قضايا وآراء

كيف تنظر الصين إلى الحل في سورية؟!!

| د. بسام أبو عبد الله 

انشغل العالم خلال اليومين الماضيين بالانتخابات الرئاسية الأميركية وهي مما لا شك فيه حدث عالمي ترقبه الكثيرون، ولكن الهاجس الأساسي لرئيس الولايات المتحدة القادم يبقى الصين التي تشير تقديرات الاستخبارات الأميركية إلى أنها ستصبح قريباً القوة الاقتصادية الأولى في العالم وأنها ستحافظ على هذا التفوق الاقتصادي حتى ما بعد عام 2030.
ولأن الصين تحولت إلى مارد اقتصادي كبير على مستوى العالم، فإنها بالتأكيد ستلحق هذه القوة الاقتصادية بالمزيد من النفوذ السياسي والعسكري، وبدور متصاعد في إيجاد الحلول لبؤر الحروب، والتوتر التي أنتجتها مرحلة الأحادية القطبية ما بعد عام 1991 مرحلة انهيار الاتحاد السوفييتي، وخاصة أنه لدى الصين مشروع اقتصادي كبير هو «مشروع طريق الحرير»، الذي يحتاج إلى دور فاعل أكبر على الصعيدين السياسي والدبلوماسي.
وإذا كانت الحرب على سورية قد تحولت إلى مركز اهتمام العالم أجمع، فإن الصين أبدت موقفاً واضحاً منذ بداية محاولات الولايات المتحدة، والغرب عموماً استغلال مجلس الأمن الدولي لتمرير قرار يشكل أساساً ومبرراً للعدوان على سورية، وجاء الموقف الصيني الصارم من خلال استخدامها لحق النقض (الفيتو) أربع مرات مع روسيا الاتحادية التي استخدمته خمس مرات، ويبدو واضحاً من هذا الموقف الصارم أن الصين التي كانت حتى تاريخ استخدامها أول «فيتو» في مجلس الأمن تؤمن بضرورة إيجاد حلول سياسية ودبلوماسية لقضايا النزاع في العالم، ولكنها بدت صارمة في ذلك الموقف انطلاقاً من قناعة مطلقة بأنه لابد من وقف هذه الاستباحة الأميركية- الغربية للقانون الدولي، وميثاق الأمم المتحدة، واستخدام مجلس الأمن كجسر لتحقيق الأهداف الجيوسياسية في الشرق الأوسط، والذي بدأ في «أفغانستان، العراق، ليبيا، وأخيراً سورية»، وخاصة أن تعزيز تحالفاتها الدولية ارتبط مع روسيا عبر منظمة شنغهاي، وعبر البريكس، وغيرها من التحالفات على صعيد آسيا، وإفريقيا، وأوروبا، وأميركا اللاتينية، وذلك لوقف منظومة الهيمنة الأميركية، وإنتاج منظومات بديلة في العالم تعيد التوازن للعلاقات الدولية.
علاوة على الفيتوات الأربعة فإن الموقف الصيني تجاه الحرب على سورية تطور كثيراً خلال السنوات الخمس الماضية، ففي حين كان كثيرون ينظرون إليه على أنه لم يرق إلى مستوى الموقف الروسي، لكن متابعة دقيقة له تظهر أن التنسيق كان قائماً مع موسكو فيما يخص سورية، وأن الصين طورت موقفها تدريجياً حتى عينت في 29/آذار/2016 مبعوثاً صينياً خاصاً إلى سورية هو السيد «شي شياو يان»، وأوفدت أحد كبار جنرالاتها إلى دمشق في رسالة دعم واضحة لسورية، وشعبها في مواجهة الإرهاب، كما قدمت دعماً اقتصادياً للحكومة السورية التي تطمح لزيادته نظراً للتحديات الكبيرة التي تواجهها بسبب منظومة العقوبات الأحادية الظالمة التي اتخذتها إدارة أميركا، وحلفها العدواني ضد سورية، ومن جانب واحد، وخارج إطار القانون الدولي.
المقاربة الصينية للحل في سورية أوضحها بشكل بارز المبعوث الصيني الخاص إلى سورية في مؤتمره الصحفي الذي عقده في بكين بتاريخ 4/11/2016، وعرض من خلال الرؤية الصينية للحل، والتي يمكن أن نلخصها في النقاط التالية:
1- ترى الصين أن القضية السورية هي قضية معقدة جداً، ومرتبطة بأطراف كثيرة، وتركت تداعيات كبيرة على صعيد الإقليم، والعالم: «قضية الهجرة والنازحين، صعوبات في المجال الإنساني، تهديد للأمن والاستقرار في المنطقة»، ولهذا لابد من حلول سريعة.
2- لا حل عسكرياً في سورية، وإنما الحل هو سياسي عبر المفاوضات وفقاً لقرار مجلس الأمن 2254، ومن دون أي شروط مسبقة «مثل طرح بعض أطراف المعارضة الخارجية قضية الرئاسة، أو محاولة فرض تصور أحادي الجانب للحل».
3- ترى الصين أنه لابد من محاربة الإرهاب من دون تمييز، وأينما وُجد، ولاسيما تلك التنظيمات الإرهابية المدرجة على لوائح الأمم المتحدة- بما فيها تنظيم داعش، وجبهة النصرة، وحركة تركستان الشرقية.
وفي هذا الجانب واضح أن الصين تدعم الدولة السورية في محاربة الإرهاب بكل أشكاله، وتخالف المقاربة الغربية التي تضلل حينما تتحدث عن «إرهاب معتدل» و«إرهاب متطرف»، كما أن الصين تشعر بقلق من تنامي أعداد الأويغور، وتلقيهم التسهيلات، والتدريبات والأيديولوجيا ليعودوا لاحقاً لتهديد الأمن القومي الصيني، والمصالح الصينية في مناطق العالم، وهي تعرف جيداً من يُعدهم لهذه المهمة، ولهذا تبدي الاستعداد للتعاون الاستخباري مع كل دول العالم لمواجهة الإرهاب بغض النظر عن مسمياته، وراياته، وأيديولوجياته.
4- تنطلق الصين من رؤيتها للحل السياسي من أن الشعب السوري هو من يقرر مستقبل بلاده، ويمكن للمعارضة السياسية أن تساهم في ذلك، وترى أن موضوع بقاء الرئيس أو رحيله هو من حق الشعب السوري فقط، وأن هذا الموضوع لا يجوز أن يكون ضمن شروط مسبقة للمفاوضات أو عقبة في طريقها (كما فعلت بعض أطراف المعارضة الخارجية المرتبطة بأجندات إقليمية، ودولية في جولات التفاوض غير المباشر السابقة).
5- تنظر الصين لدورها كعضو دائم في مجلس الأمن، وكدولة مسؤولة وعلى استعداد للعمل مع المجتمع الدولي لدفع العملية السياسية، وإيجاد الحل السياسي، وأنها سوف تعزز دورها في جميع القضايا الدولية، وقد احتفظت بقنوات تواصل مع جميع الأطراف المعنية بالملف السوري إضافة لتواصلها المكثف مع موسكو، وواشنطن، كما استقبلت أطرافاً سورية معارضة، وترى الصين نفسها ضمن هذا الإطار بأن موقفها متوازن، ويراعي مصالح جميع الأطراف «كما قال السفير شي شياو يان».
6- ترى الصين أن لا حل سريعاً للأزمة السورية، وأن الأمر يحتاج إلى نوع من الصبر، وإعطاء بعض الوقت للمفاوضات السلمية، ولجهود مشتركة من المجتمع الدولي، وبرأيها فإن حل الأزمة يمر عبر أربع خطوات:
– وقف لإطلاق النار.
– عملية سياسية.
– آليات مساعدات إنسانية.
– مكافحة الإرهاب.
وضمن إطار الدعم الإنساني كشف الموفد الصيني الخاص أن بلاده قدمت مساعدات بقيمة 450 مليون يوان، كما دعمت بعض دول جوار سورية التي تستضيف لاجئين سوريين.
يكشف العرض السابق لموفد الصين الخاص أن المسألة السورية بنظر بكين هي مسألة مركبة، وليست قضية داخلية سورية كما أراد الإعلام الغربي تصويرها، وأن ما يجري من صراع، وحرب على الأرض السورية هو جزء من حرب، وصراع بارد مع بكين، وموسكو كقوى دولية صاعدة بدأت تأخذ دورها، وتوسع نفوذها لحماية مصالحها، وبناء نظام دولي جديد يحترم ميثاق الأمم المتحدة، وقواعد القانون الدولي التي استباحها الغرب، وحول العالم إلى مراكز متنقلة للفوضى، وانتشار الإرهاب، وتدمير للدول الوطنية وللهويات الثقافية، وهو ما ترى فيه الصين خطراً على أمنها القومي، ومصالحها المتنامية في العالم، ولهذا فإن دعم سورية، وشعبها في مواجهة الإرهاب التكفيري هو أمر حيوي، واستراتيجي لأن انتشار هذا النمط من الإرهاب سيكون له انعكاسات في بعض مناطق الصين التي تضم مسلمين، وسيؤدي انتشار الايديولوجيا الوهابية إلى عدوى قد تجلب الاضطراب، وعدم الاستقرار للصين نفسها، أو مناطق مجالها الحيوي القريبة مثل آسيا الوسطى، أو أفغانستان، أو باكستان.
الإطلالة الدائمة على مواقف الصين تجاه سورية، والقضايا العالمية هو مهم، وضروري، لأن هاجس الغرب الذي يقض مضاجعه هو التنين الصيني الذي بدأ صدى صوته يتردد في أصقاع العالم، ومنها سورية، وصحيح أن كثيرين يطلقون على الصين لقب «التنين»، ولكن من يعرف هذا البلد، وحضارته، وشعبه يدرك أن هذا العملاق القادم ليس عدوانياً، ولا يؤمن بالهيمنة إنما يقول لك دائماً مبدأ «رابح- رابح»، وهو ما يحتاج العالم في المرحلة القادمة في ظل معادلة الغرب الدائمة تجاه شعوب ودول العالم النامي القائمة على «رابح- خاسر» وعلى «سيد، وتابع»، وهي معادلات بدأت تكسر وتحطم وستكون سورية البلد الذي تنطلق منه معادلات العالم الجديد.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن