قضايا وآراء

حدة اشتباك قادمة

| مازن بلال 

في حدة الاشتباك على مدينة «الباب» السورية مشهد لبعض من التصورات حول الأزمة السورية، فأي معركة قادمة تبدو «غير محسوبة» دولياً لأن الطرف التركي ليس طرفاً فيها فقط؛ بل هو بوابة لكل التناقضات الإقليمية والدولية التي بقيت على امتداد سنوات الأزمة تنفجر بشكل غير متوقع، وتخلف تعقيدات إضافية في مواجهة أي سيناريو سياسي، فمدينة الباب محاصرة بامتدادات إقليمية ودولية عبر قوات مختلفة ابتداء من عناصر «سورية الديمقراطية» وانتهاء بأصغر فصيل مدعوم تركياً، إضافة لعناصر تركية غير قليلة موجودة على جبهات ومشتركة في المعارك مباشرة، في حين تبدو «داعش» في قلب المدينة قضية هامشية لأن المهم من سيسيطر على المدينة أولاً.
هذه المعركة تتحرك ببطء شديد من تركيا أو حتى الأكراد، فكل تقدم عسكري كان يرصد ردود الفعل الدولية ولكن الواضح أن الأطراف التي تحاول محاصرة نتائج الحرب في سورية غير قادرة على رسم سيناريو لفك الاشتباك في جغرافية ضيقة نوعاً ما لكنها تلخص التجاوزات الدولية والإقليمية العاجزة عن المشاركة في حل الأزمة؛ فهي تقودها نحو التعقيد وترتد باتجاه تصدع إقليمي مفتوح الاحتمالات، وإذا كانت دمشق مصرة على الدخول إلى مدينة فإنها في الوقت نفسه تدخل في معركة غير مسبوقة لأنها تحمل أمرين:
– الأول «ظرفي» لأن القتال يجري في مساحة دولية عائمة، فالإدارة الأميركية تنتقل من توجه إلى آخر، ومن دون وجود أي أرضية واضحة للرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب حول تفاصيل الموقف تجاه سورية حتى الآن، فهذا الظرف يوضح أن الجيش السوري يدخل معركة «سيادة» حقيقية في ظل احتمالات مفتوحة في الصراع على المدينة.
– الثاني مرتبط بالمواجهة المباشرة مع تركيا مع عدم توافر معطيات حول التحولات المرتقبة للموقف التركي، فأنقرة كانت بارعة خلال الأشهر الماضية في رسم ترتيبات إقليمية مفتوحة، سواء في علاقتها مع روسيا أم في إدارة خلافاتها مع الشركاء الأوروبيين، وفي معركة الباب هناك احتمال خطر في المواجهة بين دمشق وأنقرة باعتبارها بوابة للصراع مع حلف شمال الأطلسي، فالمعركة لن تكون على المستوى العسكري فقط بل مجال لإرباك في مستوى العلاقات في المنطقة كلها.
ضمن هذا التعقيد فإن ما يتسرب من أخبار عن لقاءات روسية مع الأطراف المشاركة في معركة حلب؛ تلقي الضوء على طبيعة المعارك التي تدور، فسقوط مدينة الباب بيد قوات غير سورية لن يؤجل الحسم في حلب بل سيصعد أيضاً من المعارك حول المدينة، وهذا الأمر لا تريده روسيا التي تسعى لإنهاء الاشتباك في حلب قبل تسلم الرئيس ترامب لمهامه، فموسكو التي تبدو في ظاهر الأمر بعيدة عن الاشتباك الفعلي على الأرض ربما تحاول تقليص احتمالات الانفجار في مدينة الباب، والسيناريو الذي سيحدث ربما سيكون نموذجاً مستقبلياً لمناطق إدلب تحديداً التي أصبحت على ارتباط عضوي مع الحدود التركية.
في الأيام القادمة سيتضح أكثر صعوبة المهمة الروسية، والدولية أيضاً، في السيطرة على تداعيات الأزمة السورية، ومعركة الباب ستخلق فصلاً واضحاً للقوات المتحاربة وستوجد فرزاً إقليمياً سيساهم في رسم ملامح التوازن في المنطقة الذي يتشكل على إيقاع المعارك على الأرض السورية.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن