ثقافة وفن

امتزاجي بالأرض العامل الأهم لنشوء موهبتي … شلاش الضاهر لـ«الوطن»: ما بين الحلم والواقع.. الشاعر يسعى لإعادة صياغة الأشياء وفق رؤياه الحالمة

| وائل العدس

حصل على جوائز متعددة في الشعر، منها المرتبة الأولى في مسابقة اتحاد الكتّاب العرب فرع حمص، وحصل على المرتبة الثانية في مهرجان الأدباء الشباب الذي أقيم في طرطوس عام1993، كما حصل على سبع جوائز في المنتديات الإلكترونية العربية، ونالت مؤخراً أغنيته «وطن الأبطال» الميدالية الذهبية في مهرجان «الغدير» الدولي العاشر في بغداد.
له ديوان مطبوع بعنوان «أكثر من ضوء وأبعد من فضاء»، يعمل مدرساً منذ أكثر من ثلاثين عاماً، ويكتب في عدد من الصحف المحلية والعربية.
«الوطن» التقت الشاعر السوري شلاش الضاهر وكان هذا الحوار:

غالباً ما يعيش الشعراء أو المثقفون معاناة في طفولتهم، كيف تصف لنا طفولتك، وكيف تملكتك موهبة الشعر مبكراً؟
عشت طفولتي في بيئة ريفية عانت كثيراً من ظلم الإقطاع وجوره، فأنا من مواليد 1958حيث ولدت في قرية اسمها الشرقلية في ريف حمص الغربي، وكانت الأرض توءم الروح والجسد.
كان امتزاجي بالأرض العامل الأهم من عوامل نشوء موهبتي لأترجم مشاعري وأحاسيسي تجاه الأرض والوطن عبر الكلمة والحرف في نهاية المرحلة الابتدائية فكتبت الأغنية، وكانت بداياتي مع الشعر في بداية المرحلة الثانوية وكان الشعر من دفعني لدراسة الأدب العربي بعد أن أنهيت أهلية التعليم الابتدائي ومن ثم حصلت على شهادة الدبلوم.

كيف دعّمت موهبتك بالدراسة الأكاديمية، وهل تبدو هذه الدراسة ضرورية لتثقيف الشاعر أكثر؟
إذا ما كانت الدراسة الأكاديمية ضرورية لتثقيف الشاعر فمن الأفضل أن تتوافر بعد الموهبة وامتلاك أدوات الشعر والدخول إلى عالم القصيدة من بابها الواسع، لأنها تجعل من الشاعر ناقداً وملماً بالرمز والصورة والإيحاء والتراث والأسطورة التي هي مفردات يحتاجها الشاعر في بناء القصيدة.
أما مصادر التثقيف فهي من الحياة الاجتماعية، أي مدرسة الحياة، ومن القراءة والمطالعة والاطلاع على تجارب الآخرين.

تتميز بأنك صاحب تجربة شعرية مكتنزة بمفردات لغوية، من أين استقيتها؟
استقيت أفكار قصائدي وأغنياتي من حياتي اليومية التي أعيشها مع الآخرين، لأن أي أثر أدبي أو فني إن لم يعبر عن مشاعر وأحاسيس أكبر شريحة من الناس فلن يعمّر طويلاً، ولن تكتب له الحياة.
ومن يعد إلى نصوص الأغاني التي كتبتها يجد أنها في هذا الإطار، مثل أغنية «يا يما ولالي» التي يغنيها وفيق حبيب وأقول في مطلعها: «يا يما ولالي.. جايينا الغالي/ أسمر وعيونو.. كروم الدوالي/ يا يما عيونو/ ساحر خلونو/ والورد لونو/ والصبح ملالي». وأترك للنص الحديث عن نفسه، أي كم يكون الأهل والمحبون سعداء بعودة الغائبين إلى ذويهم ومحبيهم.

يعيش الوطن بين سطور معظم أشعارك، كيف انعكست الأزمة وبطولات الجيش العربي السوري على قصائدك؟ وكيف بدت صورة الشهيد عندك؟
أؤكد أن كل قصائدي وأشعاري كتبتها في حب الوطن وساكنيه، فعندما أكتب عن الحبيبة أو عن الأم التي هي صانعة الأبطال الذين يدافعون عن الوطن ويستشهدون من أجله، أو عندما أكتب عن حقل القمح أو جبال وطني الشامخة، فكل شيء في وطني مفردة من مفرداته الجميلة.
كنتُ أنا وقلمي وما علمته لتلامذتي وطلابي في خانة حب الوطن، وكذلك كل مقالاتي في الأدب والسياسة والحياة الاجتماعية كانت لتسليط الضوء على جمال وطني وعلى أكبر مؤامرة كونية تحاك ضده، حيث إنني ومنذ اللحظات الأولى للمؤامرة كنت وقلمي في خندق مواجهتها، وما زلت حتى هذه اللحظة وسأبقى إلى آخر حياتي.
وأقول في إحدى قصائدي: «لك وحدك الكلمات ما بين السطور/ وما أفاض على مداك النور من حسن وغار/ لك أنسج العمر وفاء/ حيث حبك ماء ذاكرتي.. حنيني.. لهفتي/ كل الصباحات التي تفتر عن وطن/ به الدنيا حديث الجلنار/ ويلذ لي أن أنت كل الطهر/ ما تدعو إليه الخمسة الأوقات/ يا وطناً على شرفاته للمجد/ ألف حكاية للانتصار».
أما عن صورة الشهيد في كتاباتي، فالشهيد أسمى بني البشر وأنبلهم على الإطلاق، وهو أكرم من الكرم ذاته، ولا شيء في الدنيا يعادل ولو بجزء يسير مما قدمه الشهيد الذي قدم روحه رخيصة على مذبح الشرف والكرامة، فكان من حق الشهداء أن نعطيهم شيئاً من حقهم، لأننا بفضل تضحياتهم نعيش والوطن بمنأى عن مخططات الأعداء، فكانت القصيدة والأغنية حديقة غناء وقد خضبت بدمائهم الزكية وكانوا وما زالوا منارات تهتدي بها الأجيال.
فقد قلت في إحدى قصائدي: «سيظل سيفك في الهواء/ ما دمت مفردة الوجود/ على طريق الأنبياء/ ولأنت في الأفعال والأسماء/ بوح النخيل.. وأنت في زيتوننا/ صيف المواسم والشتاء/ لن يستطيع الليل إطفاء المصابيح التي/ ما زال زيتها من دم الشهداء».
وفي الأغنية قلتُ عن الشهيد: «كرم وبحر أزكى عطر.. عايش أنت فينا/ أنت وعدت واستشهدت.. منشان تحمينا/ زينا فيك الدار/ بالصورة والتذكار/ دربك طريق نهار/ ونجوم تهدينا»، وهي مطلع أغنية مسجلة في الإذاعة بصوت الفنان سومر الصالح، كما كانت مقالاتي الصحفية مكاناً رحباً لعطاءاتهم الخالدة.

يزنر الحلم أفقك في مجموعتك (أكثر من ضوء وأبعد من فضاء) فتبحث عنه وتسعى لتحقيقه، فهل يبدو الحلم عصياً؟
الحلم قفز فوق الواقع، والشاعر ما بين الحلم والواقع يسعى لإعادة صياغة الأشياء وفق رؤياه الحالمة ليكون العالم جميلاً جداً بمفرداته التي لكل واحدة منها مكان عنده.
أقول في أول قصائد المجموعة: «ليتك تأتي/ تنزح من ذاكرة الحلم بقاياها/ تشعل قنديل الفرح الغافي/ خلف الفجر الساكن في عينيك/ ليتك تأتي/ لأرتب أوراقي وكما ترغب/ حسب حروف الحب/ وحسب تسلسل رعشات حضوري بين يديك».
وكثير من الأحلام مشاريع تبدأ من عالم الشاعر باتجاه المستقبل الذي يتمناه الشاعر من دون إشكاليات ولا يوجد فيه أي سلبية من سلبيات الواقع المتعددة الأشكال، فكم أتمنى أن يكون وطني الذي منحته عمري سيداً على الكون، ليس تعصباً لكن هو مكانه الطبيعي والتاريخ أكبر شاهد ودليل.
أقول في قصيدة نهر وضفاف: «وطني وأنت قصائدي ودروب أحلامي/ وشمس اللـه تسطع في القلوب/ أنت الذي ابتدأ الزمان به/ وفجر لا يدانيه الغروب/ وطني وأنت البسملات/ وكل فاتحة تشرع للمآثر والطيوب/ منك المدى صاغ الدنى/ وإليك تتجه الدروب».

حصلت مؤخراً على جائزة بمجال الأغنية الوطنية، حدثنا عنها؟
الأغنية قدمتها هدية للجيش العربي السوري الذي أذهل العالم بما حققه من انتصارات على المجموعات الإرهابية وداعميها، وسجل أروع صور التضحية والوفاء، وهي من إنتاج الهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون في الجمهورية العربية السورية، ومن إخراج المخرج محمد وقاف، وغناء الفنان سومر الصالح، وقد حصلت على الميدالية الذهبية في المهرجان الدولي العاشر الذي أقيم في بغداد نهاية شهر أيلول الماضي، وأقول في مطلعها: «سورية وطن الأبطال منحبك يا وطني/ مليانة الساحات رجال الجيش السوري الوطني/ ع كل مفرق موجودين/ سلاحن بيدن سهرانين/ والعزيمة ما بتلين/ منحبك يا وطني».
وهي ليست الأغنية الوحيدة التي كتبتها للوطن، فقد سبق أن قدمت أكثر من عشر أغان، وقد سجلت في الإذاعة وصورت أغنيتين منها واحدة اسمها (أخوة) وتتحدث عن الوحدة الوطنية، وأقول في مطلعها «أخوة بعهد اللـه أخوة/ مسيحيين وإسلام/ كرامة وعزة ونخوة/ تتضلي كبيرة يا شام/ شيخ وخوري متحدين/ أخوة بالدنيا وبالدين/ والشعب السوري ملايين/ حامل رايات السلام». والثانية «شعبك غيرك ما بدو» وكانت رداً على المشككين بحب الشعب العربي السوري للسيد الرئيس بشار الأسد حامل رايات السلام.

يقال إن الأغنية السورية تعاني أزمة كتّاب، ما صحة هذا الكلام؟
للأسف الشديد أكثر الأغاني صالحة للاستعمال مرة واحدة، فالمتابع للأغاني التي تذاع على الفضائيات ينطبق عليها ما أسلفت، إذ ليس هناك كلمات موزونة وناضجة، وبعضها كلام اعتباطي من دون موضوع وأكثرها تغلب عليه الموسيقا الصاخبة التي كتبت للأرجل وليس للعقول، كما أن الكثير من الأصوات نشاز وهي عالة على الفن، وكل ذلك يعود لعدم وجود ضوابط كي تكون الأغنية ذات هوية وتساهم في بناء الذوق العام.
ولا بد من الإشارة إلى أن آخر أغنية وطنية كتبتها كانت للوطن بكل تفاصيله، الوطن الأرض والعرض، وللوطن صوته الذي حمل في مكنوناته الصدق والوفاء، نقل الحقيقة ودافع بكل بسالة عن أجمل وطن في الدنيا سورية العظيمة وأعني هنا صحيفة «الوطن» السورية التي حملت وبفخر الهوية السورية التي هي قلب العروبة النابض وذلك في الذكرى العاشرة لانطلاقتها، والأغنية كانت بصوت المطرب الفنان سليمان الشعار وهو من أجمل الأصوات على الساحة السورية، ومن الجدير ذكره أن هناك تعاونا منذ سنوات بيني وبينه للنهوض بالأغنية السورية في زمن تعاني فيه الأغنية من أزمة في أغلب مكوناتها لأنها أصبحت بيد أصحاب قنوات فضائية لا يهمهم إلا الربح فقط.
والأغنية التي قدمت في الاحتفال الذي أقامته صحيفة «الوطن» أقول في مطلعها: يا وطن حبك هوية وانت لي عنوان /يا شمس عمري وفيي حكاية الإنسان/ يا وطن حبك كرامة / وعنك بروحي بحامي / إن شا الله سورية السلامة /وآية الرحمان».

لم تكتف بالشعر وإنما اقتحمت عالم القصة القصيرة، كيف توازن بين المجالين وأيهما أحب إلى قلبك؟
بدأت بالشعر ووجدت نفسي فيه وقد أخذ مني جل وقتي، ومن ثم كتبت القصة القصيرة لأنني وجدت أنها مكملة لرسالتي في الشعر وكانت أغلبها في حب الوطن والقضايا الإنسانية والاجتماعية.
ولا يتعارض الشعر والقصة، فالحالة الشعورية هي التي تفرض نفسها وبالتالي تكون القصيدة أو القصة.

وأخيراً؟
في نهاية هذا اللقاء أتوجه بالشكر الجزيل لصحيفة «الوطن» إدارة وعاملين، التي منذ انطلاقتها تسلط الضوء على الحقيقة والحقيقة فقط، وعلى كثير من الجنود المجهولين ممن نذروا حياتهم لخدمة أوطانهم، دمتم ودامت الحقيقة عبركم ودامت سورية قيادة وجيشاً وشعباً، وبإذن اللـه نحن على موعد مع الانتصار التاريخي على الإرهاب وداعميه قريباً جداً.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن