قضايا وآراء

سيناريو تموز هل يتكرر؟

| عبد المنعم علي عيسى 

يقرأ التوتر البادي بوضوح على أداء وتصريحات المسؤولين الأتراك وفي الذروة منهم رجب طيب أردوغان انطلاقاً من حجم الضغوط الهائلة التي تتعرض لها أنقرة جراء تورطها في العديد من الجبهات الساخنة بدءاً من الجبهة السورية التي تحوي بدورها جبهة أخرى بداخلها هي الجبهة الكردية مروراً بالجبهة العراقية وصولاً إلى الجبهة الإيرانية، فالعلاقة مع طهران ليست على ما يرام ويشوبها العديد من الشوائب وهي تحتاج على الدوام لمتابعة لحظية لضبطها أو إعادة تصويبها تماماً كما كان مولود جاويش أوغلو (برفقة حقان فيدان) يحاول أن يفعل في زيارته الأخيرة لطهران 26/11/2016 التي يمكن عنونتها بماذا بعد حلب؟ أما العلاقة مع الأوروبيين فهي تمثل وجع الأوجاع وخصوصاً بعد ما وصلت في الأيام الماضية إلى ذرا لم تكن معهودة من قبل عندما صوت البرلمان الأوروبي 24/11/2016 على تجميد المفاوضات مع أنقرة الرامية إلى انضمام هذه الأخيرة إلى الاتحاد الأوروبي، الأمر الذي سيكون له العديد من التداعيات في المرحلة المقبلة وخصوصاً إذا ما أصر أردوغان –وهو الأرجح- على أن (يركب رأسه) فيذهب نحو المواجهة والتصعيد كخيار لاحتواء تداعيات السياسة الأوروبية تجاه أنقرة.
باستثناء العلاقة مع موسكو وتل أبيب فإن باقي علاقات أنقرة جميعها متوترة ولربما كان ذلك أرضية كافية لفهم تلك الحالات الهستيرية التي تشهدها الساحة السياسية التركية والتي كان آخرها تهديدات أردوغان التي أطلقها رداً على قرار البرلمان الأوروبي بفتح أبواب الهجرة أمام ثلاثة ملايين لاجئ إلى أوروبا وكذلك التصديق على أي قرار يمكن أن تصدره المحاكم التركية التي تنظر في قضايا المتهمين بالتورط في انقلاب تموز الماضي.
التهديدات التركية تمثل حالة ابتزاز سياسي إنساني تصيب الأوروبيين في مقتل حتى وإن كانوا قد حاولوا مواجهة تلك التهديدات بأعصاب باردة وبردة فعل هي أقرب ما تكون إلى عدم الاكتراث، فهم في العمق يخشون فعلاً أن يذهب أردوغان إلى تنفيذ تهديداته وإن كانت أغلبية رؤاهم ترجح أن يكون هذا الأخير عاجزاً عن تنفيذها تحسباً لردة الفعل الأوروبية التي ستكون باهظة التكاليف ولا قدرة لنظام أردوغان على احتمالها، وهي تبدأ بخيار فرض العقوبات على أنقرة التي ستكون- فيما لو أقرّت- ذات آثار مضاعفة في ظل حالة الانكماش التي يعانيها الاقتصاد التركي منذ ما يزيد على ثلاث سنوات ولا تنتهي بإمكان دعم خصوم الرئيس التركي في مواجهته.
كل ما سبق قد يشكل أسباباً كافية لتفسير ذلك التوتر الطاغي على الأعصاب التركية بشكل ملحوظ إلا أن لهذا الأخير دوافع أخرى خفية، فالتوازن الداخلي الهش الذي يدرك أردوغان أن رجحان كفته فيه بات طفيفاً، يمكن أن يؤدي في ظل السياسات الخارجية بالغة الاضطراب إلى استحضار سيناريو 15/7 مرّة أخرى وهو أمر ليس بمستبعد بل إنه يملك في هذه الآونة حظوظاً وافرة لكي يكون واقعاً على الأرض ولربما كان تشدد أردوغان في الاقتصاص من المتورطين بالانقلاب وإصراره على معاقبة حتى المتعاطفين الذين رُصِد منهم حتى الآن مئة ألف تمّ فصلهم من وظائفهم تحسباً لإمكان أن تشهد أنقرة انقلاباً جديداً على الرغم من أن تعاطياً كهذا مع مسائل حساسة من هذا النوع يعطي على الأغلب نتائج عكسية بمعنى أن الأمور ترتد على غاياتها فتندفع في الاتجاه الذي كان يخشى من أن تندفع إليه.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن