قضايا وآراء

فراغات الضعف وخطوط القوة في مجلس الأمن..!؟

| عبد السلام حجاب 

لاشك بأن الفرق شاسع وخطير، بين مبدئية سياسية تستند إلى مبادئ القانون الدولي وأحكام قرارات مجلس الأمن عند التعامل مع القضايا والأزمات الساخنة، ومحاولات تسييس تلك القضايا والأزمات القائمة على كتف الإرهاب والاستثمار فيه.
ولعل هذا ما أظهرته بوضوح جلسة مجلس الأمن الطارئة التي انعقدت تحت عناوين «إنسانية» بطلب فرنسي وتبنّ بريطاني واحتضان أميركي.
وحسب مراقبين، فقد جاءت على وقع الفاجعة التي أصيبت بها دول غربية وإقليمية في تحالف واشنطن داعمة للتنظيمات الإرهابية، وفق أجندة أميركية، جراء استعادة الجيش العربي السوري بزمن قياسي مناطق واسعة من الأحياء الشرقية لمدينة حلب وتخليص المدنيين فيها من سيطرة الإرهابيين. ما حدا بالمراقبين اعتبار الطلب الفرنسي محاولة لإنقاذ من تبقى من إرهابيين تحت مسميات مختلفة في حلب وريفها.
فهل المسألة ألغاز سياسية يرميها تحالف الرئيس أوباما المنتهية ولايته في وجه مجلس الأمن حتى إشعار آخر بغية تثقيل الأعباء على الرئيس المنتخب ترامب قبيل تسلمه مهام منصبه الرئاسي في كانون الثاني القادم، أم إنها محاولة يائسة بحثاً عن مخارج من نفق صناعة الإرهاب والتعامل معه لتقليل الخسائر ما أمكن عن أطراف تحالفه الصوري بأكاذيب سياسية وذرائع إنسانية سقطت أو تكاد في جلسة مجلس الأمن الطارئة!
تعريفاً يقول الفيلسوف ابن عربي.. إن الرموز والألغاز ليست مرادة لنفسها، وإنما هي مرادة لما رمزت له. ولما ألغز فيها، ولقد أكدت هذه الحقيقة، دموع التماسيح التي ذرفها على السوريين ممثلو كل من فرنسا وأميركا وبريطانيا في مجلس الأمن وهم يدافعون عن إرهابيي «داعش وجبهة النصرة» قبل أن يلملموا أوراقهم البائسة ويغادروا الجلسة الطارئة.
ولعله، بالتحليل السياسي الموضوعي يتأكد للمراقب أن فراغات الضعف التي تتكشف على شكل ألغاز سياسية وإنسانية يطلقها للابتزاز والتهويل أطراف تحالف واشنطن في مجلس الأمن وآخرها الجلسة الطارئة يوم الأربعاء الماضي، مردها لعدة أسباب ضاغطة في المقدمة منها:
1- خلل سياسي وأخلاقي وميداني لدى التحالف المزعوم الذي تقوده واشنطن بدعوى محاربة الإرهاب، وهو ما تأكد مؤخراً بسحب الدانمارك طائراتها المقاتلة من التحالف على خلفية ارتكاب جريمة موصوفة، بقصف مواقع الجنود السوريين في جبل الثردة بالقرب من مطار دير الزور العسكري بذريعة خطأ بشري كما أعلن البنتاغون الأميركي، ما يزيل الكثير من الغموض عن السلوك الأميركي السياسي والعسكري مع الإرهاب ومحاولات اللعب على مفرداته.
2- انكشاف حقيقة المواقف الداعمة للتنظيمات الإرهابية في سورية، وظهرت في جلسة مجلس الأمن الطارئة بعناوين إنسانية مخادعة هدفها توفير الحماية للإرهابيين في أحياء شرقي حلب. وقد أشارت بوضوح المتحدثة باسم الخارجية الروسية زاخاروفا إلى هذه الحقيقة بالقول: «إن القضية الإنسانية يجب ألا تصبح أداة للضغط السياسي أو للتلاعب والتستر على الإرهابيين» مؤكدة أن روسيا بالتشارك مع سورية أعلنت بشكل متكرر تهدئات إنسانية في حلب لتقديم المساعدات إلى المدنيين في الوقت الذي يستخدم فيه المسلحون الهدن لتجميع صفوفهم وسد النقص بالأسلحة والذخائر لديهم.
3- بدا واضحاً أنه من غير المألوف في سياسة أغلبية الرؤساء الأميركيين السابقين إعلان الرئيس الأميركي المنتخب ترامب شعار «أميركا أولاً» ما أثار قلق وهواجس حكومات أوروبية في باريس ولندن وبرلين، وتخبطاً موتوراً وعبثياً غير مسبوق لدى العثماني أردوغان ومشيخة قطر وحكام بني سعود، فضلاً عن تطلع ترامب إلى تعاون مع روسيا باتجاه حل الأزمة في سورية ومحاربة «داعش» والتنظيمات الإرهابية الأخرى. وقد أعلن بيسكوف المتحدث باسم الرئيس الروسي أن الرئيسين بوتين وترامب يتشاركان في الخطوط العريضة فيما يتعلق ببرامج السياسة الخارجية. كما أكدت الخارجية الروسية أن عدم تنسيق واشنطن مع موسكو في العمليات ضد الإرهاب في سورية أدى إلى وقوع أخطاء كبيرة. وليس جديداً القول إنها أخطاء دعمت الإرهاب وعطلت الجهود المبذولة لجهة الحل السياسي وتنفيذ قراري مجلس الأمن 2253 و2254 باعتبارهما قاعدة انطلاق حل الأزمة في سورية.
وعليه، فإنه بالمقابل، بدت خطوط القوة جلية في مواقف كل من مندوبي سورية وروسيا في الجلسة الطارئة لمجلس الأمن الدولي. ما جعل لعبة الألغاز الإنسانية لإخفاء فراغات الضعف في المواقف الفرنسية والبريطانية والأميركية تلوذ خلف عبارات الكذب والنفاق السياسي والأخلاقي. وقد أعلن تشوركين مندوب روسيا في الجلسة أن شركاءنا لم يتمكنوا من تنفيذ الوعود بفصل ما يسمونه «معارضة معتدلة» عن الإرهابيين. ولعل هذا المبدأ شكل أساس الاتفاق الروسي الأميركي في جنيف، وبسبب العجز أو عدم الرغبة في تنفيذه علقت واشنطن التعاون مع الشريك الروسي المفترض، وقد أكد الوزير لافروف أمام منتدى الحوار المتوسطي في روما. أنه «لن نسمح بتقديم الدعم لتنظيم جبهة النصرة الإرهابي في سورية داعياً إلى تنفيذ قرارات الأمم المتحدة حول سورية». وقال إنه دعا دي ميستورا من جديد إلى عدم المماطلة في إطلاق الحل السياسي للأزمة في سورية وبدء الحوار السوري السوري، وعدم انتظار الذين لا يريدون تنفيذ قرار مجلس الأمن 2254 الذي يطالب ببدء العملية السياسية الضرورية من دون شروط مسبقة أو تدخل خارجي.
ولاشك بأنه بعيداً عن سياسات النفاق والابتزاز السياسي والإنساني، فإن انتصارات الجيش العربي السوري وحلفائه في محاربة الإرهاب ولاسيما في حلب تشكل روافع صلبة لخطوط قوة المواقف السورية والروسية في مجلس الأمن وخارجه. كما توفر فرصاً إضافية للأمين العام الجديد غوتيرس لتخليص المنظمة الدولية من فراغات الضعف التي زرعها تحالف واشنطن وسياسة القلق لسلفه كي مون.
وإذا كان الرئيس الروسي بوتين أعلن في محددات سياسة روسيا الخارجية: وحدة سورية وسلامة أراضيها ومحاربة الإرهاب في سورية على قاعدة دولية، فإن السوريين جيشاً وشعباً بقيادة الرئيس بشار الأسد يواصلون الدفاع عن خياراتهم الوطنية سواء في محاربة الإرهاب حتى القضاء عليه بكل مسمياته أو بإنجاز المصالحات التي يتسع مداها جغرافياً ووطنياً، كمقدمة لاستئناف العملية السياسية في جنيف أو أي مكان آخر حيث يقرر السوريون بقيادة سورية المستقبل الذي يريدونه من دون شروط مسبقة أو تدخل خارجي، ما يؤكد أن حتمية النصر الحاسم ليست سوى مجرد وقت مع تزايد فراغات الضعف بين صفوف الساذجين والمغامرين وحسابات رعاتهم الدوليين والإقليميين، وإن غداً لناظره قريب.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن