قضايا وآراء

ميتٌ يمشي على قدمين!!..

| د. بسام أبو عبد الله 

تتكشف يوماً إثر يوم العلاقة الوثيقة بين مشروع الشرق الأوسط الجديد ومشروع «المتأسلمين الجدد» الذين تم تصنيعهم في بريطانيا، والولايات المتحدة، والغرب عموماً، وتقديمهم على أنهم مظلومون من أنظمة سياسية قومية متطرفة بعيدة عن الديمقراطية، والحريات، وتضطهد الأقليات وذات ماضٍ دموي على حد زعم أصحاب هذا المشروع!!
شاهدنا كيف نَبَع الإسلامويون في كل مكان مع بدء ما سُمي «الربيع العربي» وتزعموا الشاشات، وفتحت لهم الأرصدة، ووسائل الإعلام، ومخازن السلاح كي يقيموا «حكم الله على الأرض» كما يزعمون، ويفتحوا جروح الماضي، ويستحضروا التاريخ بكل مآسيه كعُدةِ نصب، واحتيال، ودغدغة لمشاعر البسطاء، والمساكين، وترافق ذلك مع بعض الزينة الليبرالية اليسارية لضرورة الشعر كما يقال.
كانت تركيا المنصة التي أريد لها أن تتزعم المشروع، وتُشكل مرجعاً لكل الاسلامويين في المنطقة، وقُدِمَ رجب طيب أردوغان الزعيم الذي على الجميع طاعته، وتقبيل يديه صباح مساء، وعملت وسائل الإعلام الغربية (المنافقة) على الدعاية، والترويج لمشروع الديمقراطية والإسلام حتى إن أردوغان اختير رجل العام في مجلة التايم الأميركية.
لكن فشل المشروع، وتداعيه نتيجة صمود سورية، وجيشها، وشعبها جعل الأمور تنقلب رأساً على عقب، فأردوغان تحول فجأة في وسائل الإعلام الغربية، وعلى ألسنة المسؤولين الغربيين إلى ديكتاتور مخيف مرعب، بعد أن كان الديمقراطي الأول، والنموذج في المنطقة.
تحالف أردوغان منذ مجيئه إلى السلطة مع جماعة «فتح الله غولين» الواسعة النفوذ، والتأثير في تركيا، ومناطق أخرى في العالم، وهي الجماعة التي قيّمها دبلوماسيون أميركان حسب وثائق ويكيليكس أنها المجموعة الإسلامية الأقوى في تركيا لأنها تسيطر على قطاعات واسعة في مجال الأعمال والتجارة، ولديها شبكة واسعة من المدارس، والجامعات، ومراكز الأبحاث ووسائل الإعلام، والتلفزة، والأهم أنها متغلغلة بعمق في المسرح السياسي التركي منذ عقود من الزمن.
مايكل روبين الذي شغل موقع الناطق بلسان بيل كلينتون، وعمل محرراً في المجلة الصهيونية المتشددة (الشرق الأوسط) منذ عام 2004، ومستشاراً سياسياً لبول بريمر في العراق، وسبق ذلك عمله في جمع المادة الاستخبارية للتحضير لغزو العراق في مكتب الخطط الخاصة الذي انشأه بول وولفوفيتز وترأسه دوغلاس فيث، ثم كلفه دونالد رامسفيلد بتحضير كل المواد الاستخبارية بهدف التمهيد لغزو العراق… هذا الشخص وصف في عام 2008 فتح الله غولين بأنه آية الله الخميني في تركيا ويبدو أن المشروع الأميركي الغربي كان يهدف لاستخدام أردوغان كجسر للتمهيد لإيصال (فتح الله غولين) كنموذج سني في مواجهة إيران.
استخدم كل منهما الآخر، فأردوغان أراد التمكين، والاستفادة من غولين وعلاقاته، ونفوذه، وغولين استفاد من أردوغان للتغلغل أكثر في مؤسسات الدولة التركية (الجيش والأمن) والخارجية، وإزالة العقبات الكمالية القومية من وجه مشروعه، وهو ما اعترف به أردوغان لاحقاً عندما قال: (لقد ساهمنا في تسهيل وصول، وتغلغل هذه الجماعة إلى مؤسسات الدولة)، وظهر ذلك في ما عُرف بمحاكمات أرغينيكون التي أطاحت بكبار ضباط الجيش الكماليين، وبمجموعة كبيرة من النخب القومية، واليسارية المعارضة للمشروع الأميركي.
الانفصال، والطلاق بين أردوغان، وغولين ظهرا عام 2013 مع بدء تسريب الاتصالات الهاتفية، وفضائح الفساد التي طالت وزراء في حكومته، وابنه (بلال)، الأمر الذي جعل أردوغان يُعد العدة لمعركة طاحنة مع جماعة غولين.
في أيار 2015 كتب مايكل روبين مقالاً قال فيه: (لقد تبين لي لفترة طويلة مع باحثين آخرين أن أتباع غولين كانوا يعملون في تحالف غير مقدس مع أردوغان من أجل نقل المجتمع التركي بشكل جذري بعيداً عن ماضيه الكمالي، وطمس الخط الفاصل بين المسجد، والدولة. وتقريباً قبل عام ونصف العام انقلب أردوغان على غولين، وأتباعه، ودشن عملية تطهير واسعة في بيروقراطية الدولة.. ضد أي شخص له علاقة بغولين، أو مدارسه، أو مؤسساته، ووجد آلاف الناس أنفسهم بلا عمل، وفي بعض الحالات في السجن. إن هؤلاء، رجالاً، ونساءً، مسؤولون عن إطعام، وإكساء أعداد كبيرة من الأطفال، والآباء الذين قطع عنهم كل ذلك).
بالطبع إن مايكل روبين الذي عمل في مطبخ الإعداد لغزو العراق وتدمير شعبه، وقتل الآلاف لا يكتب من باب إنساني على شبكة غولين، وممارسات أردوغان، وإنما من باب الانزعاج على تقطيع أوصال شبكة خطيرة ذات ارتباط بمشروع معلميه (المحافظين الجدد) ليس إلا!!
بتاريخ 23 آذار 2016 نشر (مايكل روبين) نفسه مقالاً في مجلة نيوزويك الأميركية تحت عنوان: (هل سيكون هناك انقلابٌ ضد أردوغان في تركيا؟) أشار فيه إلى أن الأتراك يعترفون بشكل متزايد بأن أردوغان يجر تركيا إلى حافة الكارثة، ويشير إلى تدهور الوضع الاقتصادي، وسجن المعارضين، ومصادرة الصحف ومبانيها من أجل أن يصبح سلطاناً، أو خليفة…
– بعد (111) يوماً من مقال (روبين) وقعت محاولة التمرد العسكري في 15/7/2016 ضد أردوغان، وكتبت نيوزويك على موقعها الإلكتروني بسعادة واضحة العبارة التالية: «الجيش التركي يقول: إنه استولى على السلطة لحماية النظام الديمقراطي!».
– مؤخراً كتب (روبين) عن أن انقلاباً آخر في تركيا سوف يقع، وأن الانقلاب القادم سوف يقوم بتصفية أردوغان جسدياً، وامتلك الجرأة ليصف أردوغان بأنه: (رجل ميتٌ يمشي على قدمين)!!!.
– ضمن إطار هذا الفهم، وهذه التطورات لجأ أردوغان إلى موسكو، وطهران ويعمل على التنسيق معهما في شؤون المنطقة، بعد أن تحول إلى «ميت يمشي على قدمين»، ويوم الاثنين 31/10/2016 نصح زعيم حزب الشعب الجمهوري السابق دينيز بايكال عبر محطة (سي إن إن تورك) حكومة أردوغان بالتالي:
أ- التخلي عن السياسات المذهبية التي طبعت نهج تركيا خلال السنوات الماضية.
ب- فتح حوار مباشر مع الرئيس بشار الأسد.
– وحسب (بايكال) فإن هذا الطريق هو الوحيد الذي يمكن من خلاله إيجاد حلول منطقية لمشاكل المنطقة.
– يبقى هذا السؤال في أذهان المتابعين، والمحللين مثار جدلٍ وإشكال كبيرين: هل بإمكان (ميتٍ يمشي على قدمين) أن يقلب هذه المعادلات!! وهل سياساته الراهنة في سورية، والعراق تؤشر إلى ذلك!!
– أستطيع القول إن تحولات مهمة ستحدث بالتدريج، وإن هناك قوى ليست ضعيفة لا تزال تقاوم هذا التغيير داخل تركيا، ولكن لا مخرج آخر للخروج من الموت المحتم سوى طرق أبواب دمشق، وهذا رِهانٌ يجب أن نعمل عليه من أجل إيجاد مخارج لبلداننا المهددة بالتقسيم والفناء… وهذا هو الهدف المرحلي العاجل.
– من كان يصدق أن العماد ميشال عون سيصبح رئيساً للبنان بعد أن كان خطاً أحمر لكثيرين، ولكن صدقوني أن خطوطاً حمراء عديدة ستسقط، وسترونها بأم أعينكم، مادام هناك أموات كُثُرٌ يسيرون على قدمين، ويحتاجون إلى (البقاء أحياء) وفقط أحياء.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن