قضايا وآراء

راغوزين في دمشق… ما الآتي؟

| مازن جبور 

زيارة نائب رئيس مجلس الوزراء في روسيا ديمتري راغوزين على رأس وفد يضم نواباً وزراء الخارجية والدفاع والتنمية الاقتصادية والطاقة والزراعة، لا تشكل حدثاً عابراً في طبيعة العلاقات السورية الروسية في ظل تطورات الوضع السياسي والعسكري السوري الحالي، والحضور العسكري الروسي في سورية، مع ما يحيط به من تبدل في الإدارة الأميركية.
إن توقيت الزيارة ليس أمراً عبثياً في ظل مجموعة التطورات المستجدة المرتبطة بسورية وأزمتها ويبدو أن أولها وصول الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى الحكم في الولايات المتحدة مع تصريحاته حول قضايا السياسة الخارجية، والأمن القومي الأميركي التي تشكل قطيعة مع الأسس التقليدية للسياسة الخارجية للحزب الجمهوري، مع رفعه شعار «أميركا أولاً»، وإعلانه أنه سيسعى إلى تقليل الوجود العسكري الأميركي خارجياً، انطلاقاً من أن حلفاء الولايات المتحدة يستغلونها عسكرياً، ولذا أعلن قبيل انتخابه أنه سيقوم بإغلاق القواعد العسكرية الأميركية غير الضرورية، وسيطالب حلفاء الولايات المتحدة التي توجد على أراضيهم قواعد أميركية بأن يدفعوا أموالاً مقابل حمايتهم، إضافة إلى وعده بالتقليل من التزام أميركا في حلف شمال الأطلسي «ناتو»، ومطالبته حلفاءها الأوروبيين بمضاعفة إسهاماتهم في الحلف. وتعد هذه المرة الأولى منذ سبعة عقود، التي يشكك فيها مرشح رئاسي في فائدة التحالفات الخارجية، والوجود العسكري الأميركي، اللذين يعدان أحد مرتكزات الإستراتيجية الأميركية.
الأمر الثاني في التطورات المستجدة والمتعلقة بسورية هو، إصدار الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أوامره للقوات العسكرية الروسية المساندة للجيش العربي السوري في عملياته لضرب التنظيمات الإرهابية والمسلحة لتوسيع عملياتها لتشمل ريفي إدلب وحمص في وقت واحد وما سبقه من نشر لمنظومات الدفاع الجوي الروسي إس 300 وإس 400 في سورية ووصول قطع حربية كبرى من الأسطول الروسي إلى الساحل الشرقي للمتوسط خلال الشهر الفائت والحالي، وما تتركه هذه التطورات من مدلولات وترسله من إشارات بأن الحضور الروسي في سورية لم يعد مقتصراً على الجغرافية السورية فقط.
الحدثان السابقان ترافقا بتأكيد روسي على العمل لتعزيز البنية التحتية لقاعدتي حميميم وطرطوس في غضون سنتين أو ثلاث سنوات، من خلال بناء مدرج ثان للإقلاع والهبوط، إضافة إلى توسيع المنطقة المحظورة في محيط حميميم وتحويل قاعدة طرطوس، إلى قاعدة متكاملة تابعة للأسطول الحربي الروسي، حيث أكد رئيس لجنة شؤون الدفاع والأمن في مجلس الشيوخ (الاتحاد) الروسي، السيناتور فيكتور أوزيروف أن هذا التطوير «ليس لأغراض محاربة الإرهاب فحسب»، وأن القاعدة بعد الانتهاء من تطويرها، ستصبح قادرة على استقبال سفن ضخمة، بما في ذلك السفن الحاملة للطائرات والغواصات الذرية.
عطفاً على ما سبق فإن راغوزين الذي استقبله الرئيس بشار الأسد أمس ليس رجلاً عادياً، ومهامه ودوره أكبر بكثير من مجرد نائب رئيس وزراء، فهو المكلف الإشراف على مجمّع الصناعات الحربية ودراسة وتنفيذ كل ما يتعلق بالحاجات الدفاعية لروسية، وحقق نجاحات واسعة في هذا الإطار ما رفع من مكانته وأمن له البقاء في مهامه حتى الآن، الأمر الذي أعطاه دوراً كبيراً مع ما يمتلكه من أسرار القوة العسكرية الروسية.
أهمية الرجل ودوره المنوط به دفع واشنطن وإسرائيل للسعي لمعرفة المزيد عنه، فالبيت الأبيض والإدارة العسكرية الأميركية يعتبرانه من أهم مسؤولي الحكومة الروسية، ووصفته مجلة «فوربس» الأميركية بأنه «زعيم صقور السياسة الخارجية الروسية»، وكل هذا جعل الإدارة الأميركية تدرج اسمه على قائمة العقوبات التي فرضتها على شخصيات روسية، وبات ممنوعاً من الدخول إلى الأراضي الأميركية وكندا ودول أخرى في الاتحاد الأوروبي، وتم الحجز على ممتلكاته في تلك الدول.
راغوزين، بيت سر القوة العسكرية الروسية، والمندوب الروسي السابق لدى «الناتو» ومؤسس حزب «رودينا»، ويعتبر أنه آن الأوان «لإعادة جمع أجزاء» الاتحاد السوفييتي السابق بعد 24 عاماً على إعلان استقلال روسيا، وأنه لا بد من سحق الإرهاب أينما وجد، ليشكل بذلك التلميذ النجيب لرؤية بوتين نفسه، ويبدو أنه مناسب تماماً للوضع في الشرق الأوسط عموماً وفي سورية خصوصاً.
حين يزور راغوزين دمشق، فهذا يترك إشارات ومدلولات لعمل عسكري كبير مع الجيش العربي السوري، لا بد أنه قادم، وقد يرسم ملامح الانتصار النهائي في سورية والمنطقة.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن