قضايا وآراء

الأدوات الناعمة في السياسة الخارجية الأميركية بخدمة هيلاري كلينتون

| محمد نادر العمري 

قبل أيام قليلة من اجتياز الانتخابات الأميركية مرحلتها النهائية، تسارعت وتيرة التسريبات المتناقضة والمؤثرة بشعبية كلا المرشحين، والمتعلقة بإطار السياسة الأميركية تجاه سورية والمنطقة منذ عام 2010، حينما أعلنت وزيرة الخارجية الأميركية السابقة و«المرشحة» الديمقراطية هيلاري كلينتون تخلي الإدارة الأميركية عن الحرب الاستباقية وتبنيها الدبلوماسية الناعمة لتحقيق المصالح الأميركية في الشرق الأوسط بالتوازي مع بدء توسع إيقاع الاهتمام الأميركي بمنطقة جنوب شرق آسيا(بوابة الممر الإستراتيجي لقلب العالم أو ما يسمى أوراسيا).
وتكمن المصادفة الغريبة بمضمون وتوقيت تلك التسريبات بجانبين الأول: صلتها الوثيقة بـ«المرشحة» الديمقراطية، وإمكانية المنفعة في استثمارهما في المشهد الانتخابي من الجانب الآخر.
فتسريب موقع ويكليكس لوثيقة يحتويها بريد كلينتون الإلكتروني موجهة لمدير حملتها الإعلامية تتضمن علمها بقيام قطر والسعودية بتمويل «تنظيم «داعش» الإرهابي سراً، بالتزامن مع إعلان ما يسمى «قوات سورية الديمقراطية» عن اتفاقها مع الجانب الأميركي حول اكتمال الاستعدادات والتحضيرات لبدء معركة الرقة والتفرد بها، تأتي في سياق دعم فوز هيلاري كلينتون بالسلطة، ولاسيما أن ما تضمنته الوثيقة لم يأت بجديد، بل ثبتت مصداقية اتهام نائب الرئيس الأميركي «جون بايدن» منذ ما يزيد على عامين لحلفاء واشنطن بتمويل داعش الذي تقاطعت مصالحه مع مصالح الكيان الصهيوني بتقسيم المنطقة وإضعاف الدول المركزية فيها واستنزاف مقدرات جيوشها في العراق وسورية ومصر وفق تعبير مدير مركز بيغن للدراسات «افرايم أنبار» أثناء محاضرة له بجامعة بوسطن، الأمر الذي يوضح حقيقة حرص الكيان الصهيوني على إرسال السلاح لداعش عبر خليج جيهان التركي بوساطة من تسميهم واشنطن «المعارضة المعتدلة» الموجودين بذريعة تدريبهم في أنطاكيا وغازي عنتاب. كما يوضح حقيقة دور هذا التنظيم في سيناء من خلال استخدامه بكل عملياته الإرهابية منذ منتصف عام 2011 ضد مراكز الجيش والأمن المصريين، متفجرات وأسلحة تعود للمؤسسة العسكرية الصهيونية وفق ضبوط حكومية واعترافات عناصر وقيادات بعض التنظيمات الإرهابية وكان آخرها إقرار المدعو «أبو العز» أحد قادة جبهة النصرة في لقائه مع الصحفي الألماني(يورتن تودنهون) عن تلقي معظم «الفصائل المسلحة» المرتبطة بتنظيم القاعدة لمساعدات إسرائيلية وأميركية.
في حين يتناغم إعلان ما يسمى «قوات قسد» بالتوصل لصيغة تفاهم ودعم من قوات التحالف للتفرد بمعركة الرقة مع الترجمة الميدانية للإستراتيجية الأميركية الناعمة عبر إدارة توزيع الأدوار بين القوى الحليفة لواشنطن ولكنها في الوقت ذاته متباينة الأهداف وفي علاقة مستمرة من التصادم والخلاف، لذلك قد يشكل هذا الإعلان من حيث توقيته زخماً «سياسياً وإعلامياً» وعسكريا» يصب في مصلحة الرئيس الأميركي باراك أوباما قبيل انتهاء ولايته بمجال مكافحة الإرهاب على صعيد السياسة الخارجية ليضاف ذلك إلى بدء معركة تحرير الموصل والتوصل لاتفاق مع إيران حول برنامجها النووي وإعادة الدفء للعلاقة مع كوبا، الأمر الذي مهَّد لنجاح مرشحة حزبه الديمقراطي في معركتها الانتخابية، ويحرج الجانب الروسي من خلال السعي لدفع داعش من الموصل والرقة باتجاه دير الزور وجعلها مستنقعاً للقوات السورية والروسية أو إنهاء نفوذ الجيش العربي السوري وحلفائه في المنطقة الشمالية الشرقية من خلال تعزيز قوات التنظيم وزيادة هجماته على مواقع الجيش العربي السوري المتمركزة بالمدينة ضمن نطاق الصندوق المفتوح الذي تسعى أميركا لوضع قوامه ورسم ملامح خرائط امتداده ليصل الموصل شرقاً «بالرقة غرباً»، فضلاً «عن بذل الجهود الأميركية لإفراغ حسم معركة حلب من دمشق وحلفائها من مضمونها وأهميتها، والتقدم خطوة إلى الأمام قبيل انتهاء الاستعدادات السورية_الروسية لما بعد حلب لخلط الأوراق من جديد وعرقلة مفاعيل ما تم الاتفاق عليه خلال الاجتماع الثلاثي لوزراء الخارجية بموسكو.
الإدارة الأميركية تريد إخضاع المنطقة وفق أجنداتها وعبر وسائل سياستها الخارجية (التي تتراوح بين خيارين أحلاهما بطعم العلقم الخضوع لنشر الجيل الثالث من الإرهاب المنظم العابر للحدود أو دعم المجموعات التي تحمل إيديولوجية انفصالية أو كليهما معا») وهذه السياسة تم توظيفها لمصلحة ضمان وصول هيلاري كلينتون للسلطة، بدعم وتأييد من مراكز صنع القرار واللوبيات وشركات النفط والسلاح الكبرى التي تدار لتعزيز مقومات الأمن الإسرائيلي، وشرعنة تطرفه وعنصريته لبناء دولته المزعومة من النيل إلى الفرات.
كاتب وباحث في العلاقات الدولية

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن