قضايا وآراء

ماذا حدث في واشنطن وإلى أين..!؟

| عبد السلام حجاب 

لم يكن مستغرباً أن يوصف الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب، بأنه شخصية إشكالية، أثارت قلقاً وتحسباً وارتباكاً لدى الحلفاء قبل غيرهم سواء في أوروبا أو حلف الناتو أو أنظمة تابعة بحكم الدونية السياسية. وذلك ليس بسبب تاريخه السياسي غير المعروف، ولا لتصريحات انتخابية. أو مناظرات تلفزيونية خاضها أمام منافسته الديمقراطية هيلاري كلينتون. التي ودعت مؤيديها محبطة حزينة بدموع ماجت في عينيها الزرقاوين. بل بسبب خروجه عن المألوف في نمطية التفكير السياسي السائد حتى داخل بيته الجمهوري. عدا ما يخص الالتزام بدعم الكيان الإسرائيلي. وهو خط دأب من سبقه من الرؤساء الأميركيين، على استجدائه واللعب على مفرداته للوصول إلى كرسي الرئاسة. ما يحجز موقعاً اعتيادياً للوبي الإسرائيلي على طاولة صنع القرارات الأميركية.
وبصرف النظر عن مشاهد الاحتجاجات الرافضة لفوز ترامب التي من المرجح أن تستمر بصورة عفوية أو مبرمجة حتى موعد أدائه القسم بعد نحو أربعين يوماً أمام البيت الأبيض، فإن صدمة الفوز بمنصب الرئيس الخامس والأربعين للولايات المتحدة، وفشل منافسته الديمقراطية وآخرين في الداخل والخارج. لابد أن تخلف انعكاسات لاحقة ولا سيما في عدد من دول أوروبا التي تستعد لانتخابات ليست بعيدة زمنية. واضعة نصب عيونها السياسية معادلة الرئيس الأميركي المنتخب، ذات البعد الاقتصادي والسياسي وهي معادلة- السعر والمردود-.
أليس تاريخ ترامب يشهد له بناء ناطحات سحاب في مدن أميركية عدة. وفق رؤية اقتصادية عملية بأبعاد سياسية. ما حدا بنخب المال والاقتصاد والسياسة وقياداتها إلى أن تمنحه ثقتها بهدف تخليصها من الإرث الثقيل الذي حمله الرئيس أوباما وإدارته للبلاد ومحاولاته البائسة لاستعادة قطبية أحادية فات زمانها عبر عناوين ديمقراطية مضللة ووحيدة الاتجاه وشن حروب ناعمة وأخرى بقفازات معلنة وغير معلنة أداتها الرئيسية تجسدت بالإرهاب المعولم. فوضع العالم أمام تحديات صعبة تدفع به نحو شفير هاوية تهدد مخاطرها الجميع ولا تستثني أحداً.
لا شك بأن ما حدث في واشنطن، شكل صدمة سياسية إيجابية في مكان وسلبية في أماكن أخرى عديدة. ما يعني أن التريث منطقي في قراءة نتائج تلك الصدمة وتداعياتها. لكن ذلك لا يحول دون تلمس واقعية سياسية ينحو ترامب باتجاهها وهو ما يطرح أسئلة تفرضها معادلة السعر والمردود ومن بينها:
هل يمكن لخيارات ترامب الاقتصادية التي تساندها منظومة النخب الأميركية أن تسير بمعزل عن التوجهات السياسية الضرورية واقعياً ولا سيما ما يتعلق منها بحقوق الدول والشعوب السيادية في محاربة الإرهاب حتى القضاء عليه كي ينعم العالم بالأمن والاستقرار السياسي والاقتصادي. ويتحسب من تداعياتها آخرون راهنوا على نتيجة مغايرة..!؟
يبدو أن الحكم سابق لأوانه بانتظار دخول الرئيس المنتخب رسمياً إلى البيت الأبيض، وتشكيل طاقم إدارته. للتعامل مع العديد من القضايا العالقة والساخنة، سواء ما يتعلق بإرث التحالف الستيني الذي أنشأه أوباما بذريعة محاربة داعش الإرهابي والتنظيمات الإرهابية الأخرى أو ما يتعلق بالأزمة في سورية وتنفيذ قرارات مجلس الأمن الدولي ولا سيما القرار 2254 القرار 2253 الذي يجرم التعامل مع الإرهاب. ما يشكل اختباراً جدياً لتوجهات ترامب السياسية أمام مواقف دول فاعلة ومؤثرة في الصراع القائم والمحتدم مثل روسيا والصين وإيران ليس سياسياً فقط بل اقتصادي أيضاً وقد يصبح عسكرياً. ولعلها عوامل كامنة في خلفية فوز ترامب. حيث سقطت رهانات وفشلت تحليلات واستطلاعات رأي مسبقة الصنع. وتلعثم رؤساء ومسؤولون في حكومات دول غربية مثل فرنسا وألمانيا وبريطانيا. واضطربت بورصات كبرى ولا سيما في بلدان خليجية كالسعودية وقطر. والهم الرئيسي لهما مراقبة تداعيات معادلة ترامب- السعر والمردود- حتى إن المبعوث الدولي إلى سورية دي ميستورا حط رحاله في طهران محاولاً لملمة تداعيات الخيبة وجراح الإرهابيين.
لقد أعلن الرئيس المنتخب في تصريحات له تعقيباً على رسالة تلقاها من الرئيس الروسي بوتين وصفها بالرائعة. قائلاً: «لدي نظرة مختلفة عن الكثيرين بشأن الوضع في سورية. ونحن ندعم المسلحين هناك من دون أن نفهم من يكون هؤلاء. ولفت إلى أنه إذا هاجمت الولايات المتحدة الدولة السورية فإن هذا بنهاية المطاف يؤدي إلى قتال سورية وروسيا معاً ما يعني دعم داعش والإرهاب».
وليس بعيداً عن هذا السياق قال الوزير لافروف: «إنه لا يمكن بناء تعاون بين موسكو وواشنطن إلا على أساس المساواة واحترام الالتزامات مؤكداً إصرار موسكو على تنفيذ قرارات الأمم المتحدة واستئناف الحوار السوري- السوري من دون شروط مسبقة».
لعله لا غرابة أن يلتقي الرئيس أوباما مع الرئيس المنتخب ترامب في أول اجتماع بينهما في البيت الأبيض ولكنه من غير المؤكد ما إذا كان أعلمه أوباما بجدول أعمال حكومته السرية فوق الأرض السورية عبر أذرعها الاستخبارية المتعددة إرضاء لأطماع أردوغان العثمانية ومساومة رخيصة لأوهام تنظيمات كردية انفصالية. ما يضع معادلة السعر والمردود أمام الاختبار الحاسم الذي قد يضيف خيبة أمل إسرائيلية جديدة غير متوقعة.
واستنتاجاً يبقى السؤال إلى أين ستقود توجهات ترامب السياسية المقبلة، على حين أن أجندات ومخططات حكومة أوباما السرية قائمة ومستمرة على الاستثمار بالإرهاب والابتزاز السياسي والأخلاقي. بدليل إقرار البنتاغون اللجوء إلى مؤسسة استخبارية خاصة للعمل لحسابه داخل سورية ومحاولة أوباما تبييض صفحته وإدارته بإدراج محاربة بعض التنظيمات الإرهابية على مخططاته قبل أن يغادر البيت الأبيض!؟
ليس جديداً القول إن أميركا أكدت دائماً استخدامها الإرهاب ورقة ضغط سياسية ولا تمتلك إرادة التخلي عنها. ومن يعتقد غير ذلك فهو واهم. ما يعني أن أي حديث أميركي جديد لا يلبي حقوق السوريين السيادية ومحاربة الإرهاب حتى القضاء عليه، فإنه يبقى مجرد لغو ومقاربة لا تؤدي إلى مكان أمام صمود وتضحيات السوريين جيشاً وشعباً بقيادة الرئيس بشار الأسد. وهو ما يتطلب من الرئيس الأميركي المنتخب ترامب قراءته بعمق ومسؤولية تعكس حقيقة الواقعية السياسية، ومعنى التوجه الصحيح لمعادلة السعر والمردود التي أحدثت هلعاً سياسياً لدى كثيرين في الإقليم وخارجه.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن