، والمخرج تور إنج (الصبن) والبروفسور فيمي اوشوفيسان (نيجيريا) ومحمد الأفخم رئيس الهيئة الدولية للمسرح ITI (الإمارات) والفنان جميل راتب (مصر) وشهد عرض الافتتاح تقديم العرض الصيني Thunder Storm(عاصفة رعدية) للمخضرم تساو يو، إخراج: تشين داليان، بمناسبة الاحتفال بالعام الثقافي المصري- الصيني 2016، وقد مزج العرض بين تقنيات المسرح الغربي والمسرح الصيني الكلاسيكي، ضمن سينوغرافيا مُتقشفة لعبت فيها الإضاءة دوراً كبيراً.

عروض من دون مسابقة وجوائز

انطلق المهرجان بمشاركة 36 دولة و17 عرضاً عالمياً و13 عرضاً مصرياً، فيما غابت المغرب والأردن وسورية وليبيا والجزائر، ليقتصر حضورها على المشاركة في الندوات الفكرية، وكان اختيار العروض من قبل لجان المشاهدة قد جاء وفق معايير فنية وليست سياسية أو تمثيل لكل الدول، والابتعاد عن المُحاصصة السياسية، ليتم التركيز على النوعية، وليس التمثيل الرسمي. والجديد هذا العام هو إلغاء المسابقة والجوائز، ليبقى التنافس (بحسب إدارة المهرجان) فقط في الدفع بروح الرؤى الجديدة للخروج من تقليدية المسرح. وإتاحة المجال للاحتفال بالفن فقط، ولأن التسابق يقوم على محددات مسبقة، وهو ما يتعارض مع مفهوم التجريب، وقد تنوعت العروض من حيث المضامين والأشكال، ليغدو التجريب والمعاصرة السمة الأساسية فيها، منها ما أعاد إحياء الكلاسيكيات، إذ تم تقديم شكسبير برؤية معاصرة، ومنها ما أعطى الأولوية للتعبير بالحركة والجسد مستفيداً من مايرهولد وكريغ و، ومنها ما هدم النص على طريقة أنطونان آرتو، ومنها ما بُني من خلال ورشة ارتجال، أو اعتمد مسرح الدمى. ومنها ما استلهم الأسطورة والملحمة والرواية، واعتمد تقنيات السرد والحكاية.
وسأتوقف عند بعض النماذج التي لاقت اهتماماً واستحساناً من الجمهور، مثل عرض Venom Hamlet إخراج: ألبرتو سانتياغو (المكسيك) الذي استخدم التراث المحلي كغناء الكاردنشي وألواناً تنتمي للتقاليد والفولكلور المكسيكي، لتقديم عرض مسرحي سمعي بصري ارتكز على مقولة «إذا لم تجعل اللاوعي واعياً، فسوف يوجّه حياتك وستطلق عليه قدراً. «أما عرض Clan Macbeth إخراج: دانيال سكاتينا لفرقة مسرح الظل (إيطاليا) فقد استخدم ثلاث شخصيات (ماكبث- الليدي ماكبث – المهرج) واستعاد تقاليد كوميديا الفن (ديللارتي)، ليُنقب في جوهر العلاقات الإنسانية. ومن العروض المتميّزة عرض Bunker «غرفة محصنة تحت الأرض»، إخراج باولا كالدرون (تشيلي) الذي قدّم عبر الأداء الحركي أسرة محافظة اختارت الانعزال عن المجتمع داخل مخبأ عسكري قديم، كي تُحقق رؤيتها الأخلاقية لما يجب أن تكون عليه، ولكن داخل هذا المكان تتفسّخ العلاقات على عكس ما كانوا يهدفون! تم العرض في فضاء فارغ إلا من بعض الإكسسوارات، والممثل هو الركيزة الأساسية للعرض الذي ينتمي لـPhysical Theatre، ومن لبنان عرض «هو الذي رأى» لفرقة زقاق، إخراج عمر أبي عازر، الذي استلهم ملحمة جلجامش، عبر حوار أدائي بين ممثلين حول الموت وقيمة الحياة والأشكال الجديدة للتوصّل إلى الخلود في المجتمعات المعاصرة.
وتميّز عرض Moleir لفرقة مسرح الرسوم المتحركة بوزنان (بولندا)، نص وإخراج نيفيل ترانتر. تم العرض باستخدام الدمى، ولكنه خرج عما هو متعارف عليه، بحيث لا يقتصر دور اللاعب على تحريك الدمية، بل هو شخصية موازية مُعبّرة، زادت من غنى العرض. وتميّز عرض «أوبرا القروش الثلاثة» لبريشت، إخراج: السعيد منسي (مصر) الذي قدم عبر عناصر التغريب والمسرحة والسرد والأغاني، صراع المهمشين والسلطة. وتميّز عرض تحوّلات الحياة والأشياء، إخراج محمد العامري (الشارقة) فكان عبارة عن رؤية سوريالية باستخدام الدمى، لما تعيشه البشرية من صراع وتناقضات أجهضت الحلم بالحرية، ويُحسب للعرض جرأته في تناول موضوع كهذا، لم نعتد رؤيته في مسرح الشارقة! أما في برج الوصيف إعداد عن «قطة على سطح من الصفيح الساخن» لتنسي وليامز، إخراج الشاذلي العرفاوي (تونس) فقد نجحت القراءة الدراماتورجية في نقل النص إلى البيئة المحلية، وإبراز صراع السلطة والمال والجنس ضمن عائلة تونسية تختزل شريحة كبيرة في المجتمع. أما عرض Juarez خواريز (ميثولوجيا وثائقية) إخراج روبن بولندو (أميركا)، فهو يقوم على حكاية المدينة الحدودية التي تقع ما بين المكسيك وأميركا، والتي تعرضت خلال الثلاثين عاماً الأخيرة لواحدة من أكبر موجات التحوّل الحضاري، مما جعلها تُصنف عام 2007 كعاصمة القتل الأولى، خرج العرض عن أسلوب المسرح الوثائقي بمعنى بيتر فايس، وقُدم بأسلوب الكباريه السياسي، وخيال الظل، والسرد والأداء، والموسيقا. عرض سمعي بصري مكتنز بالتفاصيل وسياقات التحليلات السياسية والاجتماعية، وارتباط الخاص بالعام، وتعدّد مستويات العرض والطرح، ليخلص إلى نتيجة فحواها بث الأمل والإيمان بالغد.

ندوات وورشات عمل

أولى المهرجان أيضاً اهتماماً كبيراً للجانب الفكري الأكاديمي، عبر أربع ندوات تناولت مواضيع راهنة اتسمت بالجرأة، وأثارت الكثير من الجدل هي المسرح وقضايا تكفير التفكير العقلاني، التي ناقشت أبرز وأخطر القضايا المطروحة اليوم على الساحة العربية والدولية، وهي قضية تكفير التفكير العقلاني، التي تُعدّ العتبة الأولى التي يرتكز عليها الإرهاب للإطاحة بالآخر المُغاير له. هكذا تم استحضار مسرحيين ومفكرين أقصاهم التطرّف مثل المسرحي عبد القادر علولة ومفكرين مثل فرج فودة ونصر حامد أبو زيد وناهض حتر الذي اغتيل أثناء انعقاد الندوات. ومن الندوات أيضاً «التجريب وتثوير الأبنية الجمالية»، و«القضايا العربية بفضاء المسرح الغربي» ثم «الحركة النقدية والمسرح المُقاوم».
كما أقيمت ست ورشات عمل مجانية بمختلف الاختصاصات، أشرفت عليها د. دينا أمين مديرة المهرجان، والورشات هي: الإخراج المسرحي- تورانج يحيازاريان (أميركا)، طاقة البوح بالجسد- كارلوس دياز ليون (تشيلي)، السينوغرافيا- إبيشاك ماجومدار (الهند) حيث عمل على العلاقة بين الإخراج والسينوغرافيا، التمثيل والحركة المسرحية – كاثرين كوراي (أميركا)، المسرح في زمن الجهاد – تشايد وهو من أبرز كتّاب ومخرجي المسرح في باكستان، ويعمل كمدير لمسرح «كوجا». طرح في الورشة فكرة التحديات التي تواجه صناع المسرح في ظل مجتمع مُتطرف، وكيفية طرح صورة جيدة للإسلام، بعد صورة العنف واتهامات الإرهاب التي انتشرت باسمه.. وكيف يمكنك أن تقول ما تريد دون أن تقتل. ولدى سؤاله عن أسلوب العمل في تناول مواضيع ضد التطرّف، قال «عند التعامل مع قضية شائكة، قد نلجأ للتقرّب إليها بالكوميديا، فالكوميديا تجعل المتلقي في حالة استرخاء، وحالة مزاجية تجعله أكثر استعداداً لقبول الرسالة» وكان تشايد قد وجّه نصيحته للمشاركين في الورشة بهذه الكلمات: «لن يقدر أحد على انتزاع الحرية الإبداعية منك، وستقدر دائماً على إيصال رسالتك مهما كنت في مجتمع مغلق». أما ورشة الكتابة من القلب المُفكّر- أدارتها كارين مالبيد (أميركا)، وهي كاتبة مسرحية مخضرمة، تهتم بقضايا العالم الثالث.

فعاليات على هامش المهرجان وحفل الختام

أقيمت مائدة مستديرة عن «دور المهرجانات العربية للتفاعل المسرحي مع العالم» ضمت سبعة مديرين لمهرجانات عربية ودولية بهدف تكوين تحالف وشبكة تواصل بين هذه المهرجانات، ولتكون القاهرة مقراً للتواصل بين المهرجانات.
وفي حفل الختام بحضور وزير الثقافة، أكد الدكتور سامح مهران في كلمته على «أهمية الفعل الثقافي في إزالة الخلافات السياسية أياً كان نوعها»، وتم تكريم الفنانة مومبي كاجوا (كينيا) مديرة مسرح الذي يُعنى بالتوعية الاجتماعية ضد العنف والتعذيب والإدمان وتعزيز السلام. وكذلك تقديم العرض المسرحي الراقص (يا سم) إخراج شيرين حجازي، الذي عبّر عن المشاكل التي تواجه المرأة في الشارع المصري.
رغم كل الصعوبات التي واجهت إقامة المهرجان، إلا أنه استطاع التأسيس من جديد لفعاليات مسرحية ذات وزن ثقافي في الواقع الحياتي، وتقديم عروض نوعية ذات مستوى عال على كل الأصعدة، وإن كنا نطمح إلى إقامة ندوات نقدية للعروض، وأؤكد بأن المهرجان عاد ليكون نافذة مهمة على التجريب والمعاصرة والحداثة، وذلك بتقديمه عروضاً من مختلف الحضارات والثقافات، لنكتشف كم هو العالم صغير، ويمكنه أن يقول لبعضه أشياء كثيرة.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن