الأولى

في حضرة السيد الرئيس

| وضاح عبدربه 

عشرات الأسئلة يحملها الصحفي وهو في طريقه للقاء السيد الرئيس الدكتور بشار الأسد، جزء منها يتعلق بشؤون وشجون الداخل ومعاناة كل السوريين، والجزء الأكبر يتعلق بوضع المنطقة والعالم الذي بات معقداً إلى درجة أن كثيراً من زعماء العالم تاهوا في أروقته فخسروا مواقعهم ورهاناتهم، وتحول البعض منهم إلى مادة للسخرية ربما نتيجة غبائه السياسي أو انحيازه الأعمى واللامحدود للولايات المتحدة الأميركية وبعض الدول الخليجية.
لن أبالغ لو وصفت الرئيس الأسد بأنه من القلائل الذين كانوا يعرفون جيداً إلى أين تتجه الأمور وأوضاع المنطقة، فهو، وفي أصعب الأوقات كان الأكثر تفاؤلاً بين السوريين، وكان على مدار السنوات الست واثقاً ومؤمناً أن سورية لم ولن تنكسر، وذلك على الرغم من كل الإمكانات التي سخرت لتدميرها وهزيمة شعبها.
حملت ما يمكن من الأسئلة، وحاولت ترتيبها قدر المستطاع بحيث أحصل على أكبر قدر ممكن من الأجوبة وأشبع جوعي الصحفي والمعرفي، وكم تمنيت أن تتوقف الساعة عن الدوران ويتاح لي الفرصة لأسأل أكثر، وأكثر، لكن الوقت كان يمضي بسرعة وفي كل لحظة، كان علي أن أعي أني في حضرة السيد رئيس الجمهورية، وأن جدول أعماله مليء بالمواعيد واللقاءات والاتصالات، فهو يقود أكبر حرب قادها زعيم سوري للدفاع عن سورية والسوريين، والدفاع خاصة عن هويتهم الوطنية وثقافتهم وتاريخهم، التي شكلت مجتمعة ولا تزال تشكل فخر وعزة وكرامة كل سوري أينما وجد في العالم.
في الطريق إلى القصر الرئاسي، كثرت الأسئلة في ذهني، وبدأت أشعر أن الوقت المخصص للقاء لن يكون كافياً ليجيب الرئيس الأسد على كل ما أتمنى طرحه من أسئلة، ما إن وصلت حتى وجدت سيادته ينتظر كعادته عند باب القصر الرئاسي.. ومن دون أي إجراءات أمنية وجدت نفسي أمام الشخص ربما الأكثر استهدافاً في العالم، وبعد المصافحة والسلام جلسنا، وبعد دقائق شعرت من دفء كلام سيادته وتواضعه المعتاد أن لدي كل الوقت لأسأل ما أشاء، فتجرأت على مهنة الصحافة وعلى المهنية، وهنأت السيد الرئيس على سلامته من «حالة التسمم» التي لم تحصل إلا في مخيلة رواد مواقع التواصل الاجتماعي، فضحك وقال: بالفعل سمعت عنها منذ أيام فقط، قبل أن يضيف: منذ بداية الأزمة صممت أذني بالنسبة لكل الإشاعات والأكاذيب لكي أتمكن من التركيز على الواقع، هذا كان أمراً أساسياً، لذلك فاليوم أي إشاعة ليس لها معنى، وغالباً لا نسمع بها إلا بعد مرور أيام وبالمصادفة فقط، فهي ليست موجودة أساساً على خريطتنا الإعلامية والسياسية، تركنا الإشاعات والأكاذيب للطرف الآخر، فهو يعيش فيها، أي يعيش في الوهم.
أمضيت قرابة الساعتين في حضرة الرئيس، كان كعادته صريحاً وواضحاً، وبلغة بسيطة ولياقة لغوية، كان يجيب على كل الأسئلة بكل أريحية بحيث يقدم كل ما بحوزته من معلومات من دون أي تردد، وهذا ما عودنا عليه منذ توليه سدة الرئاسة عام 2000 وتبنيه لسياسة الشفافية في التعاطي مع السوريين، لأنه وببساطة ليس لديه ما يخفيه عنهم.
هو مدرك جيداً أن الحرب بشعة وموجعة، وأن السوريين تعبوا، فهو يشعر أنه مواطن أولاً قبل أن يكون رئيساً للجمهورية، فتجده منتمياً لهموم ومشكلات المواطن السوري أكثر من أي مسؤول يمكن أن يلتقيه صحفي خلال مسيرته المهنية، مع الفارق أن الرئيس الأسد يجيد ببراعة ومهارة تحويل الرياح العاتية إلى رياح داعمة، وسبق أن نجح حين هبت رياح الحرب على العراق وبات الجيش الأميركي على الحدود السورية، وحين اتُّهمت سورية زوراً وبهتاناً باغتيال رفيق الحريري فقاطعها العالم، فكان في كل معركة دولية أو إقليمية يخرج منها منتصراً، وأكثر قوة وتصميماً على المضي في سورية لتكون أكثر مناعة مما كانت عليه، وأكثر استقلالاً وسيادة، وأكثر تألقاً بأبنائها الذين يسطرون أجمل الملاحم البطولية دفاعاً عن سوريتهم المقدسة.
هذه الحرب لا تختلف عن المعارك التي خاضها في السابق الرئيس الأسد، هي بكل تأكيد الأكبر والأشرس، لكنها لم تغيره كما يؤكد في هذا اللقاء، فالرئيس الأسد بقي المواطن ذاته الذي كان عليه قبل الحرب وحتى قبل أن يكون رئيساً، لكنها بالنسبة إليه فرصة جديدة وتحدٍّ عسكري واقتصادي جديد لنثبت لأنفسنا أننا سوريون بامتياز، وأننا قادرون على حماية سورية، وصد وهزيمة أكثر من 130 دولة أعلنت عداءها وزجت بعشرات الآلاف من المرتزقة لتدميرها ودفعت عشرات المليارات من الدولارات.
وفي مسألة النصر، يحزم الرئيس الأسد أن لا خيار أمامنا، إما أن ننتصر، وإما لا سورية تلك التي عرفناها وعشقناها والتي ناضل أجدادنا من أجل بنائها.
بكلمات بسيطة الرئيس الأسد قادر على إثبات وجهة نظره، وصوابية قراراته، لأنه مؤمن أنه يخوض معركة الحق على الباطل، ومعركة سورية الواحدة الموحدة على كل من يريد تقسيمها وتحويلها إلى دويلات طائفية، وأن كل التضحيات التي قدمت خلال السنوات الست الماضية لا يمكن أن تكون إلا من أجل نصرة سورية والسوريين، فهذه عقيدة جيشنا البطل وهذه المعاني الحقيقية للوطن والشرف والإخلاص.
خرجت من اللقاء، وفي طريق العودة، كنت ألوم نفسي نيابة عن القارئ، لأنني بكل تأكيد لم أشبع رغبته كما رغبتي في الحصول على المزيد من سيادة الرئيس، وبكل تأكيد لم أحصل على نبوءات أو توقعات بنهاية الحرب أو تاريخ انتهائها، فالرئيس الأسد لا يجيب على الأسئلة الافتراضية، ولا يعطي وعوداً غير قادر على الالتزام بها، وهو من القادة الأكثر واقعية في العالم ويعرف جيداً أن الحرب تنتهي فقط حين تتراجع الدول المعادية عن دعمها للإرهاب والإرهابيين، ووقتها يمكن الحزم أن جيشنا قادر على إنجاز المهمة وإعادة الأمن والأمان لكامل المساحة السورية، وهذا ما سبق أن وعد به الرئيس الأسد السوريين، وما أكده خلال هذا اللقاء بأن كل شبر محتل من سورية سيتم تحريره ولو بعد حين.
أختم بالتأكيد أن الانطباع الذي خرجت به من هذا اللقاء أن السيد الرئيس بات على وشك إيصال سورية إلى بر الأمان، وأن المتغيرات الدولية باتت تميل لمصلحة الحق، وكذلك الرأي العام العالمي، وأن سورية على موعد ليس ببعيد مع الانتصار على الإرهاب لتبدأ مرحلة إعادة الإعمار وعودة الكفاءات، وهذا تحدٍّ اقتصادي سيواجهه السوريون كما واجهوا التحدي العسكري والإرهابي، والرئيس الأسد واثق من ذلك.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن