قضايا وآراء

لعبة العقارب في السياسة الأميركية: إلى أين..!؟

| عبد السلام حجاب 

قبل ساعات معدودة لا تتجاوز أصابع اليدين على نهاية انتخابات الرئاسة الأميركية ومعرفة القادم الجديد إلى البيت الأبيض. تتصاعد حدة الرهانات، وتتشابك الحسابات والأجندات في داخل أميركا وخارجها البعيد والقريب جغرافياً وسياسياً. عدا الكيان الإسرائيلي الذي كان الشريك الأساسي في تفاصيل اللعبة والنتائج، على حين يبقى الإرهاب الذي تعددت أسماء عقاربه أداة سياسية وميدانية معتمدة، ما دامت أميركا الدولة العظمى، ليس لديها علاقة بين السياسة والأخلاق، منذ أفول أو تخامد واقعياً مقولة «كيوكيدس» قبل نحو 2500 عام «بأن يفعل الأقوياء ما يحلو لهم ويعاني الضعفاء ما يستحقون» باعتبار هؤلاء مجرد أضرار جانبية، بحسب التوصيف الأميركي سواء سقطوا بالعدوان الأميركي المباشر أو غير المباشر بواسطة الإرهاب كما في سورية والعراق واليمن وليبيا وبلدان عربية أخرى مستهدفة.
ويمكن القول إنه مهما تكن النتائج التي ستسفر عنها انتخابات الرئاسة الأميركية، فإن الواقعية السياسية عند التعامل بين الأوهام والوقائع تؤكد أمرين أساسيين:
1- إن لعبة العقارب الإرهابية في السياسة الأميركية، هي لعبة خطرة العواقب حتى بالنسبة لأصحاب اللعبة أنفسهم. فالعقارب لا تلدغ من يحتضنها ويلاعبها ويغذيها فحسب بل تلدغ بعضها بعضاً أيضاً عند الضرورة حتى الموت. فالقوة العمياء وحيدة الاتجاه، يصعب عليها التمييز إذا انطلقت بين الحق والباطل وبين موجبات مبادئ القانون الدولي وذرائعية المصالح.
2- إن الحراثة في بحر السياسة الأميركية المالح وغير المستقر، هي في منزلة استدراج عروض لأوهام وأحلام يقظة جديدة لا تؤدي إلى مكان، ولاسيما أن البعض فقد البوصلة السياسية والاجتماعية الوطنية، والبعض الآخر صار بندقية وظيفتها القتل ولا يختلف عن العقرب في السياسة الأميركية.
والصنف الثالث ارتهن لموعد افتراضي مع حوريات ولا سبيل لديه سوى الانتحار.
وعليه فإن الرابط بين الأمرين بحسب السياسة الأميركية يتمثل بتصعيد سبل الاستثمار بالإرهاب على غير صعيد. فهل ما تحتاجه أميركا فعلاً هو ما أسماه الجنرال بترايوس في مذكراته بالعنف المسيطر عليه لفترات مديدة، أم إنه على الولايات المتحدة، كما أعلنت المتحدثة باسم الخارجية الروسية زاخاروفا، التخلص من أوهامها بشأن إمكانية ترويض الإرهابيين.
بل كيف يمكن لأميركا تبرير أو تفسير عجزها المشفر سياسياً وعسكرياً بشأن فصل منظومتها من الإرهابيين عن التنظيمات الإرهابية الأخرى في الأحياء الشرقية لمدينة حلب وجوارها بعد استخدامهم لمختلف أنواع الأسلحة بما فيها المدرعات المفخخة والقنابل المحملة بالمواد الكيماوية السامة في مواجهة ساعات التهدئة الإنسانية العشر من يوم الجمعة الفائت التي أعلن عنها الجيش السوري بالتنسيق والتعاون السياسي والعسكري مع روسيا، تحت أنظار وكاميرات الصحفيين ووكالات أنباء متلفزة سورية وعربية وأجنبية بما فيهم من كندا ونيويورك تايمز الأميركية، ما يعني أن الحقيقة الثابتة التي لا تريد أميركا الاعتراف بها لمصلحة سياسية هي أن جميع المسلحين في حلب وجوارها هم إرهابيون تجب محاربتهم والتخلص منهم، بحيث يصبح إعلان سورية وروسيا بأن للصبر حدود مقدمة منطقية لأعمال ميدانية تتجاوز التهدئة والانتظار.
ولقد وصف بوغدانوف الممثل الخاص للرئيس الروسي عمليات التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة في سورية بأنها غير مقبولة لكونها لا تتم بموافقة الحكومة السورية أو بتكليف من مجلس الأمن الدولي، وعلى الرغم من ذلك أعلن الوزير الروسي لافروف «أن موسكو وواشنطن ستضطران للتوصل إلى اتفاق، ومن الأفضل الإسراع بذلك» وإن بدا أن واشنطن ليست «جاهزة».
وبعد يوم من إعلان وزير الدفاع الروسي شويغو «إن خطوات معارضة واشنطن المعتدلة» تؤخر بدء العملية السياسية في سورية إلى أجل غير مسمى، أعلن جون كيربي المتحدث باسم الخارجية الأميركية أن واشنطن تبذل جهودها من أجل استئناف عملية التوصل إلى حل للأزمة في سورية.
لكن السؤال، متى تقترن الأقوال بالأفعال كما قال الوزير لافروف تعقيباً على تصريحات نظيره الأميركي كيري إذ قال: «إنه على أولئك الذين يريدون أن يكونوا جزءاً من الحل السياسي أن يقطعوا علاقتهم بالإرهابيين».
لعله من المؤكد واقعياً أن أوهام هلوسة القوة لدى أميركا أصبحت أمام مفترق طرق حاسم ومعقد نظراً لوقائع فالق الزلزال وتداعياته السياسية والعسكرية، نتيجة الصمود الوطني للسوريين جيشاً وشعباً، وما أحدثه من تقدم ثابت وناجح على المستوى الدولي، انضمت الصين إلى ميادينه بجانب روسيا وإيران، ما جعل الرهان على عقارب الإرهاب في السياسة الأميركية سذاجة وقصر نظر. كما أصبحت الحراثة في البحر الأميركي من بعض دول الغرب الاستعماري وأنظمة مثلث الإرهاب في السعودية وقطر وتركيا، مغامرة طائشة بعواقب كارثية، فبات الخيار محدداً، إما محاربة الإرهاب من دون مواربة أو انتقائية أو معايير مزدوجة تمهيداً للالتحاق بشروط العملية السياسية في سورية وفقاً لقرار مجلس الأمن الدولي 2254، وإما الانتظار في محطة احتمالات التصادم التي لا تخدم الأمن والاستقرار في المنطقة والعالم.
وليس بعيداً عن احتمالات مشهد الانزلاق نحو مخاطر أوسع نطاقاً وأشد جنوحاً باتجاه يحقق مكاسب سياسية أو جيوسياسية، تواصل أميركا بلسان وزير دفاعها كارتر سياسة العبث المسلح
بعقارب الإرهاب وعقد الصفقات، بالجغرافيا السورية انطلاقاً من التلويح بمعركة الرقة معتبراً تنظيم داعش الإرهابي كبش المحرقة في فترة انتهاء صلاحيته المؤقتة، واستخدام عقارب إرهاب جديدة لتعقيد المشهد السياسي والتمويه على المشاريع التقسيمية، لن تختلف بوظيفتها الراهنة بل تتماهى من عقارب أنقرة الإرهابية. إذ يجد نظام أردوغان الإخواني بالحراثة في بحر السياسة الأميركية فرصة مواتية لأحلامه العثمانية والهروب من مأزقه السياسي الراهن على حساب الأتاتوركية التركية.
لكن السؤال المحوري أمام تعقيدات المشهد السياسي والعسكري الراهن وتداعياته المحتملة، عشية إعلان نتيجة الانتخابات الأميركية الرئاسية التي تشير المعطيات إلى أنها تصب في مصلحة الديمقراطية كلينتون على حساب الجمهوري ترامب، إنما يتركز على إذا ما كانت واشنطن سوف تستجيب لمطالبة الصين بإعادة إحياء الاتفاق الروسي الأميركي بشأن سورية. والاستجابة أيضاً لطلب ألمانيا الذي جاء لافتاً بفصل المعارضة المسلحة التي تصفها واشنطن بالمعتدلة عن تنظيم جبهة النصرة الإرهابي والتنظيمات الإرهابية الأخرى، أو تبقى الوقائع لتؤكد أن واشنطن لن تتخلى عن لعبة العقارب الإرهابية واستنساخها لمشاريع ومصالح سياسية في سورية والمنطقة!؟
لقد أكد السوريون جيشاً وشعباً بقيادة الرئيس بشار الأسد، منذ وقت مبكر أن أميركا لا تملك إرادة محاربة الإرهاب بل استخدامه كأوراق سياسية ضاغطة، لكن الوقائع تثبت أنها أمنية تنتقل من فشل لآخر في السياسة والميدان.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن