ثقافة وفن

زكريا أحمد وعبقرية اللحن الأصيل

أنس تللو : 

في السادس من كانون الثاني عام 1896 وبعد وفاة واحد وعشرين طفلاً ذكراً، ولد زكريا أحمد وعاش، وكان نبيهاً جداً، ولعله لفرط نباهته طُرد من الكتاب، ثم طُرد من الأزهر… كان – والسياق هنا أن أقول مفتوناً – لكنها لا تعبر تماماً لذلك سأقول كان مجنوناً بالغناء، حتى إنه لم يمكث في مدرسة واحدة.. فقد ترك أهله وما زال يتنقل من هنا وهناك إلى أن قرر أن يكون مقرئاً، وغشي الندوات الأدبية التي ظهرت بعد الحرب العالمية الأولى، ومنها ندوة صالح باشا ثابت، حيث تعرف إلى عبد الحي حلمي، والشيخ يوسف المنلاوي، والشيخ المسلوب وأبو العلا محمد وبقي مع الشيخ درويش الحريري عشر سنوات، وتزوج من أخت زوجته في 20 / آب/ 1919.

ثم التزم الشيخ إسماعيل سكر، واشتهر صيته في البلاد، وجال مصر شرقاً وغرباً يستمع إلى كل أصناف الموسيقا ويهضمها… وأخذ مع الوقت يعرض عن الغناء الديني ويقبل على الطرب والموسيقا، حتى التقى سيد درويش وأم كلثوم في عام / 1918/… وكانت أم كلثوم آنذاك في بدايتها، فأعطاها موشحاً وطقطوقة… ثم اجتمعا في سهرة ضمت محمد القصبجي النجريدي وأبو العلا محمد… ومن تلك الليلة قال زكريا أحمد في مذكراته أنه أصم لا يسمع إلا صوتها، أبكم لا يتحدث إلا باسمها، فقد غدا مفتوناً بها (حب الفنان للحن الخالد)، وظل يردد بعد خصامه معها: (لها عندي وزة ولي عندها أربعون ألف جنيه).
وقبل أن يلتقي بأم كلثوم كان قد التقى سيد درويش عام 1916 وأعجب به جداً، وورث عنه زعامة المسرح الغنائي بعد موته، والقدرة الفائقة على التعبير التمثيلي في الموسيقا وغزارة الألحان، فقد لحن (مئة وسبعين لحناً)، كما ورث منه أيضاً صداقة العمر لبيرم التونسي، ثم استمرت العلاقة بين بيرم التونسي وبين زكريا أحمد، وتوطدت جداً، وحين مات بيرم التونسي حزن عليه زكريا أحمد حزناً شديداً وصل به الحزن إلى أن لحق به في اليوم الأربعين… أي في أربعين بيرم التونسي توفي زكريا أحمد.
كان صادقاً في عاطفته؛ عنيفاً في عداوته، حتى اتهموه بسرقة تراث سيد درويش بهتاناً وظلماً… أو حتى سرقة بعض الجمل اللحنية منه.
كان زوجاً مثالياً، كريماً وشهماً.
لحن زكريا أحمد ثلاثاً وخمسين مسرحية غنائية، منها:
ثلاث مسرحيات لفرقة زكي عكاشة.
أربع مسرحيات لفرقة منيرة المهدية.
سبع مسرحيات لفرقة عزيز عيد وفاطمة رشدي.
ثلاث مسرحيات لفرقة نجيب الريحاني.
مسرحيتان لفرقة صالح عبد الحي.
مسرحية لفرقة يوسف وهبي.
مسرحيتان للفرقة القومية.
مسرحية للمعهد العالي للموسيقا.
لحن أول فيلم غنائي مصري اسمه (أنشودة الفؤاد) مع المطربة نادرة، حتى وصلت ألحانه إلى اثنين وثلاثين فيلماً غنائياً، أهمها التي لحنها لأفلام أم كلثوم الستة، وداد- نشيد الأمل – دنانير- عايدة – سلامة- فاطمة، مع السنباطي والقصبجي.
وأهم ما نلمس في ألحان زكريا أحمد فن التصوير التمثيلي في اللحن.
تطوير الطقطوقة والدور
1- اللي حبك يا هناه 1931 أحمد رامي.
2- جمالك ربنا يزيده 1931 حسن صبحي.
3- أقولك ايمتى قلبك 1931 أحمد رامي.
4- الليل يطول ويكيدني 1931 حسين حلمي.
5- ليه عزيز دمعي تذله 1931 حسن صبحي.
6- ـ أكون سعيد لو شفتك 1931 حسن صبحي.
7- العزول فايق ورايق 1932 حسن صبحي.
8- مالك يا قلبي حزين 1932 أحمد رامي.

الدور
1- هو ده يخلص من الله.
2- يا قلبي كان مالك.
3- يللي تشكي من الهوى.
4- مين اللي قال.
5- ابتسام الزهر.
6- إيمتى الهوى يجي سوا.
7- آه يا سلام.
8- عادت ليالي الهنا.
9- ما كانش ظني في الغرام.
اشترك بيرم التونسي مع زكريا أحمد وغناء أم كلثوم في ثمانية عشر لحناً، اشتهر منها سبعة ألحان عظيمة هي:
حبيبي يسعد أوقاته ( 1942 )- الآهات (1942)- أنا في انتظارك (1943)- أهل الهوى (1944)- الأولة في الغرام (1942)- ـ الحلم (1946)- ـ هو صحيح الهوى غلاب (1960).
زكريا أحمد وبيرم التونسي صديقان لمدة خمسة عشر عاماً.. يجلسان مع بعضهما البعض كل يوم خمس عشرة ساعة. تصوروا هذه الحميمية الخلاقة المبدعة. اليوم لعله من أسباب تدهور بعض الأغنيات هو تلك الفجوة الكبيرة بين الشاعر والملحن والمطرب.
وقد لحن زكريا أحمد لمطربين آخرين مثل: عبد اللطيف البنا- صالح عبد الحي- منيرة المهدية- فتحية أحمد- بديعة مصابني- أسمهان- ليلى مراد- نجاة علي- ـ محمد قنديل- ـ نجاة الصغيرة- ـ نجاح سلام.
كان يؤثر إنضاج العمل الفني، وتروي المطربة زكية حمدان أنه عام 1950 كان ضيفها في بيتها بالأشرفية يحفظها يا حلاوة الدنيا، فلما حفظ الموسيقيون الأغنية مثل ما دونت بالنوطة جمع الأوراق، وقال: دلوقت نزيح النوطة ونعزف على المزاج.
بقي أن أذكر أن أم كلثوم وزكريا أحمد قد تخاصما، ولعل السبب في ذلك أن زكريا أحمد كان شفافاً ؛ أي صريحاً عفوياً سريع الغضب، في حين أن أم كلثوم كانت لها شخصية طاغية.
كانت الإذاعة المصرية آنذاك كلما تعيد عرض الأغنية تقدم تعويضاً مالياً للمطرب. وكانت أم كلثوم تقدم جزءاً بسيطاً للملحن زكريا أحمد، فاعترض على ذلك لكنها قالت إن العقد الذي بيننا لا يوجد فيه أكثر من ذلك. طبعاً هذا لا ينفي أن أم كلثوم كانت تملك وفاء أخلاقياً كبيراً ورقياً هائلاً. يشير إلى ذلك موضوع (الكرسي الفارغ).
قدم زكريا أحمد إلى أم كلثوم سبعةً وخمسين لحناً.
زكريا أحمد ليس إنساناً عادياً. إنه من الناس الذين لا ينجب الدهر أمثاله إلا كل ألف عام. يندر بهم الزمان ولعله من المؤسف أن أقول إن زكريا أحمد لم يخطر في باله أنه سيحتاج المال يوماً، حينما مات لم يجدوا لديه مالاً ليشتروا له كفناً، فاضطر الناس إلى جمع التبرعات من أهل الحي من أجل الدفن والتكفين.
الملحن أيضاً له أحاسيس. الشاعر ليس فقط الذي يكتب شعراً، الملحن أيضاً شاعر، لكنه شاعر صامت، شاعر لسانه الموسيقا؛ إنه يعكس أحاسيسه ومشاعره بألحانه. يخاطب المستمعين خطاباً من نوع آخر، وقد توفي في 14 شباط 1961.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن