قضايا وآراء

إدارة ترامب وسورية

| مازن بلال 

لم يعد من الصعب تلمس ملامح التفكير الأميركي الجديد لشرقي المتوسط، فعناصر الإدارة الأميركية يظهرون تباعا ويقدمون صورة ستواجهها المنطقة للمرة الأولى، فالرئيس المنتخب ربما يقدم «جهازا» لا يوحي بحالة «الانكفاء» التي يريد البعض رسمها للسياسة الأميركية الجديدة، بل تشددا يوازي هوس الرئيس المنتخب بتقديم الولايات المتحدة ضمن هالة من «التميز» الذي يعيد ألقها، وربما يأتي تعيين وزير الدفاع الجنرال المتقاعد «جيمس ماتييس» ضمن هذا السياق، لأنه ينقل صورة عن نوعية «التورط» الذي يمكن للولايات المتحدة أن تنزلق إليه مع العداء الشديد لـ«ماتييس» تجاه إيران.
المشكلة الأساسية التي يمكن أن نواجهها أمام إدارة أميركية متصلبة تبدو في طبيعة تفكيرها في شرقي المتوسط، فالمسألة ليست في التشدد تجاه إيران بل في قدرتها على رسم سيناريوهات تخلق فراغات سياسية بين دول المنطقة، ونموذج «ماتييس» الذي قاتل في أفغانستان والعراق يوحي بأن التفكير الأميركي يذهب نحو أمرين:
– الأول هو التصور المسبق المبني على «العداء» المطلق لإيران، وهو أمر يقتضي بالدرجة الأولى فصل الأزمات بشكل مطلق وتفصيل «إدارة الصراع» في سورية بعيداً عن طهران، فالاعتقاد الذي يسود لدى عدد من صقور الإدارة المقبلة أن طهران استغلت وجود داعش للتغلغل أكثر في المنطقة؛ ما يعني أن مسألة تجزئة محاربة الإرهاب ستكون أساسية.
ضمن تصور أولي فإن محاربة الإرهاب ستكون مهمة أولية غايتها إعادة رسم العلاقات في المنطقة، وتحديد النفوذ بالنسبة للدول في هذا الموضوع؛ الأمر الذي يعاكس التوجه الروسي في مسألة «التحالف الدولي» لمحاربة الإرهاب، فهو تحالف انتقائي بالنسبة للإدارة القادمة وله سياق واحد يتعلق بمنع إيران من النفاذ إلى المنطقة، وبالتالي تحديد علاقاتها الإقليمية وعدم السماح لها بالتأثير الإستراتيجي في مجمل الصراع القائم.
– الثاني هو توزيع الأوليات الخاص بالإدارة القادمة، فرغم أن الكثير من التقارير تتحدث عن توجه يريد قلب معادلة «الأمن» الخاصة بالولايات المتحدة، ومنها أمن حلفائها الخليجيين، يبدو أن سيناريو هذا الأمر سينتهي داخل المنطقة رغم أنه موجه لزج الصين وروسيا في هذا الموضوع، فبعض الأطراف الأميركية ترى أن حماية الولايات المتحدة لدول الخليج تستفيد منه الصين، ولكن إلى أي مدى تستطيع واشنطن التخلي عن حلفائها من دون الإخلال بقاعدة الاستقرار العام في شرقي المتوسط؟
لا شك أن الإدارة القادمة ستذهب بعيداً نحو استقرار مبني على دفع الآخرين للانخراط بالأزمات، وبتولي مهام تقوم بها الولايات المتحدة للحفاظ على استقرار «السوق الرأسمالية»، ولكن هذا الأمر لن يتم من دون الإخلال العميق بمنظومة الشرق الأوسط وبشكل العلاقات التي تحكمها، فتوسيع دائرة التحول لتصل إلى دول الخليج أمر يمكن أن تستفيد منه سورية بشكل مباشر، ولكن في الوقت نفسه فإن رسم علاقات مختلفة الهدف منه خلق شلل عام لا يسمح بنظام تحالفات جديد لمحاربة الإرهاب، أو للتوازن في مواجهة «إسرائيل» سيؤدي لاضطرابات غير محسوبة وسيسمح أيضاً لخضوع المنطقة بالكامل لـ«صفقات» تميز حركة دونالد ترامب عموماً في صعوده السياسي.
إنجاز الاتفاق السياسي في سورية سيخضع ابتداء من شباط القادم لتجاذبات بين عقيدة الإدارة الأميركية الجديدة، ومذهبها في عزل الأزمة السورية عن محيطها، وبين حركة المنطقة كلها التي يبدو أنها تسير نحو حالة من جمع الأزمات وليس تشديدها، فالحرب على الإرهاب تحتاج لمفهوم في علاقات الإقليم ربما يتجاوز ذلك العداء المطلق لإيران، وهو عداء لا يتوافق أيضاً مع نظر دول الخليج لأنها على ما يبدو مشمولة بالنظرة الجديدة التي تريد أن تجعل أمنها مهمة دولية وليست أميركية فقط.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن