قضايا وآراء

خيارات واشنطن.. لماذا على إيقاع الإرهاب..!؟

عبد السلام حجاب : 

 

ليست بريئة تلك الأصوات الأميركية المناورة في السياسة والميدان، التي تتقاطع عند خيار الإرهاب والاستثمار فيه، دعماً أو احتواء، لكونها تصدر عن إستراتيجية تنافسية فاشية، تنظر في المحصلة إلى تحقيق مكاسب جيوسياسية، ومصالح براغماتية على قاعدة صهيونية تخدم مشروعها الرئيسي على حساب الآخر سواء كان في تحالف معها أم تابع منفذ لمخططاتها أو عدو على طرف نقيض في المصالح والأهداف، وقد تطول قائمة من يدرجهم الرئيس الحالي أوباما في هذا الطرف وإن كانت سورية بشعبها وجيشها وقائدها ومبادئها الوطنية والقومية في أولوية القائمة!
ولم يعد في زمن يتراجع فيه استخدام الأحاجي والقطب المخفية، التي تغطيها سياسات الكيل بمكيالين والمعايير المزدوجة، يمكن أن يستمر الكذب إلى مالا نهاية، حيث إنه لن يجد من يصدقه بين الناس، ولا أن يصدق نفسه. فالرئيس الأميركي أوباما وهو يصارع الاقتراب من نهاية عهده، قرر أن يبيع المواطن الأميركي سياسة خارجية ناعمة بأذرع إرهابية تحت عناوين براقة ومخادعة- كبديل لقراره عدم إرسال جنوده في حروب خارجية، وذلك في خديعة مشابهة لتلك التي أطلقها الرئيس الأميركي الأسبق ولسون حين باع الشعب الأميركي قرار الذهاب إلى الحرب العالمية الأولى بعناوين براقة كالديمقراطية، ولم يكن غريباً أو مفاجئاً أن يتجاهل الرجلان كما غيرهما في سياق التنافس الرئاسي الأميركي أن الوسائل القذرة لن توصل إلى أهداف نبيلة.
وعليه فقد رأى البروفيسور ستيفن والت في «فورن بوليسي» الأميركية، أن محاربة تنظيم «داعش» الإرهابي أميركياً يجب أن تتم وفق شروط تحقق ربحاً في هذه «المقايضة» السياسية والتجارية، إذ لا يجب أن تخوض أميركا حرباً نيابة عن أحد يمكن أن تحقق استفادة أكبر على المستوى الإستراتيجي..! وهو ما يبرر سياسة واشنطن الداعشية ضد سورية وفي العراق والمنطقة، وما تترجمه واقعياً القطب المخفية من دعم أو احتواء ميداني وسياسي في هذا المكان أو ذاك، ما يؤكد أن خيارات واشنطن السياسية للشرق الأوسط الجديد والكبير، وتريده صهيونياً يخدم مشروعها إنما تبقى محافظة على إمكانية تقدمها الافتراضي إلى الأمام، من خلال تأجيج الإرهاب ورفع مناسيب إيقاعه عبر أدوار ووظائف ذيلية سياسية لبعض دول الغرب الاستعماري مثل فرنسا وبريطانيا، وكذلك انصياع بعض العرب في المنطقة لمتطلبات العولمة التكفيرية والسياسية والإيديولوجية كما هو واقع الدور المرسوم والوظيفة المحددة لحكام تركيا وآل سعود وقطر والأردن بتحالفهم السري والعلني مع الكيان الصهيوني.
ولعل من يقرأ ترجمة الصمت الذي تفرضه أميركا على بعض الدول في مجلس الأمن الدولي إزاء ضرورة تنفيذ المجلس لقراراته المتعلقة بمحاربة الإرهاب والتوقف عن دعمه وتمويله واحتضانه وتسليحه يدرك بوضوح السلوك التآمري المزدوج لهذه الدول في ضوء مواصلة الأمين العام بان كي مون الإعراب عن قلقه والتقارير المشبوهة التي يقدمها بعض المسؤولين عن مؤسساته الدولية، ما يجعل الإرهاب في سورية والعراق والمنطقة محمياً بالقرار السياسي الأميركي، وتتصاعد وتيرته وتتسع جرائمه تبعاً لهذا القرار ومتطلباته. وهو ما تلاقي تنفيذه مباشرة أنظمة الحكم العميلة في الأردن والسعودية وقطر عبر الجماعات الإرهابية بتنسيق متعدد الأوجه والصيغ مع الكيان الصهيوني والسفاح العثماني أردوغان.
ولم يعد خافياً أنه منذ لقاء الوزير الروسي لافروف بنظيره الأميركي كيري في موسكو نهاية أيار 2013 أن مختلف الطروحات والأفكار التي دأب الأميركي على نشرها في السوق السياسية والإعلامية جاءت تحت عنوان سياسي براغماتي ومضمون عسكري يعتمد الإرهاب بتعدد أشكاله وأدواته وسيلة لفرض أجندات راوحت بين النيل من سورية والسعي إلى تقسيمها ومناصبة رئيسها العداء بصورة مباشرة وغير مباشرة، وصولاً إلى تأكيد عدم تراجعها عن خيار الإرهاب باعتباره الوسيلة الميدانية والسياسية التي تسقط بالنتيجة المنطقية أي خيارات أخرى باتجاه الحل السياسي الذي يسعى إليه المبعوث الدولي دي ميستورا.
وهو أمر لا يكشف فقط المخطط الأميركي الذي يتلاشى مع سقوط كذبة الربيع الدامي بل كشف أيضاً حقيقة أن أي سياسة لا تتفق مع هذا المخطط لن تجد أذناً أميركية مصغية، بل إن واشنطن تذهب أبعد نحو التصعيد، بحيث يبقى الإرهاب المبرمج والأنظمة المدجنة أدوات تضغط بها في اتجاهات متعددة لتحقيق أهداف معلنة وسرية.
إنه ما من شك في أن عولمة الحرب بوساطة الإرهاب تشكل أحد أهم سياسات واشنطن القذرة التي خططت لها ونشرتها في مناطق عدة من العالم. وإذا كانت هذه السياسة مزدوجة المعايير أبرزت قذارتها غير المسبوقة ضد سورية وشعبها وإرادتها الوطنية، فإن حجم الفشل الذي تواجهه بتساقط الرهانات الذي حققه صمود السوريين وصلابة جيشهم الباسل في السياسة والميدان، إنما راح يرسم صورة مغايرة لما يطمح إليه أوباما في حربه التي ضمت تحالفاً اعتقد المنخرطون فيه، لعمالة أو تبعية أو غباء بأن تكاليف الحرب بالإرهاب لن تطالهم ما سيحمل أوباما خسارة وعاراً لن يخفف من وطأتها توريث من سيخلفه في لعبة الديمقراطية الزائفة حيث بعض المال يصنع رجالاً مزيفين.
لقد أكد الرئيس بشار الأسد للمبعوث الدولي دي ميستورا مواصلة سورية التعاون من أجل حل سياسي يريده السوريون، كما أكد الرئيس بوتين استعداد روسيا للاستمرار بالعمل مع الرئيس الأسد لضمان الطريق إلى تحولات سياسية لمصلحة جميع المواطنين في سورية بالتعاون مع المعارضة السلمية.
ولاشك بأن قرار السوريين بانتصارهم على الإرهاب ومخططات داعميه يشكل مقدمة موضوعية لتحقيق إرادتهم بوطن متجدد في ظل مرتكزات السيادة الوطنية التي جسدت معادلها الوطني والقومي تضحيات السوريين دفاعاً عن الحق والوجود.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن