ثقافة وفن

«الرسام» هذا لقبه منذ كان طفلاً … بدوي: الحصان المكسور يمثل مدينتي حلب التي طالتها الرماح ورفضت الاستسلام

| سارة سلامة

بشير بدوي رسام سوري ابن مدينة حلب الشهباء هذه المدينة الولادة للّفن والموسيقا ولكل ما هو جميل، فلبيئة حلب خصوصية ولا شكّ أنها أورثته من جمالها وإبداعها، فكل جزئية فيها ساعدت بتكوين ملامح شخصيته، المنزل، والحارة، والشوارع، والأبنية القديمة، الأسطح والأقبية، حتى بيت جدته القديم وخيوط الشمس الأولى التي يتلقفها في صباح كل يوم جديد، لطالما تركت أثراً كبيراً عنده. بشير الذي يقول إنه خُلق عاشقاً للرسم، عبثاً كان يمسك قلمه الرصاص والفرشاة جالساً يحاول أن يرسم كل ما تراه عينه من الطبيعة إلى رسم أهله وأصدقائه، لم تستهوه ألعاب الأطفال ولم يبال للمدرسة، هاجسه بالرسم دفعه لاستخدام زيت الطعام لمزج الألوان، لم يكن يدري أن الزيت المستخدم في تحضير الطعام يختلف عن الزيت المستخدم في الرسم، وهنا بدأت موهبته بالولادة وصقلها، خاله الذي يعمل نحاتاً على الخشب ولديه خلفية فنية ليست ببسيطة، علمه كيفية مزج الألوان وتقنية استعمال الريشة، اليوم وبعد توقف خمس سنوات اختار بدوي في معرض «حلب قصدنا وأنت السبيل» لوحة بعنوان «الانكسار» شارك بها في المعرض وهي عبارة عن حصان مطعون منهك برماح الغدر، هذا الحصان يمثل مدينة حلب فهي على الرغم من كل الجراحات والغدر صامدة وتهب لنا الحياة.
جريدة «الوطن» التقت الرسام بشير بدوي وكان لنا معه الحوار التالي:
إلى أي حد تأثرت ببيئتك واتجهت نحو العمل الفني؟ وهل يعتبر خالك من اكتشف موهبتك؟
منذ طفولتي أشعر أني خلقت لكي أرسم وألون، بدأت الرسم في سن الثامنة بقلم رصاص وفرشاة، استطعت أن أفعل ما يصعب على الكثيرين بعمري وبدأت أرسم كل ما هو أمامي من الصور المعلقة على الجدار إلى صور القديسين، وأنجح، المحاولات كانت صورة من الباستيل لوالدي نقلتها عن صورة شمسية، وتتالت بعدها المحاولات إلى أن تبناني خالي الذي يعمل في النحت على الخشب وعرفني أسس مزج الألوان، فضولي دفعني لأمزج الألوان بزيت الزيتون لأعطي اللوحة ما تستحق ولكن الذي حصل كان مزعجاً فاللوحة لم تجف، وهذا ما أثار ضحك خالي الذي أعطاني سرّ التلوين الزيتي وشرح لي الفارق بين زيت الطبخ وزيت الرسم، كان خالي بمنزلة العراب فعلمني تقنية استعمال الريشة، وتراوحت أعمالي في تلك الفترة بين نسخ أعمال الانطباعيين أمثال «مونيه»، و«رينوار»، ورسم بعض وجوه الأطفال.

هل أعطاك هذا الدعم الأسري الجرأة والدفع لترسم من دون تردد؟
أنا الابن البكر لأب موظف وأم ربة منزل اللذين منحاني اهتماماً كبيراً وكانا من المشجعين لي ولأخي نعمت، وكذلك وجود خالي الذي أعطاني أسس الرسم ومزج الألوان وكان له تأثير كبير في تكوين موهبتي، وبعد فترة وجيزة أصبح اسمي في الحيّ والمدرسة حتى بين أصدقائي «بشير الرسام»، هذا ما جعلني أعمل كي أصقل موهبتي وأنجح أكثر، وبعدها بدأت برسم أهلي وأصدقائي وأقاربي حتى البنت التي تتملك قلبي لها حصة كبيرة عندي فأرغب بكل حب في رسمها، بطبيعة الحال كانت تتكون لدي الرغبة في رسم كل من تربطني بهم صلة أو وجود مشاعر معينة سواء كانت عاطفية أم روحية أو مادية، وهذا ما أعطاني الدافع بعد فترة للنضوج.

في البداية كانت تستهويك نسخ لوحات لفنانين عالميين هل كانت تلبي رغباتك وطموحاتك؟
نعم كان يستهويني نسخ اللوحات العالمية كثيراً ولكنني لم أجد المتعة الكبيرة فيها لأنها لم تميزني أو تمنحني خصوصية فالعمل كان جامداً بالنسبة لي من دون أي روح، وفرحتي ازدادت عندما وضعت لمستي الخاصة وأجريت عليها بعض التعديلات الخاصة بي، وهذا ما شجعني وأعطاني الحافز لكي أعمل لوحة خاصة بي تكوّن هويتي وبصمتي.

تعتبر من عائلة فنية، خالك وأخوك وزوجتك، ما دور المحيط في التأثير على شخصيتك الفنية؟
اعتبر من عائلة فنية فخالي لديه موهبة في النحت على الخشب وأخي نعمت أيضاً رسام قدمنا معاً عدة معارض كانت ناجحة، هذا ما دفعني لأعيش في جو من المنافسة فالجو الذي كنت محاطاً به أعطاني حافزاً كبيراً، ومن بعدها جاءت زوجتي وهي أيضاً رسامة فقد ولد عندنا نوع من المنافسة والدفع لكي نعطي الأجدر، وفتح المجال للحوار في الفن واللوحات وأدى إلى انفتاح أكبر وتفاعل أكثر وخلق لكل منا شخصيته المتميزة والخاصة.

ما دورك في تنمية الموهبة وتوريثها لأبنائك؟
نعمل دائماً أنا وزوجتي على الاهتمام بميول أطفالنا ويأتي ذلك من حبنا لهذه المهنة ونحاول أن نزرعها في أولادنا ولكن من دون إلحاح، ونحرص دائماً على إحضارهم إلى المعارض التي نقوم بها لكي يطلعوا على أعمالنا.

تتصف أعمالك بالواقعية وعدم الجنوح نحو الخيال ما سبب هذه الواقعية المفرطة؟
أفضل دائماً الواقعية في أعمالي ولكن بتصرف، وألجأ مراراً إلى مزج الواقعية بالتعبيرية، أو الواقعية بالرمزية، فهذا أسلوبي وربما أختلف فيه عن أسلوب أخي نعمت فلكل منا أسلوبه الخاص، ورغم الاختلاف في الأسلوب هناك أعمال قدمناها مشتركة ولاقت النجاح فعملنا على جدارية واتفقنا عليها ووضعنا لها مخططاً ونفذناها واعتبرت خطوة ناجحة وعلى الرغم من الاختلاف لاقت النجاح.

نعمت بدوي الأخ الذي لم تؤاخِه في أعمالك فلكل منكما خط مختلف عن الآخر لماذا لم يتأثر أحدكما بالآخر؟
على مستوى التأثر كنا وما زلنا أنا ونعمت متأثرين ببعض ولكن لكل منا شخصيته الخاصة به والمميزة مهما كنا قريبين من بعض ولكن بالعمل الفني لكل منا مفرداته الخاصة فيه، وهذا سر التميز بيننا وأتوقع أنه واضح في أعمالنا، ومما لا شك فيه أن تكون هناك بعض الخلافات أو وجود نوع من الصراع على كثير من الأمور، ولكن في النهاية لابد أن يحصل انسجام وتوافق في العمل وهذا بدوره يصب في نجاح العمل الفني.

حضورك الأخير كان في صالة «ألف نون»، تحت عنوان «حلب قصدنا وأنت السبيل» هل تتحدث لنا عن أهمية مشاركتك في هذا المعرض؟
كانت بادرة جميلة من الأستاذ بديع جحجاح لدعوة فناني حلب للمشاركة في هذا المعرض وكان لهذا المعرض أهمية كبيرة بالنسبة لي وبالنسبة لكثير من الفنانين الحلبيين وخصوصاً أنني وخلال الأزمة أي ما يقارب خمس سنوات لم أقم بأي نشاط ولم أشارك بأي معرض، فمكثت في حلب لفترة طويلة وأتى هذا المعرض مفاجأة سارة بالنسبة لي ولزوجتي ولأخي نعمت ولكثير من الأصدقاء، وأتت مشاركتي من خلال لوحة تحت عنوان «انكسار»، وكانت الفرصة لنجتمع بالأصدقاء والفنانين والصحافة حيث نال هذا المعرض حضوراً مميزاً.

جاءت مشاركتك عبر لوحة زيتية «حصان مكسور»، تحدث لنا أكثر عن هذه اللوحة؟
انكسار هذا الحصان المطعون بالرماح هو حال مدينتي حلب الصامدة فرغم كل هذه الطعنات والرماح التي حلت بجسدها، إلا أنها ترفض الاستسلام أو الخنوع، وهذه ليست المرة الأولى التي أرسم فيها الانكسار ولكن هذه المرة أضفت الرماح تطعن المنكسر وهذا دليل على أنه ورغم كل هذا الانكسار والدمار إلا أن الفن باقٍ.

زوجتك كانت أحد المشاركين في المعرض من خلال لوحة واقعية تحدث لنا عن مشاركتها؟
شاركت زوجتي هوري سلوكجيان بلوحة في هذا المعرض عبارة عن الجدة والحفيد وتعتبر لوحة واقعية أظهرت فيها الزمن وكأن اللوحة مرسومة على جدار.

هل تعتبر مشاركتك في «ألف نون» فاتحة ومحفزاً لاستئناف أعمالك من جديد؟
أتمنى أن تتكرر هذه المبادرة وأن يتم العمل دائماً على هذه المعارض الفنية لما لها من دور كبير في تشجيع الفنانين وخلق نوع من المنافسة ودافع قوي للاستمرار وحافز للعمل.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن