ثقافة وفن

المركز الوطني للفنون البصرية… فضاء سوري لجميع الإبداعات الفنيّة … غياث الأخرس لـ«الوطن»: المركز مفتوح لكلّ الشباب لكننا نراعي شرط الجودة فلا نعيد إنتاج المُنتج

| عامر فؤاد عامر

يعدّ رائد فنّ الحفر المطبوع في سورية، وهو الأبّ الحقيقي لانتشار هذا الفنّ وتدريسه وإطلاق الأسماء التي عنيت بهذا الفنّ وعملت في ميدانه. درس في مصر وفرنسا وإسبانيا، وتفرّغ لهذا الفنّ في سورية منذ أكثر من نصف قرنٍ من الزمن. فكان رئيس شعبة الحفر والطباعة ما بين عامي 1964- 1978 في كليّة الفنون الجميلة في دمشق. الفنان «غياث الأخرس» صاحب التجربة الغنيّة في فنّ الحفر تقنيّاً وتعبيريّاً، المتابع لكلّ تطوّرات هذا الفنّ في عالمنا، وصاحب البصمة الخاصّة في لوحته التي اهتمّ من خلالها بواقع الإنسان السوري والعلاقة مع بيئته، فجمعت لوحته بين تطوّر فنّ الحفر عالمياً، وبين الخصوصيّة السوريّة، وهي حكاية يمكن ملامستها منذ ستينيّات القرن الماضي وإلى يومنا هذا. من مميّزات لوحة الفنان «غياث الأخرس» أيضاً أنها متناغمة برموز الحضارة السوريّة ففيها من حضارات وادي الرافدين، وفيها من معلولا، ومن البيت الدمشقي، ومن لغة الأمل الخاصّة بالإنسان السوري، وفيها حكاياتٍ لونيّة تدرّجت من الأبيض والأسود إلى الألوان المُدهشة، وآلية استخدامها في المكان والزمان المناسبين. ما يميّز لوحته أيضاً محافظتها على أصالتها، وعلى جماليّتها، من دون التأثّر بالتوسّع التكنولوجي، الذي غزا الفنون كلّها ولاسيما فنّ الحفر. واليوم يشغل الفنان «غياث الأخرس» إدارة المركز الوطني للفنون البصريّة في دمشق، ويعمل على تقديم فضاءٍ سوريٍّ يحتمل كلّ أنواع الفنون ليتسم بأفق عالمي يقدّم كلّ اللغات الراقية من خلالها، وعن هذه التجربة يحدّثنا في هذا اللقاء.

المركز الوطني للفنون البصريّة

تحتاج الحركة التشكيلية، والثقافيّة إلى معارض، وحوارات، وندوات، تتناول مختلف العناوين التي يضعها الواقع الفنّي أمام الثقافة والفنّ. وهنا لا بدّ لها من فضاء عصري لائق يستطيع استضافة النشاطات المتنوّعة من صالات عرض، وورشات عمل فنيّة، ومسرح للقاء، والتحاور، والندوات حتى يستطلع العمل دروب المستقبل الثقافي. يتجسّد هذا الفضاء المتنوّع الإمكانات في بناءٍ نُفِّذَ ضمن الشروط التقنيّة الدوليّة المتعارف عليها، والمعتمدة في إنشاء صالات العرض الوطنيّة الكبرى «إنه المركز الوطني للفنون البصريّة».

تعريف
بدأ العمل على تنفيذ المشروع في العام 2008 وانتهى في العام 2010 ونال الشخصيّة الاعتبارية في المرسوم رقم 2 الصادر في العام 2011 ويعدّ هذا المركز أكبر، وأحدث مركز تخصّصي في الشرق الأوسط، ويضم صالات عرض بمساحة 1300 متر مربع، وقاعة لورشات العمل بمساحة 900 متر مربع، يقام فيها مختلف أنواع الورشات الفنيّة من نحت، وحفر، وتصوير زيتي، وفوتوغرافي، وفنّ البصريّات. وقد صُمّم المركز لاستقبال كل أنماط الفنّ التشكيلي، والأعمال التركيبيّة، والعروض البصريّة، والمعارض المتحفيّة، والمجموعات الدوليّة، وكلّ ذلك يساعد في منح الصفة العصريّة للمنتوج الثقافي التشكيلي الفنّي محليّاً، وعربيّاً، ودوليّاً، والنهوض بالمستوى التشكيلي في ثقافتنا الراهنة.

كيف أُحدث المركز الوطني للفنون البصريّة؟
كان المكان عبارة عن مدخل لكليّة الفنون الجميلة في دمشق، وكان قاعة كبيرة وواسعة ومهملة، ولا فائدة من كلّ هذا الكبر والاتساع. وفي أحد مشاريع التخرج للطلاب في الكليّة، دُعي السيّد الرئيس «بشار الأسد» وعقيلته، لحضور هذه المناسبة، وكانت عروض التخرج مُنسّقة في هذا المكان، وبالتالي كان هناك ملاحظة بأنه لماذا لا يقام مكان خاص بعروض التخرج أو صالة تتناسب مع هذا الأمر، ومنحهم السيّد الرئيس الإجراءات المناسبة والميزانيّة المطلوبة لإنجاز صالة كهذه. وهنا سأذكر أمرين بأنه يمكن إيجاد معماري يستطيع بناء «فيلا» لكنه لا يستطيع أن يبني برجاً، أو متحفاً على سبيل المثال، وهناك معماري يستطيع أن ينظّم عمارات كثيرة وكبيرة، لكنه لا يستطيع وضع لمسات خاصة لـ«فيلا» واحدة، فالاختلاف موجود في الرؤية الثقافيّة وهو أمرٌ طبيعي. طبعاً بدأ العمل في كليّة الفنون الجميلة لإنشاء مثل هذه الصالة، طلب مني أن ألقي نظرة على المكان وإبداء الرأي في العمل المُنجز. زرت المكان وكان فيه نحو 20 شخصاً، وتفحصت العمل المُنجز ثم بعدها سافرت إلى فرنسا، وهناك فكرت كثيراً في هذه الخطوة، ومنحتها بعدها الثقافي الشامل والمهني، من حيث صالة عرض لها هدفها، ثم أرسلت تقريراً حول ذلك كله، وكان هناك فاصل زمني ما بين شهرين أو ثلاثة أشهر، ولدى عودتي من السفر تلقيت اتصالاً بتكليفي إدارة المكان من حيث التصميم والإشراف والجامعة هي المسؤولة عن كلّ ذلك.

ما رؤيتك الخاصة لهذا المكان وما الخصوصيّة التي وجدتها في إقامته؟
رؤيتي كانت مختلفة عما أُرسل إليّ، فقد كان المخطط شيئاً، وبعد التفكير في المشروع أصبح شيئاً آخر، فلا مثيل له في منطقة الشرق الأوسط ككل، وذلك من حيث الشكل والمضمون. فلدينا مساحة 1300 متر مربع مفتوحة، وبدأت بطرح المشروع من ثلاث زوايا هي «المكان أو الفضاء، واللوحة والإنسان»، وبنيت الفضاء كله على هذا الأساس، وبآن واحد كيف يمكنني تحريكه في معرض أو اثنين أو ثلاثة، وذلك لكسب مساحة أكبر، وفي الطابق السفلي، كان هناك مكان كبير مهمل، فعملتُ على تنظيفه واستخدامه ليكون مكاناً لورشات العمل الفنيّة، والمكان بمساحة 1000 متر مربع للورشات في 6 أنواع من الفنون في اختصاصات غير موجودة حتى في أوروبا، ولا أميركا، ولا في أي مكان في العالم. هذا ليس كلاماً في الهواء بل حقيقة موجودة. فمثلاً التصوير والنحت والحفر والتصميم والإعلان وغيرها من الفنون يمكن أن توجد كلها معاً من دون أن يضايق شخص الآخر. ومنذ إنشاء المركز وإلى اليوم تجاوزنا الثمانين ورشة عمل. والرؤية العامة للمكان، هي أن يُمنح الشباب المكان الخاصّ بهم، للعمل والتدريب، وبمساحة حرّة، فيها الحوار والعمل والمنافسة، وفي النهاية خلق شاب مبدع حرّ، وهكذا كان، فالحوارات مستمرة بيننا وبين هؤلاء الشباب في جوّ متناغم وفي فضاءٍ واحد.
في العام 2008 عملت كثيراً على تقديم الدراسة، من أجل تأهيل الأماكن الخاصّة بالعروض الفنيّة، لتكون كما يجب، وضمن المواصفات والشروط العلميّة والفنيّة المطلوبة. فقد كنت أفكر أن استجلب من متحف الفنون الحديثة من باريس مجموعة من المعروضات الفنيّة لعرضها في احتفاليّة دمشق عاصمة للثقافة، ولكن لم يتمّ هذا المشروع للأسف، لأنهم أرادوا إرسال مختصيّن لدراسة شروط الأماكن التي سيتمّ عرض هذه المعروضات فيها، وهي أعمال ذات قيمة وتحتاج إلى حرارة محددة، ولكن في الحقيقة كنا لا نمتلك أبداً متاحف أو أماكن خاصّة لمثل هذه المعروضات، بمواصفات علميّة وفنيّة، فتمّ إلغاء الموضوع كلّه، ومنذ ذلك الحين وضعت الفكرة في البال. عند انتهاء العام 2008 جاء تكليفي بإنشاء المركز والإشراف عليه، فقررت أن أقدمه بمعايير دوليّة، من حيث الرطوبة والحرارة والإضاءة ونوعيّة الإضاءة المُسقطة على اللوحة، ومن حيث التصوير من الكاميرات الداخلية والخارجية، بحيث حتى لو لمس زائر لوحة ما يتم إرسال إشارة صوتيّة تفيد بهذا الأمر، ولاسيما أننا هنا كثيراً ما نلاحظ رغبة الناس بلمس اللوحة أو المجسم حتى من دارسي الفنّ أنفسهم. مع أن هذا الأمر غير وارد في بلاد أخرى ولا يجوز أصلاً. وأي صالة فنيّة موجودة اليوم في أوروبا تكون مكتملة بكلّ هذه المعايير، ولذلك أشير بأن المركز مجهز بكلّ هذه الأمور التي هي غير موجودة في الشرق الأوسط كلّه. وبالتالي كان مشروع المركز ليس عبارة عن صالة أو غاليري للعرض فقط بل هو مكان يحمل بعداً ثقافيّاً عاماً متعدد النشاطات الثقافيّة والفنيّة. ما بين المعارض وورشات العمل والندوات الحواريّة التي تحتضن العناوين الساخنة، والمسرح ونشاطاته والموسيقا والحفلات والنشاط السينمائي، وكلّ الأمور مرتبط بعضها بالبعض الآخر ضمن جو ثقافي متكامل. فهناك أفلام وعروض متحركة ليست كالصالات التقليديّة، وورشات في العمل السينمائي، وعرض للسينما التجريبيّة للشباب، والمسرح لدينا هو مسرح تجريبي وشبابي ونقدي وغيره، إضافة للتعاون مع جميع المؤسسات التي تعنى بارتقاء الحالة الفنيّة وتنظيمها في سورية كدار الأوبرا مثلاً.

لنتحدّث عن زيارة الوفد الفرنسي إلى المركز؟ وما نتائج هذه الزيارة؟
زارنا الوفد البرلماني الفرنسي المكوّن من 35 شخصاً، وبينهم كتّاب وسياسيون ونقّاد وصحفيون، ومعهم 6 وكالات أنباء، وكانوا مندهشين، وعندما زاروا ورش العمل في الطابق الأرضي دُهشوا أيضاً، وقالوا إنه لا يوجد ذلك في فرنسا كورش عمل بهذا الحجم!
امتلك أحد أعضاء الوفد الفرنسي الذي زارنا معلومة مسبقة عن المركز الوطني، فسعى لزيارة المركز مع الوفد، وكانت النتيجة دهشة واضحة على وجوههم جميعاً، فهناك ضياع حتى في إمكانية حصر المكان بتسمية مركز أو متحف أو صالة عرض أو غيرها، وتزامنت الزيارة مع إقامة معرض فني فكان اندهاشهم نابعاً من أن هناك حركة تشكيليّة فنيّة بعيدة عنهم، وقد دخلوا إلى فضاء ثقافي يهمهم ويشبههم، وليس زيارة آثار قديمة تخصّ المكان، وسألني رئيس الوفد «مارياني» متى بدأتم العمل في هذا المركز، فأجبته: «تماماً مع بداية الحرب».
وقد ازدادت الدهشة أكثر، فعلى الرغم من قيام الحرب كان المركز قائماً بنشاطاته المتنوعة والكثيرة. عاد الوفد إلى فرنسا وأرسل لي 4 فيديوهات تمّ عرضها على القنوات الفرنسيّة من لقاءاتهم، بكلام جميل عن سورية وعن هذا الصرح الثقافي الفني، وكنت آمل أن نترجم هذه الفيديوهات ونعرضها هنا في سورية.
تأتي أهمية هذه الزيارة كوننا في حرب، وزيارة هذا الوفد له أبعاد ممزوجة ما بين ثقافية وسياسيّة، وأيضاً هناك موانع اقتصاديّة من نشوء مثل هذه المشاريع في أوقات الحرب، وبالتالي كانت هذه الزيارة مهمّة ومنتجة. ويبدو أن من نتائجها هو التحضير لزيارة جديدة إلى سورية، وذلك بسبب الطابع المهم الذي أخذوه عن زيارة المركز الوطني للفنون البصريّة.

هل تعتقد بأن مثل هذه الخطوات ستلغي القطيعة التي تمّت بين سورية ودول مهمّة مثل فرنسا وغيرها؟
القطيعة أثّرت على الناس كثيراً، وقد تحدّثت أثناء الجلسة الحواريّة مع الوفد الفرنسي في هذا الشأن، وقلت على سبيل المثال أن هناك قوانين صارمة بمنع أي شيء يرسل إلى سوريّة، حتى الأدوات الفنيّة! ولذلك تم ارسالها إلى لبنان، وبالتالي كانت النتيجة تأثّرهم معنا، ما جعلهم يقترحون علينا أن نكتب قائمة بكلّ المواد التي يحتاجها المركز، كي يرسلوها إلينا مباشرة من فرنسا إلى سورية، وبالتالي هذه نقطة جيدة لتوضيح ما تفعله القطيعة بالثقافة والشعوب.

لماذا لا يتمّ تسليط الضوء على نشاطات المركز على الرغم من إقدامكم على ذلك؟
على الرغم من النشاطات الكثيرة في المركز، وزيارة الناس للمكان بصورة مكثّفة، إلا أن هناك سبباً أساسياًً في عدم انتشار الصورة التي تليق بالمركز، فنحن كإدارة نعمل بهدوء واجتهاد على كلّ النشاطات في المركز ولا نحتاج إلى صورة زاهية فاقعة عما نقوم به، بل لدينا ثقة بأن العمل الجيد سيذهب بصيته إلى كلّ الأرجاء.

هناك نقطة أخرى بأنه حتى الظهور على الشاشات كان قليلاً جداً، هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى لا أجد تعاوناً واضحاً من الجهات الإعلاميّة حول النشاطات التي يقوم بها المركز. ولا أعلم لماذا؟!
أمّا عن الجو التشكيلي والجغرافيّة التشكيلّيّة فقد باتت معروفة لدينا بالشلليّة والمصالح، وقد حوربنا كمشروع كثيراً، وتمّ التعتيم على نشاطات مهمّة للغاية. لكن لا يهمني اليوم أن أفتح جبهة صراع حول هذا الأمر بقدر أن أفتح الباب أمام مزيد من الشباب ليتعلّموا ويصقلوا مواهبهم في هذا المركز، وما يهمني أن يشتغلوا ويقدموا نتائج مهمة، وأيضاً النمو بهدوء والابتعاد عن السرعة والاستعراض.
بدأنا على مهل في معرض افتتاحي، وتعبنا كثيراً حتى أقيم، فالظروف صعبة جداً، وعملت على تكبير دائرة الشباب، ليكون لدينا أصدقاء للمركز دائمون، وعملنا صفحة مدهشة عن المركز في موقع الفيسبوك، وانتشرنا قليلاً من دون الاتكال على الدعائيّة. وعندما زار الوفد الفرنسي سورية كانت الصحف والكاميرات تتنقل معهم في كل مكان إلا في المركز الوطني للفنون البصرية! فلم ألحظ وجود إلا مراسل وحيد من وكالة سانا. ولم يتمّ تغطية الحدث كما يجب.
الجو الفني التشكيلي حمل محاربة لنا، فالمركز فيه رؤية حرّة ولا اعتبار للمناصب والألقاب لدينا، وهذا لا يلتقي مع أهداف المركز، ولا يمكن إذا اتبع المركز هذه الخطوط أن يحمل علاقة جدليّة تطويريّة خاصّة بالمركز وتخدم الوطن. وهناك قسم من الفنانين التشكيليين في البلد أخذوا موقفاً من المركز ولم يعرضوا لدينا أبدا، وهم راهنوا أن المعارض لدينا ستفشل، لكنهم دهشوا في معرض الافتتاح المُقام في تشرين الثاني من العام 2015 وحمل فنانين شباب كُثراً، وزارنا جمهور كبير، وأرسلت دعوات لكلّ المنابر الإعلاميّة لكنني لم ألحظ وجود إلا جهتين منهما فقط. هذا الأمر تكرر كثيراً حتى على صعيد مؤسسات كثيرة منها جامعة دمشق ولا أعلم سبب عدم الحضور.

اليوم حق العرض والمشاركة في الورشات مفتوح للشباب، ولكن ما النوعيّة التي يمكن أن تشارك في المركز الوطني للفنون البصريّة؟
المركز مفتوح لكلّ الفنانين، ومفتوح لكلّ القطاعات الثقافيّة، ولكن في الشرط أو المعيار الأول لا بدّ أن نراعي «الجودة»، فلا نريد إنتاج ما هو منتج سابقاً. وهذا ما يعتني به المركز وشخصيته في النوعيّة التي يراعيها، فالموضوع لدينا ليس إعادة إنتاج ما أنتجه الآخر بل نبحث خلال ورشة العمل على ما أنتجه الشباب، فإذا كان هناك شباب غير موهوب في الورشة «ولاسيما طلاب السنة الرابعة من كليّة الفنون الجميلة»، لا يتاح لهم العمل في الورشات من جديد، والسبب في ذلك أن المركز ليس تعليمياً، بل تحريضي ويحمل استفزازاً ايجابياً بين الند وندّه الآخر، وهكذا يمكن إنتاج شيء جديد، وليس الأمر متاحاً للاستعراض والكلام فقط، بل وجود مواضيع تثير المنافسة، وتحرض الشاب على العطاء. ولذلك يهتم المركز بالنوعية. وقد جاءنا عرض من النمسا ليتعاون معنا في ورشات العمل، وكذلك من كليّة الفنون في ألمانيا، وهذا بسبب انتشار سمعة العمل لدينا، والهويّة البصريّة في المركز خارج الوطن، وهذه الثقافة غير محتكرة على فئة أو نوعية محددة بل هي للجميع، ولها معاييرها.
من يوم الافتتاح إلى اليوم ما النشاطات التي قدّمها المركز؟
بعد الانتهاء من تأسيس المركز في عام 2011 لم يكن المركز مؤهلاً بالموظفين، فقد كنت أنا والمحاسب فقط، بعدها تأخرنا مدّة عامين ريثما يظهر النظام الداخلي من رئاسة مجلس الوزراء، ونشره في الجريدة الرسميّة، وبالتالي هذا الأمر لا بدّ أنه حمل مزيداً من التأخير لانطلاق المركز بنشاطاته، لكنني أخذت على عاتقي مسألة إقامة 48 ورشة عمل، فالمركز له صورة حضاريّة. لكن بعد ذلك استمرت ورشات العمل لتحوي كلّ واحدة منها مايقرب من 50 شابّاً والمواد على حساب المركز من حيث التكاليف حيث لا يدفع الشاب المُشارك أي شيء، وتكون الورشة تحت إشراف الأساتذة، ليكون هناك حوار فنّي حقيقي.
تم اقتناء 70 عملاً من أعمال الشباب تمّ عرضها في يوم الافتتاح في نهاية 2015 وبعد الافتتاح أصبح لدينا كعدد أكثر من 75 ورشة عمل. وبدأت التحضيرات لكثير من النشاطات والمعارض والندوات الحواريّة حول الحركة التشكيليّة، وحفلات الموسيقا مع المايسترو «ميساك باكابورديان»، والمايسترو «عدنان فتح الله» وغيرهما، وحوار بين كلّ شباب ورشات العمل، وأين وصلنا، وكثير من النشاطات الأخرى، ولدينا معرض حول الأفيشات للمعارض في سورية، من أيام معرض دمشق الدّولي إلى اليوم. ولدينا عرض لقطع الآثار المسروقة التي تمّ استرجاعها، وذلك بالاتفاق مع المتحف الوطني مع شروحات عن الأمر، وعملنا عليه مع الدكتور «مأمون عبد الكريم» مدير عام مديرية الآثار والمتاحف.

ما النشاطات القادمة التي تحضرون لها أيضاً؟
معرض للشباب نحو 60 شاباً لأعمالهم الفنيّة وبانتقاء نوعي. والسماح لمن لم يعمل في ورشات العمل التي أقامها المركز وخاصّة للشباب من المحافظات الأخرى، الذين لم يتمكنوا من القدوم إلى دمشق. وهناك نشاطات أخرى في التعريف عن المركز، فقد انتشرنا خارج الوطن أكثر مما انتشرنا داخله. فثقافة العمل الجماعي غير متوافرة لدينا اليوم مع كل آسف.

كيف تنتقي موظفيك اليوم في المركز؟
لدينا ملاك إداري بعدد 33 موظفاً، لكنه ملاك غير كامل بسبب عدم توافر الموظف المناسب للمركز، فأنا أريد شباناً وشابات يكبرون مع المركز ويشعرون بالانتماء الحقيقي له، ويكونوا حريصين على برامج العمل فيه، وقد انتقيت قسماً مهماً من الموظفين الجيدين، وأنا حذر جداً في هذه المسألة، لسبب هو أن يكون الموظف خريجاً من كليّات الفنون أو قريباً من الفنون، حتى يستطيع الانسجام مع العمل ولا يشكّل حالة غير متوافقة مع زملائه، واليوم الجميع في المركز هو من هذه الصبغة، بالتالي هناك اعتناء بهذه المسألة، والنتيجة التي أراها اليوم جيدة، بسبب هذه الدّقة في الانتقاء، فكنت وما زلت مصرّاً على هذه النوعيّة. والمركز له شخصيّته الحرّة الاعتباريّة المستقلّة إداريّاً وماليّاً، والمركز داعم لكليّة الفنون الجميلة، وليس فقط نشاطه يتمحور في العرض وورشات العمل؛ بل في دعم طلاب كليّة الفنون الجميلة. وهو كتلة واحدة مع كليّة الفنون.

إلى أين تطمح في ارتقائك بالمركز؟
لا يوجد اليوم مكان ثقافي يجمع المسرح والمعرض والموسيقا وغيره؛ كما يجمعه المركز الوطني للفنون البصريّة. إضافة لنوعيّة الندوات الحواريّة، فهي ليست محاضرات وحسب فالمحاضر والجمهور يتحدّثان معاً. ولدينا اليوم 30 ندوة نعمل من خلالها على حركة فكريّة في مواضيع مهمّة، تخص الفنّ التشكيلي، والنشاط الثقافي، والابتعاد عن الشلليّة والفرديّة، ويسعى المركز إلى إعلاء أهداف المركز في لغة تعاون بعيداً عن الأنا والذاتيّة، وهذا الأمر يحتاج إلى هدوء حتى يكبر وينمو. ولدينا ورشات عمل تخص الأطفال وتعتني بمواهبهم. وهناك مجموعة من المؤسسات تتواصل معنا بهذا الشأن. وهناك ورشات عمل قادمة سيشترك فيها أشخاص من دول عربيّة وأجنبية.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن