شؤون محلية

هموم معيشية

| نبيل الملاح

خلصت في المقال السابق إلى أن المدخل الحقيقي للتصدي للآثار السلبية التي ظهرت بعد الأزمة بأبشع صورها من جشع وأنانية وتجاوز للقانون وتعد على حقوق الناس؛ بدلاً من التعاون والتكافل لتفاديها وتخفيف معاناة الناس وهمومهم المعيشية، يكون في محاربة الفساد والحد منه بقوة وحزم.
وكما يعلم الجميع فإن للفساد أوجهاً وأشكالاً مختلفة تؤدي جميعها إلى الإخلال ببنية الدولة والمجتمع، وفي جميع المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
فالفساد لا يقتصر على قبض الرشاوى كعمولات مقابل العقود والعطاءات التي تبرمها مؤسسات الدولة مع الآخرين، بل امتدت إلى مختلف المجالات غير الاقتصادية والتجارية.
أصبح مألوفاً لدى الناس أن يقوموا بدفع مبالغ محددة عن الخدمات والمعاملات لدى مختلف دوائر الدولة، ولكل معاملة (تسعيرة) معروفة، وفي حال عدم دفع (المعلوم) توضع المعاملة في الدرج أو تُعاد إلى صاحبها بحجة عدم قانونيتها..؟! وللأسف الشديد أصبح تطبيق القانون وتفسيره بين أيدي موظفين غير مؤهلين ولا توجد رقابة حقيقية على أدائهم، وقد يكون سبب عدم وجود رقابة أو ضعفها هو الفساد نفسه الذي بطبيعته لابد أن يمتد أفقياً وعمودياً، فالمدير الفاسد لا يستطيع محاسبة مرؤوسيه.
وأصبح مألوفاً لدى الجميع أن يشاهدوا موظفين صغاراً يركبون سيارات حديثة ويدفعون مصروفها الذي يعادل راتبهم، ولا أحد يسألهم من أين لكم هذا؟!
وهناك وجه آخر للفساد يتمثل في قيام بعض المحاسبين القانونيين بمساعدة التجار وأصحاب الأعمال للتهرب من دفع الضرائب المستحقة عليهم من خلال اعتمادهم ميزانيات غير حقيقية لا تظهر الأرباح الفعلية، وهذا الأمر شائع منذ زمن طويل، وأخذ شكلاً قانونياً عندما فرض القانون على المكلف تقديم البيان الضريبي معتمداً من محاسب قانوني.
لقد أدى ذلك إلى فوات عشرات بل مئات المليارات على خزينة الدولة. وهذا ما صرح به أحد وزراء المالية السابقين.
أنتقل إلى الحديث عن الرقابة على الأسواق، وأخص السلع والمنتجات الغذائية والدواء.
في العقد الأخير من القرن الماضي نمت صناعة الدواء في بلادنا بشكل كبير. ما أدى إلى الاستغناء عن استيراد معظم أنواع الأدوية. وقد التزمت معامل الأدوية بالمواصفات والجودة المطلوبة، ما ساعد على تصدير الدواء المنتج في سورية إلى العديد من الدول. وهذا يتطلب أن تساعد الحكومة مصانع الأدوية في تأمين استيراد المواد اللازمة لها للحفاظ على أسعار مناسبة للمواطنين، وبالمقابل فرض رقابة صارمة على صناعة الدواء للحفاظ على جودته وفعاليته..
كما أن الرقابة على صناعة المنتجات الغذائية يجب أن تكون صارمة وفعالة. وكذلك على السلع الغذائية المستوردة، وعلينا أن نقر بأن الفساد أدى إلى حدوث خلل كبير في الرقابة على الأسواق والإنتاج عموماً، ما أدى إلى قيام بعض المنتجين والمستوردين بعدم التقيد بالمواصفات والجودة المطلوبة. وتمادى بعض هؤلاء إلى استيراد مواد غذائية فاسدة. وكذلك أدوية غير صالحة أو منتهية الصلاحية. علماً بأن ذلك يشكل جرماً جنائياً يوجب على الجهات المعنية ملاحقة مرتكبيه بحزم.
كل ذلك، وما ورد في المقالين السابقين، يؤدي إلى تراكم هموم المواطنين المعيشية. ويؤدي أيضاً إلى إضعاف بنيان الدولة ومؤسساتها.
إن الأزمة التي تمر بها بلادنا تقتضي المعالجة السريعة ووضع الحلول العلمية والمنهجية الصالحة للتصدي لكل أشكال الفساد والخلل الناتج عنه حماية للوطن والمواطن.

 

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن