قضايا وآراء

الرقة… خيارات المواجهة

| مازن بلال

تفتح الولايات المتحدة مجموعة من الجبهات قبيل الانتخابات الرئاسية، ورغم أن هذا التزامن يمكن أن يطرح الكثير من المؤشرات، لكن الواضح أن هذه الاستراتيجية ربما ستمثل السياق العسكري خلال المرحلة القادمة، فالحرب على الإرهاب تشكل المنطقة من الموصل إلى الرقة، في حين تبدو الجبهة الغربية باتجاه حلب أو من البادية السورية نحو الساحل؛ مجالا لصراعات قادمة ولخلافات دولية تبدو مستعصية حتى اللحظة، فالبنتاغون يسير نحو تأمين بوابة شرقية لسورية كنوع من إعادة «هندسة الأزمة»، ووضعها ضمن واقع يجعل من الصعب رسم المنطقة ضمن مسارات تعيد سورية إلى موقع «العقدة» الجغرافية لشرقي المتوسط.
ورغم أنه من المبكر الحديث عن معركة الرقة، إلا أن التصريحات الأميركية المتزامنة من البطء في معركة الموصل تؤكد أمرين: الأول يرتبط بإعادة توزيع القوة في شرقي المتوسط، فالمسألة ليست خسارة جغرافية لسورية لصالة تشكيلات كردية أو غيرها، إنما فرض جغرافية تجعل من إعادة ترتيب المنطقة أمرا ممكنا، فالحدود السورية – العراقية أصبحت عمليا منطقة صراع خارج إطار سيادة الدولتين، وهي تخضع لتوزع إقليمي ودولي معقد؛ ما يسمح مستقبلا لإعادة رسم هذه المساحة من أجل إيجاد توازن بين سورية والعراق من جهة وتركيا من جهة أخرى، والاستفادة من «الأكراد» لضبط هذا التوازن الثلاثي.
الأمر الثاني يتعلق بإغلاق استراتيجية المنافذ البحرية، فأنابيب الطاقة وخطوط التجارة أصبحت رهينة التوازنات، وستخضع لاحقا لتسويات تمنع روسيا والصين من الاستفادة الكبرى بإعادة رسم نفوذ اقتصادي ضمن المنطقة الأوراسية عموما، فالتوازن الجديد في شرقي المتوسط كما تراه واشنطن معاكس للرؤية الروسية على الأقل في ضمان بعد جغرافي عميق نحو سواحل المتوسط، فموسكو التي تعزز حضورها في سورية؛ يمكن أن تجد نفسها ضمن شريط ساحلي يحمل في عمقه نحو الشرق «صراعات مستدامة» تديرها الولايات المتحدة بين الموصل والرقة.
عمليا فإن أي تحرك أميركي نحو الرقة يمثل مرحلة عزل للساحل السوري، ومحاولة إفقاده لأهميته كرابط بين آسيا وعمق أوروبا، وبالتأكيد فإن هذا الأمر يصعب الحفاظ عليه طويلا، لكن الطموح الأميركي يبدو في الضغط بقوة من أجل فرض توازناتها، وجعل شرقي المتوسط عموما منطقة يصعب استثمارها جيوستراتجيا نتيجة تشابك الصراعات، وهذا الأمر الذي يمكن أن يضر الكيان الإسرائيلي لكنه يدع له خيارات جديدة، ربما أهمها خروجه من التوازنات المضطربة للمنطقة، وتحييده فترة طويلة مع إمكانية رسم علاقات إسرائيلية – عربية مختلفة كليا عما عرفه الكيان منذ تأسيسه.
مهما كانت طبيعة الإدارة الأميركية القادمة؛ فإنها ستجد نفسها أمام واقع عسكري مرسوم عمليا باستراتيجية محاربة الإرهاب، وبرؤية البنتاغون لسير الصراع الذي يجعل من شرقي المتوسط «أحزمة» نار متتالية من أفغانستان وصولا إلى مدينة الرقة، وهي أحزمة تحاصر طموح أي محور جديد في التحرك وعلى الأخص إيران، أما معركة موسكو فهي أكثر حساسية لأنها تحارب هذه الأحزمة عبر نفاذها إلى النظام الدولي وليس فقط بالوجود العسكري في المنطقة.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن