قضايا وآراء

عن معركة الموصل

| اللاذقية – عبد المنعم علي عيسى 

عندما قررت واشنطن أن معركة الموصل قد حان أوانها استبقت إعطاء شارة البدء بتحضيرات تمكن من استثمار ما سينجم عنها فكان أن ذهبت إلى قصف جسور مدينة دير الزور قبيل نحو ثلاثة أسابيع على بدء المعركة التي أعلن عنها حيدر العبادي رئيس الوزراء العراقي في 17/10/2016، كانت تلك العملية بمنزلة العصا لتهش بها على تنظيم الدولة الإسلامية لكي يسير في داخل الجغرافيا المرسومة له والتموضع فيها بانتظار المهمة المقبلة انطلاقاً من تلك الجغرافيا. بالتزامن كانت تجري عمليات التحضير والتأسيس للحشود البرية التي ستقوم بتحرير الموصل وفي هذا السياق عملت واشنطن على استيلاد تحالفات عسكرية غير متجانسة بل متناحرة أيضاً وإن كانت تبدو ظاهرياً على غير هذا النحو، لكي تتمكن من أن تظل ممسكة بتلابيب جميع الأطراف والسير بهم إلى حيث المرامي الأميركية، الأمر الذي اتضحت نتائجه خلال سير المعارك.
تطرح مسألة الدعم الأميركي للمطالب التركية بوجوب مشاركة قوات برية تركية في معركة تحرير الموصل تساؤلات ومخاوف عديدة ومخاطرها تتبدى سريعاً إذا ما أدركنا أن واشنطن مستعدة للتلاعب بمصير المعركة ولربما مراجعة حساباتها فيها في حال لم تنجح ضغوطها التي تهدف إلى إدخال أنقرة كلاعب في تطورات ما يجري حالياً في العراق، فهي (واشنطن) أظهرت بعد مضي يومين فقط على بدء المعارك حالة تراخٍ ملحوظة في عمليات الإسناد الجوي التي تقدمها للقوات المشاركة في المعركة وهو ما يؤكده العديد من تصريحات القادة الميدانيين الذين يدلون بتصريحاتهم إلى وكالات عالمية مثل رويترز و(أ ف ب). كان الهدف من حالة التراخي السابقة الذكر هو أن تعطي ثمارها في زيارة وزير الدفاع الأميركي آشتون كارتر الأخيرة لكل من أنقرة وبغداد في 21/10/2016 فيصل إلى إقناع هذه الأخيرة بضرورة مشاركة الأولى في معارك الموصل، وعندما لم ينجح كارتر في ما كان ذاهباً إليه ازدادت الضغوط الأميركية وصولاً إلى الإعلان عن توقف المعركة الذي قال عنه الكولونيل الأميركي جون دوريان 29/10/2016 أنه (يقصد التوقف) يدخل في مخطط التحالف.
المشهد الحاصل الآن في الموصل نتيجة مواقف الدول المشاركة في معركتها وتلك التي تريد المشاركة خطر جداً، وهو ما تدركه جيداً الحكومة العراقية التي تجد نفسها أمام خيارات ليست ضيقة فحسب بل إن جميعها لا يصب في مصلحتها ولا في مصلحة العراق أيضاً، فهي إن تراجعت أمام ضغوط واشنطن وقبلت بمشاركة تركية في الموصل فمن المؤكد أنه سيكون لهذا الأمر تداعيات خطرة ستبدو آثارها جلية في مستقبل الكيان السياسي للعراق، وهي إن لم تفعل وظلت صامدة بوجه تلك الضغوط فإن المرجح هو أن تذهب أنقرة بدعم أميركي مطلق إلى الالتفاف على قرار الحكومة العراقية أو تجاهله فتعمد إلى إدخال قواتها من دون إذن من حكومة بغداد بعد أن تكون واشنطن قد أوعزت لحليفها مسعود البرازاني رئيس إقليم كردستان للقيام بطلب تدخل عسكري تركي في العراق وفق المادة (51) من الفصل السابع لميثاق الأمم المتحدة، تماماً كما فعل منصور عبد ربه هادي عندما طلب تدخلاً سعودياً في اليمن عرف فيما بعد بعاصفة الحزم 25/3/2015، وما يدعم هذه الفرضية السابقة هو أن أنقرة فعلاً قامت بحشد قواتها على الحدود العراقية وهددّت بأن تلك القوات سوف تدخل العراق إذا ما دخلت قوات الحشد الشعبي بلدة تلعفر التي تحتوي على أقلية تركمانية صغيرة بذريعة حمايتها.
استخدمت الولايات المتحدة احتلال العراق 2003 كمنصة متحركة لتغيير منطقة الشرق الأوسط برمتها إلا أن المشروع بدا متعثراً في عقدته السورية بعد مضي ثلاثة عشر عاماً على بدئه، الأمر الذي فرض العودة من جديد إلى تلك المنصة ولذا فإن «إعادة انتشار القوات الأميركية» فيها أمر ليس بمستبعد وهو أمر يعني إعادة احتلال العراق بعد مرور خمسة أعوام على خروج الأميركان منه وهو أمر إذا حدث فسيكون الخطوة الأولى نحو وضع قانون «جاستا» قيد التنفيذ.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن