ثقافة وفن

خفايا وخبايا الساسة والسياسة

| شمس الدين العجلاني

كان يا ما كان، في قديم الزمان، وفي سالف العصر والأوان، قصص وحكايا تروى عن بلادنا.. ويحكى في صحف زمان خفايا وخبايا وقصص نادرة، وتحمل ذاكرة أهل بلادنا العديد من الحكايا التي تلقي الضوء على حالنا وأحوالنا.
وسنروي قصصاً وحكايا من قديم الزمان لنأخذ العبرة منها، ونستعين بقول فناننا الكبير ياسر العظمة إن هذه الحكايا: «مما سمعت وقرأت».

عمامة فارس الخوري
قبل عودة فارس الخوري عام 1945 م من مؤتمر الأمم المتحدة هتف إلى ولده سهيل طالباً إليه إحضار طربوشه إلى مطار دمشق ليلبسه قبل النزول من الطائرة والسلام على المستقبلين، حيث كان في ذاك الزمان من المعيب على شخصية مثل فارس الخوري الخروج من دون طربوش.
نزل فارس الخوري من الطائرة وطلب من ولده الطربوش، وتبين أن سهيل نسي الطربوش، ما أزعج فارس وأربكه أحد المستقبلين وهو الشيخ المعروف آنذاك بهجت البيطار الذي كان يعتمر الطربوش مع لفة بيضاء «شعار شيوخ دمشق» لاحظ الشيخ البيطار ارتباك فارس لأنه بلا طربوش، فأسرع إليه ورفع عن رأسه الطربوش والعمامة، ووضعه على رأس فارس وقال له بأنك جدير به.

المطربة سميرة توفيق جاسوسه
يقولون إن هنالك تهماً جاهزة لدى البعض، تصلح أن «تلبس» لأي شخص كان.. ففي يوم ما من ذاك الزمان تقدم توفيق الحبوباتي وكان متعهد فندق بلودان الكبير بطلب للجهات المختصة للحصول على تأشيرة دخول للأراضي السورية باسم المطربة سميرة توفيق لأنه أعلن عن افتتاح موسمه الصيفي في الفندق بحفلة كبيرة تحييها المطربة سميرة توفيق.
رفض طلب الحبوباتي ومنعت المطربة من دخول الأراضي السورية!؟ انزعج الحبوباتي من هذا الأمر وخاصة أنه كان قد أعلن عن قدوم سميرة توفيق إلى بلودان، راجع الحبوباتي عدة شخصيات لمعرفة سبب هذا الرفض، فتبين أن هنالك ملاحظة قديمة من دون تبرير بجانب اسمها تقول، إن سميرة توفيق جاسوسة لبريطانيا، ويعلم الحبوباتي أن سميرة توفيق كانت قبل فترة وجيزة بدمشق تحيي إحدى حفلاتها التي حضرها جمهرة من السياسيين والعسكريين وأعيان القوم، وبعد أخذ ورد سمح للفنانة بدخول الأراضي السورية، وشطبت الملاحظة عن منعها.
البارودي والعظم
لا يملكان أجرة المعاينة

فخري البارودي (30 آذار 1887 – 2 أيار 1966) سياسي، عسكري، صحفي وشاعر ومن أعمدة الاستقلال ومن أغنياء البلد الكبار، صرف جلَّ أمواله لدعم مقاومة المحتل الفرنسي والذي هو من طليعتهم.
يروى يا سادة يا كرام أنه في عام 1964 م قبل وفاة البارودي بعامين، كان البارودي نزيل مشفى الجامعة الأميركية في بيروت، فقام كل من الضابط مطيع السمان، والسياسي معروف الدواليبي بزيارته في المشفى للاطمئنان عليه، وكانت شقيقته لديه في المشفى، وعندما هم الرجلان بالمغادرة، لحقت بهما الشقيقة، وقالت لهما: أرجو أن تتوسطا عند فؤاد شهاب «وكان رئيس الجمهورية اللبنانية» أن يتدخل من أجل فاتورة المشفى!؟ وأردفت: «لأن حقيقة الحال لا يعلمها إلا اللـه»! ولما كانا لا يعرفان الرئيس فؤاد شهاب، قصدا كامل مروة صاحب جريدة الحياة، الذي زار دمشق أكثر من مرة مبعوثاً من الرئيس شهاب.
انزعج كامل مروة مما آلت إليه أحوال الزعيم الوطني فخري البارودي، ووعد أن يتدبر الأمر، وفي اليوم الثاني هتف مروة إلى كل من السمان والدواليبي وطلب حضورهما إليه، وعند حضورهما فتح درج مكتبة وأخرج منه خمسة آلاف ليرة لبنانية «وهذا المبلغ كبير جداً آنذاك» وقال هذا المبلغ من «فلان» لفخري بك، رفض السمان والدواليبي أخذ المبلغ وأصرا أن يقدم «مروة» بيده المبلغ لفخري بك.
ذهب الثلاثة مروة والدواليبي والسمان إلى مشفى الجامعة الأميركية وبعد معاينة البارودي، قدم مروة المبلغ له، فقال البارودي، لم أعد بحاجة إليه، قبل ساعة أرسل «فلان» من حلب المبلغ اللازم، وأقترح عليكم إعطاء هذا المبلغ إلى خالد بك العظم لأنه خرج من المستشفى الألماني بالفياضية قبل إتمام شفائه اختصاراً للنفقات التي يخشى أن ينوء تحت أعبائها!؟
وخالد العظم كان من الأثرياء وأصحاب الأطيان في دمشق ولقب بـ«المليونير الأحمر».

صحفيون مخابرات
يقول الكاتب الكبير ناصر الدين النشاشيبي عام 1955 م: «يبقى الحق الطبيعي للصحفي أن يكتب عن قضايا أمته وعن أخبار شعبة، ولكن من حق هذا الشعب التعرف على حقيقة الصحفيين الذين يكتبون عنه! إن حق الصحفي وحق الشعب، متساويان! ومقدسان».
ويشير النشاشيبي بالبنان إلى الصحفيين المرتبطين مع أجهزة المخابرات الأجنبية والعربية إضافة إلى عملهم الصحفي آنذاك: (لم يكن في مصلحة الصحافة العربية في شيء أن يصبح بعض الصحفيين من «الزملاء الكرام» محسوباً على أجهزة المخابرات الأجنبية والعربية إضافة إلى عمله الصحفي. لقد عرفت في مصر صحفياً مصرياً كان يعمل كمراسل سياسي لمجلة «آخر ساعة» المصرية ويعمل لحساب البوليس السياسي المصري… وفي بيروت، كان الصديق والزميل الراحل صاحب «الصحفي التائه» الأستاذ إسكندر الرياشي، يفخر أمام الناس أنه يعمل في خدمة «مارون عرب» المستشار السياسي «الخاص» في سفارة الإنجليز ببيروت..).
ويتابع النشاشيبي بالقول: (ما زلت أذكر قول الزميل الراحل «صلاح سالم»، في حديثه معي عن المحررين في جريدة «الجمهورية» حيث قال -عندنا في الجرنال أكثر من خمسمئة محرر ومصور ومراسل، نصفهم مرتبطون مع أميركا وخمسهم مع السوفييت، وثلثهم مع ألمانيا الغربية، والبقية مع سفارات العراق، وسورية، والبوليس السياسي المصري..).
ويؤكد النشاشيبي أن المال وحده هو: (الذي أحال «عميد الأدب العربي» طه حسين، إلى مجرد اسم عادي على الصفحة الأولى من جريدة «الجمهورية» القاهرية،… وهذا المال هو الذي أقنع طه حسين في عام 1945 بأن يصبح رئيساً لتحرير صحيفة «الكاتب المصري» المملوكة يومذاك من أغنى عائلة يهودية في مصر!! والمال وحده هو الذي نقل عملاق صحافة مصر محمد التابعي من صاحب أشهر مجلة سياسية أسبوعية إلى مجرد كاتب أسبوعي في صحف دار «أخبار اليوم».. والمال وحده هو الذي أذل أعناق بعض الصحفيين في لبنان وأحالهم من أصحاب صحف إلى رجال تشريفات ومجالس أنس ومختبرات للأمراض الجنسية لحساب شيوخ البترول في دنيا الخليج!).
ولم يستثنِ النشاشيبي بقلمه الحاد رجال الأعمال السوريين فيقول: (وكان المليونير «أكرم العجة» يقوم بتسديد فواتير كبار رجال الصحافة العرب في بيروت، وباريس، وجنيف، ولندن لحساب جهات سامية «سعودية» عربية! وكذلك عدنان خاشقجي.. وكذلك وفيق سعيد..! وكذلك رجا صيداوي!! وكذلك كمال أدهم.. وغيرهم وغيرهم من سماسرة السلاح وأغنياء الحروب!).
بل إن النشاشيبي يتهم بقلمه الحاد تجار السلاح والبترول هؤلاء، بأشياء وأشياء وكأن التاريخ يعيد نفسه اليوم!؟: (كان معروفاً كذلك، أن مكاتب هؤلاء الأثرياء قد تشعبت ووسعت نشاطها «لخدمة» بعض الكبار من الصحفيين إلى جانب الاتجار بالسلاح.. والبترول وأمور أخرى!).
الصحفي والكاتب الكبير ناصر الدين النشاشيبي عام 1995م تحدث عن بعض الصحفيين العرب الذين باعوا أقلامهم وضمائرهم للمال، والمال الخليجي تحديداً، ترى لو عاد إلينا الآن النشاشيبي وأطل على هذه الدنيا، وتصفح المجلات والجرائد وشاهد بعض الفضائيات الناطقة بالعربية ومن لف حولها ماذا كان سيقول أو يكتب؟!

صحف يهودية بدمشق
ويروي الأولون أن اليهود ساهموا في الصحافة السورية، والمعلومات قليلة جداً عن هذه المساهمات، فهنالك جريدتان عبريتان صدرتا في دمشق، الأولى اسمها «الحياة»، والثانية اسمها «الشرق»، كما صدرت مجلة باللغة العربية عن الماسونية اسمها «الأنوار».
بعد مبايعة الأمير فيصل ملكاً على سورية يوم 8 آذار عام 1920م، استدعى إلى القصر شاباً يانعاً لم يتجاوز الثامنة عشرة من عمره يدعى «إلياهو ساسون»، الذي كان يتولى رئاسة الشبيبة الصهيونية بدمشق آنذاك، وكان عضواً في «النادي العربي» الذي لم يزل قائماً حتى الآن ومكانه فوق مقهى الهافانا بدمشق.
اقترح الملك فيصل، على الياهو ساسون إصدار جريدة يومية بدمشق باللغتين العربية والعبرية، وبتمويل خاص من الملك نفسه، وكان الملك يهدف من هذه الجريدة التقريب بين كل من الحركة الصهيونية والحركة القومية العربية!؟ مع العلم أن الملك فيصل التقى الزعيم الصهيوني حاييم وايزمان رئيس المنظمة الصهيونية العالمية في مؤتمر باريس للسلام عام 1919م، وعقد معه اتفاقية سميت «اتفاقية فيصل- وايزمان» يوم الثالث من شهر كانون الثاني سنة 1919م: من بنودها «إعطاء اليهود تسهيلات في إنشاء مجتمع للتعايش في فلسطين والإقرار بوعد بلفور».
وصدرت جريدة «الحياة» بدمشق وبتمويل من الملك فيصل نفسه وكانت تطبع وتوزع سبعة آلاف نسخة من كل إصدار، وهو رقم كبير جداً في ذاك الزمن بمقاييس تلك الأيام، وترأس تحريرها إلياهو ساسون ذاته.
صدور هذه الجريدة بدمشق لم يلق الترحيب من الوطنيين في سورية، وهذا ما دعا توفيق مفرج، مندوب منطقة الكورة اللبنانية في المؤتمر السوري الأول «أول برلمان في بلاد الشام»، لتلاوة تقرير عن هذه الجريدة الصهيونية «الحياة» في المؤتمر السوري، مطالباً المؤتمر بالتحرك لدى الحكومة لإيقاف هذه الجريدة «جريدة العاصمة العدد 139 تاريخ 8 تموز عام 1920م».
وهنالك جريدة أخرى عبرية صدرت بدمشق اسمها «الشرق» صدرت في العهد الفيصلي عام 1920م، وهي جريدة عربية – عبرية، صاحبها ومديرها المسؤول التاجر اليهودي إبراهيم طوطح، صدر العدد الأول منها يوم 3 تموز من العام 1920م، وكانت افتتاحية العدد بعنوان (إلى الطائفة الإسرائيلية في سورية)، ويبدو أنها كانت لسان حال الطائفة الموسوية في سورية.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن