اقتصاد

بوتين ينتصر لـ«غاز بروم» وينتقم للجغرافية السورية

علي هاشم : 

 

مع إعلانها تأسيس شركة روسية يونانية لمد أنابيب الغاز، حسمت روسيا إحدى أعنف معارك الدفاع عن «السيل الجنوبي» الذي سينقل غازها من مكامنه إلى جنوب أوروبا، تكتيتها الدفاعي في وجه الاستماتة الأميركية لقطعه عند كل حدود، ارتكز لما يشبه «تجزئة العقد» وتلزيمه على أجزاء لكل دولة يخترق الأنبوب أراضيها، فأضحى اسمه في تركيا «السيل التركي»، كما سيكون لليونان اليوم «سيلها» الخاص.
لسبب معلن، اختطف الأميركي أوكرانيا من الحضن الروسي قاطعا «السيل الجنوبي» عند شواطئ البحر الأسود، الدولة السوفييتية السابقة التي تنقلت بانتظام ما بين الحضنين الغربي والروسي خلال العقدين الماضين، تشكل حلقة وصل الأنابيب التي يرى الرئيس فلاديمير بوتين من فوهاتها حلقة الحضور الروسي التام في الفضاء الأوراسي بعدما يتلاقي «السيل الجنوبي» بتوءمه «الشمالي» الذي تتنفس من خلاله روسيا هواء أوروبا الشمالية من أسفل البلطيق.
في تشرين الثاني الماضي، ومع انتزاع «الثورة الأوكرانية» العميلة للغرب السلطة في البلاد، تلت بيانها الأول بوقف مشروع «السيل الجنوبي» الذي كان مخططا أن يمرر الغاز الروسي إلى بلغاريا- ومرورا بها- فصربيا وهنغاريا والنمسا وإيطاليا.. وكما استخدم صهاينة الغرب تنظيم القاعدة (عدو مصالحهم المفترض) لتقطيع أوصال ممرات الطاقة عبر سورية والعراق، كذا استعملوا في أوكرانيا (النازيين الجدد) الذين لطالما سوقوا عداوتهم لهم على خلفية (المحرقة).. استوعب بوتين الصدمة، ونقل المشروع بخفة جنوبا تحت اسم «السيل التركي»، وبعدها بأسابيع اعتلت حكومة ماركسية سدة السلطة اليوناينة فأضحت أنابيب الغاز الروسية سالكة مجدداً إلى أوروبا عبر تركيا فاليونان.
في الأسابيع الماضية، شهدت اليونان ماراتونا محموما من التصريحات حول ديونها.. قدم الأميركي- وبكل علنية- جزرة جدولتها وعصا دفع اقتصادها للانهيار إن هي مضت إلى تمرير «السيل الجنوبي»، تفرغت المفوضية الأوروبية تماما لنقل الخيارين إلى دولتها العضو!.. منتصف الأسبوع الماضي، ذهبت اليونان للتهديد بالخروج من منطقة اليورو، مظهرة نهائية خيارها الروسي الذي اتضح- بجلاء- نهاية الأسبوع..
انتصر بوتين في معركة أوكرانيا، لكن عبر اليونان وتركيا، إلا أن للحرب جبهات أخرى على شواطئ قزوين التي يسعى الأميركي لاستجرار غازه- بيلا للروسي- إلى أوروبا عبر أنابيب «تاناب» التي تفتقر للجدوى ما لم يتدفق عبرها غاز تركمانستان أو إيران.. الأخيرة لا تبدو متشجعة لتمرير الأنبوب عبر برها رغم تلميح سفيرها في أذربيجان الشهر الماضي بقبول (مناقشة الفكرة).
بقي غاز تركمانستان الذي يتطلب نقله مد «تاناب» عبر قزوين.. أمس الأول، هددت الخارجية الروسية علنا بأن (إنشاء أنابيب عابرة لبحر قزوين سيقوض الثقة بين الدول المطلة عليه).. الرسالة لتركمانستان طبعا.
حتى الآن، لجمت روسيا الأطماع الأميركية في معادلة أنابيب الطاقة عبر أوراسيا.. في سورية، حيث ذهب الغرب إلى تقويض حيويتها ضمن معادلة الطاقة بعد إخفاقه في الهيمنة عليها، تشكل مشاريع كـ«تاناب» شمالا أو تلك التي يزمع مدها جنوبا، إهمالا متزايدا لجغرافيتها.. وفق ذلك، يتمظهر «السيل الجنوبي» الذي ينهك جدوى المشاريع الأخرى الواصلة من الخليج والعراق إلى أوروبا كانتقام للجغرافيا السورية ممن سعى ومازال لحذفها من معادلة الطاقة.. لتبدو (مجددا) المصالح السورية معلقة- بطريقة ما- بالمصالح الروسية أكثر من أي مكان آخر في العالم.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن