قضايا وآراء

جنون العظمة الأردوغاني وأحلامه السلجوقية.. والمصير المنتظر

| سناء أسعد 

أكثر ما يثير الاشمئزاز في هذه الحروب الملتهبة على امتداد جغرافية المنطقة كلها وعلى امتداد معاناتنا وأوجاعنا وصمودنا يمنياً وعراقياً وسورياً هي وجبات الحجج الكاذبة تلك التي تقدم على الموائد الدولية كلما كثرت العزائم وتنوعت الولائم وازدحمت الحافلات بأقدام الطامعين المستعمرين اللاهثين لقضم الأراضي العربية وتحويلها إلى مجرد حصص يتقاسمونها فيما بينهم.
حجة محاربة الإرهاب ولاسيما تنظيم داعش هي الحجة الأكثر شيوعا والأكثر استخداما من المعسكر المعادي دوليا وإقليمياً سواء من صانعيه أو حاضنيه وداعيمه بل صار « يكفي أن تدعي أنك تحارب داعش لتصير كل جرائمك وفظائعك أفعالا شرعية مبررة ومباحة ».
أردوغان قرر إضافة حجة أخرى لتبرير تدخله السافر في الشأنين السوري والعراقي وهي حجة حماية «الأمن القومي التركي» ولا سيما من الخطر الكردي الذي يكاد يصير هاجسه الوحيد ومصدر قلقه الكبير.. ولذلك عبر عن غضبه الشديد للرفض العراقي بإشراكه في عملية تحرير الموصل كما استهجن واستنكر طلب رئيس الحكومة العراقية حيدر العبادي بسحب قواته الموجودة في معسكر بعشيقة بلهجة خطابية حادة لا يتكلم بها إلا المصاب بمرض جنون العظمة، فخريطة العالم كله يجب أن ترسم حسب الرؤية الأردوغانية وبإذن من حضرته في حين هو لا يحتاج لأذن من أحد في توسيع مشروعه العدواني الرامي لتحقيق أحلامه وأطماعه السلجوقية.
وما استحضار الماضي ومطالبته بإعادة النظر في اتفاقية لوزان 1923 التي يرفضها ويعتبرها بمنزلة هزيمة للأتراك لا انتصار لهم، وإعلانه الصريح أن الموصل لتركيا وتوغله عسكريا في جرابلس السورية والاستعداد لمعركة مقبلة في الباب والتلويح دائماً بتوغل عسكري بري مشابه في الموصل إذا اقتضت الضرورة ذلك إلا دليل واضح وصريح على أن هناك مخططاً عثمانياً بدأ يظهر للعلن وعلى الملأ بعد إخفاق تحقيقه في الخفاء تحت شعارات وهمية كاذبة.
أردوغان يريد حماية الأمن القومي لبلاده ولكن ماذا عن أمن العراق وسورية؟ ومن المسؤول عن تلك الحدود التي فتحت على مصراعيها لتهريب الإرهابيين والمرتزقة إلى سورية والعراق، وعن سرقة مقدرات البلدين وثرواتهما النفطية؟
أفلا يحق لكل من العراق وسورية التحرك عسكريا أيضاً باتجاه الحدود التركية وإغلاق كل معابرها ضمانا لعدم تدفق المزيد من التنظيمات الإرهابية التي عاثت فسادا وتخريبا وإجراما في كلا الدولتين تحقيقاً للأهداف الصهيوأميركية؟
الحقيقة أن أطماع السلطنة العثمانية لم تغب عن أذهان الأتراك يوماً ولا يفوّتون فرصة لإحيائها من جديد مهما كان الثمن وبأي وسيلة وما التصعيد العسكري مؤخراً في سورية وإرسال عدد من الدبابات الإضافية وقصف عدة قرى في شمال سورية راح ضحيته مايقارب200 مدني سوري بينهم أطفال ونساء إلا من باب الإصرار على تحقيق الأطماع التركية في إقامة منطقة آمنة في الشمال السوري على مساحة 5000 كم.
الكثير راهن على استدارة أردوغان نحو الأفضل وعلى تفعيل نظرية بن علي يلدريم في ضرورة التصالح مع دول الجوار بعد إخفاق نظريات مهندس الحروب داوود أوغلو لكن للأتراك نصيبا كبيراً في المعتوهين والحمقى حكاما ومسؤولين ولنا نحن نصيب في الإصغاء للترهات التركية التي لا تخرج عن حيز الاستهلاك الإعلامي بالنسبة لنا لأنه يستحيل على السوريين الوثوق بالمخادع أردوغان ولأننا كما قال وليد المعلم «نحن نريد أفعالاً لا أقوالاً».
وحتى اللحظة هناك عملية انفصال كلية بين تصريحات أردوغان وأفعاله ولم نشهد منه إلا التصعيد المستمر بين انتهاك وإجرام واعتداء وعبث في أمن المنطقة كلها فلا هو احترم تلك الحدود الجغرافية التي ادعى أنه سيحترمها على الرغم من ثقلها على قلبه ولا هو وفّى بتنفيذ وعوده الفقاعية لبوتين وضرورة التعاون معه في سبيل التوصل إلى اتفاق بإخراج مسلحي النصرة من مدينة حلب وإبلاغ المعنيين في ذلك.
الرد العراقي كان رفضاً جماعياً للتدخل التركي لم يتغير بوساطة أميركية من وزير الدفاع الأميركي آشتون كارتر. وسيكون الثمن الذي سيدفعه أردوغان غالياً في حال دخل الأراضي العراقية بقواته.
والرد السوري أتى في بيان حازم للجيش والقوات المسلحة معتبراً أن التحرك العسكري التركي عدوان وسيواجه بكل الوسائل كما يتم تشكيل مقاومة سورية وطنية كردية بهدف مواجهة الاحتلال التركي ولاسيما بعد خيبة أغلبية الكرد الذين علقوا آمالا كبيرة على دعم أميركا لهم في تحقيق حلمهم الفيدرالي.
على ما يبدو أن أردوغان مولع بلعبة الاحتلال عاشق للحروب يريد أن يحمي عرشه بغطرسته وحماقته ولكن سيأتي وقت يكتشف فيه أنه هيأ الأجواء وأسس الأرضية الصلبة والمتينة لحدوث عملية انقلاب ثانية ضده.
وأن بوتين لم يرفع البطاقة الحمراء بعد في وجهه، وأن الأسد رجل يطابق قوله لفعله وإن وعد وفى وإن حلب ستكون مقبرة لأحلام السفاح أردوغان وجميع الطامعين.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن